#الثائر
عصام نعمة إسماعيل
استاذ في الجامعة اللبنانية
تنفيذاً للاتفاقية المبرمة بين كلٍ من وزارة الصحة العامة والمديرية العامة للطيران المدني والجامعة اللبنانية بتاريخ20/10/2020 تولت الجامعة اللبنانية إجراء فحوصات الـ PCR لقاء بدل مالي يستوفى لصالح الجامعة اللبنانية ووزارة الصحة العامة، وقد نصّت المادة الرابعة منها على أن تتعهد المديرية العامة للطيران المدني وتأخذ على عاتقها إلزام شركات الخدمات الأرضية أن تحوّل مبلغ 50 $ أميركي أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية حسب سعر المنصة التي تعدّل دورياً وفق تسعيرة الفريق الأول (طبعاً المقصود بالفريق الأول وزارة الصحة)، حددت مهلة تسديد المبالغ المتوجبة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ استلام الكشوفات.
ثمّ جاءت المادة السابعة من الاتفاقية لتبيّن ذلك، محددة آلية التسديد بعد أن يصار إلى تصفية وتحديد المبالغ المتوجبة بدقّة، فعمدت هذه المادة إلى تعيين رقميّ حساب يصار التحويل إليهما بحسب ما يكون المبلّغ المتوجب التسديد هو بالعملة اللبنانية أم بالدولار الأميركي (FRESH).
وبحسب هذه الاتفاقية فإن شركات الخدمات الأرضية هي جابٍ لهذه المبالغ ومؤتمن عليها لحساب الجامعة اللبنانية ومن المعروف أن الجابي أو المؤتمن لا دخل له بطبيعة ونوع الأموال أو عددها أو قيمتها بل هو ملزم بتسليمها كما وردت إليه بأمانة ودقة (ولنعطي مثال: جاب الكهرباء لا يحق له مصادرة الأموال التي يحصلها من المشتركين بحجة أنه ليس لمؤسسة كهرباء لبنان صلاحية رفع التسعيرة).
وبخصوص كلفة فحص الـ PCR فإنها كلفة مفروضة على المسافرين وأن شركات الطيران تتولى التحصيل فقط لهذه الكلفة لحساب الجامعة اللبنانية، وقد أدلى مدير عام الطيران المدني بالتكليف بتاريخ 10/5/2022:" إن كلفة فحص الـ PCR هي من ضمن الرسوم الواردة على تذاكر السفر في غالبية دول العالم، وقد قام الاتحاد الدولي للنقل الجوي (iata) باعتماد رمز (covid-19 pcr test fee p6) وأن كافة الدول قامت بإدراج الكلفة ضمن ثمن تذكرة السفر، وصدر التعميم رقم 37/2 تاريخ 4/7/2020 الذي تضمن في أحد بنوده أن على جميع شركات الطيران تحصيل مبلغ 50 دولار أميركي وذلك عن كل راكب يرغب بالقدوم إلى لبنان...، ومن ثمّ تقوم شركات الطيران بدفع المبالغ التي تمّ تحصيلها إلى شركات الخدمات الأرضية المعتمدة ... حيث تقوم (الأخيرة) بتحويل المبالغ المستحقة لصالح المختبرات التي أجرت الفحوصات وذلك بموجب فواتير مصدقة من قبل وزارة الصحة.
من خلال هذا التعميم يتأكد ما سبق الإشارة إليه أن شركات الطيران هي جابٍ أو محصّل، وأن الشركة الأرضية هي وسيط محوّل لهذه الأموال.
اعتباراً من 1/7/2021 بدأت شركات الطيران تستوفي قيمة تذاكر السفر ومن ضمنها فحوصات الـ PCR بالدولار النقدي Fresh ولكن الدفع يتمّ وفقاً للآلية السابقة أي بالشيكات بعملة الدولار الأميركي. ما أثار إشكالية حول تعيين كيفية تحويل المبالغ المستوفاة إلى الجامعة اللبنانية.
وكان تحديد وسيلة التحويل يتوقف على طبيعة هذا البدل المستوفى والدور الذي تؤديه الشركات الأرضية وعلاقتها بالمديرية العامة للطيران المدني، والذي أثبتناه فيما تقدّم.
