#الثائر
ترك الكلام المتقدم لمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في اللقاء النيابي السني في دار الفتوى السبت ترددات واسعة لدى معظم الأوساط لجهة الإشادة بنبرته الميثاقية والدستورية والاصلاحية في ان واحد بحيث تجاوز كلام المفتي بذاته باهميته الموقف الجامع للنواب، بحسب "النهار".
فلقاء دار الفتوى للنواب «السنة» حمل أبعادا وطنية واسعة، وسيساهم بطبيعة الحال في إعادة التوازن السياسي المفقود على الساحة الوطنية بحسب "الأنباء" الكويتية، خصوصا لأنه يأتي بالتزامن مع إعادة تحريك المبادرات العربية والدولية الهادفة لمساعدة لبنان للنهوض من الهوة السحيقة التي دفع اليها، في ظل أسوأ إدارة سياسية عاشتها البلاد منذ اعلان ولادة لبنان الكبير قبل ما يزيد على مائة عام. واذا كنا لا نحبذ استخدام تعبير «الطائفة المنكوبة» الا أن ذلك لا يعني تجاهل الويلات التي أصابت المسلمين السنة على وجه الخصوص، واللبنانيين عامة من جراء النكبات المتتالية، لاسيما بعد سياسة التردد والانكفاء التي اعتمدها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في الفترة الماضية. فهل يعيد لقاء دار الفتوى الحضور الفاعل لطائفة مؤسسة في الاستحقاقات الدستورية القادمة، وبالتالي يعيد بعض التوازن الوطني المفقود الى البلاد؟ بانتظار الساعة المناسبة لإعلان الغاء الطائفية السياسية التي تعتبر علة العلل في النظام اللبناني.
ويأتي البيان الصادر عن لقاء نواب السنّة متلازماً مع الظروف الدقيقة والصعبة التي يمر فيها لبنان، ولا يمكن تحييد مفاعيله التي ركّزت على الثوابت الوطنية عن الاستعدادات الجارية لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري بانتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للحالي ميشال عون الذي لم يبقَ من ولايته الرئاسية سوى 35 يوماً، خصوصاً أنه ركّز على المواصفات التي يجب أن يتمتع بها خلفه من دون الدخول في أسماء المرشحين. وهذا ما انسحب أيضاً، كما يقول عدد من النواب الذين شاركوا في الاجتماع، على الأجواء التي سادت استضافتهم من قبل سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان وليد بخاري، إلى مائدة العشاء التي أقامها بدارته في اليرزة.
فالثوابت التي ركّز عليها البيان، بحسب قول هؤلاء النواب لـ«الشرق الأوسط»، جاءت متناغمة إلى حد كبير مع الكلمة التي ألقاها المفتي دريان في افتتاحه اللقاء النيابي السنّي الذي شارك فيه 24 نائباً من مجموع عدد نواب السنّة في البرلمان البالغ عددهم 27 نائباً، باعتذار النواب أسامة سعد وحليمة القعقور وإبراهيم منيمنة عن عدم الحضور.
وكان لافتاً أن كلمة المفتي دريان والبيان الصادر عن اجتماع النواب تضمّنا أكثر من قاسم مشترك يجمع بينهما وبين البيان الصادر عن وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية على هامش مشاركتهم في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك الذي حدّد للبنان، من وجهة نظرهم، خريطة الطريق الواجب اتباعها للانتقال به من التأزم إلى الانفراج، بدءاً بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده.
وكشف هؤلاء النواب أن 21 نائباً ممّن شاركوا في اللقاء أيّدوا البيان، فيما تحفّظ عليه النواب جهاد الصّمد وينال صلح وملحم الحجيري، والأخيران ينتميان إلى كتلة «الوفاء للمقاومة» التي يتزعّمها «حزب الله»، وقالوا إنهم تحفّظوا على الشكل بذريعة أن البيان بمسودّته الأولى لم يوزّع عليهم قبل انعقاد اللقاء ليتسنّى لهم دراسته ووضع ملاحظاتهم إذا كانت لديهم ملاحظات.
وأكد هؤلاء أن الصمد كان أعدّ مذكرة وسلّمها إلى المفتي دريان وتلاها في مستهل اللقاء، وأن الآخرين من النواب أدلوا بدلوهم في مشروع البيان الختامي الذي وزّع عليهم، وأن النائب في تكتل «قوى التغيير» وضّاح الصادق انتقد حملات التخوين والتهويل التي استهدفت زميليه في التكتّل منيمنة والقعقور عبر مواقع التواصل الاجتماعي بذريعة اعتذارهما عن عدم المشاركة في اللقاء.
وسأل النواب أنفسهم ما إذا كان تحفُّظ الصمد على البيان يبقى في الشكل أم أنه سيطوّر موقفه لاحقاً باتجاه التحفّظ على بعض مضامين البيان، وقالوا إن السؤال ينسحب على تحفّظ نائبي «حزب الله» صلح والحجيري، وهذا ما لا يمكن تلمّسه إلا إذا بادر الحزب إلى إبداء رأيه في العلن في فحوى البيان، لأنه ينظر إلى مضامينه من زاوية إقليمية لما لديه من حسابات تتجاوز الداخل إلى الإقليم.
في المقابل، فإن كتلة «التنمية والتحرير» برئاسة نبيه بري تمثّلت في اللقاء بالنائب قاسم هاشم، فيما تمثّلت كتلة جمعية «المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) بنائبيها في البرلمان عدنان طرابلسي وطه ناجي. وشاركت «الجماعة الإسلامية» بنائب بيروت عماد الحوت الذي اعتذر عن عدم حضور اللقاء الذي دعا إليه السفير السعودي لأسباب خاصة.
وتبيّن أن النواب هاشم وطرابلسي وناجي والحوت لم يعترضوا على البيان بخلاف زملائهم الصمد ونائبي «حزب الله»، برغم أنهم يدورون في الفلك السياسي نفسه، وهم على تحالف وثيق لا يتزعزع.
والراهن ان اجتماع النواب السنة في دار الفتوى، لم يكن مجرد لقاء عابر، في ضوء المواقف المتقدمة وطنيا ودستوريا وميثاقيا التي حملتها كلمة المفتي دريان، واستحق عليها، تهنئة رئيس الحكومة الحالية ورؤساء الحكومات السابقين، إلى جانب الفعاليات السياسية والديبلوماسية، وجعلت من اللقاء حدثا مفصليا، حيث أعاد المفتي دريان الاعتبار الى العمق الوطني والعربي والدولي لموقع رئيس الجمهورية المسيحي، وحمى موقع رئاسة الحكومة وصلاحياتها، وقدم الدفع لحماية الرئيس ميقاتي وشد عصبه في مهمته الشاقة لتشكيل الحكومة. وضمن العناصر التي كونت أهمية لقاء دار الفتوى، وطنيا وعربيا، دقة التنظيم والاحتسابات المبكرة لأي مستجد او معرقل، لقد ضرب الجيش وقوى الأمن طوقا واسعا حول الدار الواقعة في محلة «عائشة بكار» وحصرت الدخول والخروج بالنواب وبوسائل الاعلام، بعدما تنامى ان ثمة جهات تسعى للتظاهر امام الدار، تحت عناوين مطلبية، وداخل قاعة الاجتماع، حصل أخذ ورد حول البيان الختامي، عندما أصر نواب كتلة حزب الله، عن دائرة بعلبك ـ الهرمل جمال صلح وملحم الحجيري وعن المنية ـ الضنية جهاد الصمد، على مناقشة البند الخامس من البيان الختامي، والذي يتضمن: «لا يستطيع لبنان ان يتوقع يدا عربية شقيقة تمتد إليه، وفيه من يفتري ظلما على الدول العربية الشقيقة الى حد الاستعداء، مما يشوه الاخوة العربية التي معها يكون لبنان او لا يكون». ويقول احد النواب المشاركين في اللقاء لـ «الأنباء» الكويتية ان النواب الثلاثة شددوا على مناقشة هذا البند، معتبرين ان فيه غمز من قناة فريق الممانعة، ومطالبين بتعديله، فتصدى النواب اشرف ريفي ونبيل بدر وفؤاد مخزومي وقاسم هاشم للمطالبين بالتعديل، وكان النائب هاشم عضو كتلة التنمية والتحرير (امل) الاشد اصرارا على رفض المس بنص البيان، فانتهى الأمر بصرف النظر.