ولما كانت كلفة فحوصات الـ PCR جزءاً من قيمة تذكرة السفر وكان موجب تحويل هذه العائدات إلى الجامعة اللبنانية إنما هو موجب ملقى على عاتق المديرية العامة للطيران المدني، وقد تعهدت أن تلزم شركات الخدمات الأرضية باستلام هذه العائدات وتحويلها لحساب الجامعة اللبنانية. فمن أين استمدت المديرية العامة للطيران المدني هذه السلطة على شركات الخدمات الأرضية؟
بالعودة إلى قرارات الترخيص للشركات الأرضية: القرار رقم 460/1 تاريخ 8/9/2005 الترخيص للشركة اللبنانية للنقل الجوي بالقيام بالخدمات الأرضية لشركات الطيران في حرم مطار رفيق الحريري الدولي، والقرار رقم 461/1 تاريخ 8/9/2005 الترخيص لشركة طيران الشرق الأوسط للخدمات الأرضية.
وهنا نجد أن قراري الترخيص قد استندا في بنائهما على عدّة أنظمة، ومنها القرار رقم 156/1 تاريخ 9/4/2005 المتعلق بتحسين وتطوير وتعزيز الخدمات الأرضية في مهام استقبال وترحيل المسافرين والطائرات في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، فلقد نصّ هذا النظام في المادة التاسعة منه: إذا فقدت الشركة المرخص لها .... أو عدم تسديدها الرسوم والبدلات المتوجبة عليها اعتبر قرار الترخيص لاغياً حكماً في حينه وتلاحق الشركة بموجب القوانين والأنظمة السارية المفعول، إن هذا النظام هو النص المباشر الذي ترتبط به التراخيص، وقد أجاز للإدارة إلغاء الترخيص في حال امتناع الشركة عن تسديد الرسوم والبدلات المتوجبة عليها.
وكذلك فإن قرارات الترخيص بذاتها تضمنت إلزامات على عاتق الشركات المرخّص لها، فلقد نصّت المادة الثانية: إن هذا الترخيص خاضع لتوفر الشروط التالية بصورة دائمة.. 5: التقيد بالقوانين والأنظمة اللبنانية النافذة وتسديد كافة البدلات والمتوجبات المالية وفقاً للأنظمة المرعية الإجراء. ثمّ نصت المادة العاشرة على أن كل مخالفة لأحكام المواد الستة الأولى من قرار الترخيص يمكن أن تؤدي إلى سحب الترخيص مؤقتاً أو نهائياً دون أن يحق للشركة صاحبة الترخيص المطالبة بأي حق أو تعويض أو عطل وضرر.
وهكذا بدا واضحاً أن كلاً من قرار الترخيص والقرار التنظيمي 156/1 قد أناطا بالمديرية العامة للطيران المدني تكليف شركات الطيران الأرضية بمهمات لصالح المرفق العام ويتوجب على هذه الشركات الالتزام بهذه التعليمات وتنفيذها، ولهذا عندما أبرمت المذكرة الموقّعة بين وزارة الصحة والجامعة اللبنانية والمديرية العامة للطيران المدني، في 20/10/2020، لإجراء الفحوصات للقادمين عبر مطار بيروت، فإن المديرية العامة للطيران المدنية لم تكن مخطئة أو متجاوزة للقانون في التعهد بإلزام شركات الخدمات الأرضية بتحويل المبالغ المستوفاة لصالح الجامعة اللبنانية ووزارة الصحة العامة.
وأن هذه الشركات ملزمة بتنفيذ هذه التعليمات وأي تعليمات تردها من هذه المديرية أو من وزير الأشغال العامة والنقل المنوط به وفق المادة 66 من الدستور إدارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الأنظمة والقوانين كل بما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خص به.
أما عن كيفية تنفيذ شركات الخدمات الأرضية لواجباتها بتحويل المبالغ المحصلة مع تذكرة السفر كبدل كلفة فحوصات الكورونا، فلقد حسم هذا الأمر ديوان المحاسبة بموجب التقرير الصادر عن الغرفة والقرار الصادر عن النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة:
فالتقرير الخاص الصادر عن ديوان المحاسبة والذي يحمل الرقم 1/2022 تاريخ 3/3/2022 قد ورد فيه بصورة واضحة: "إن قبول حصول تحويلات بالدولار الأميركي بموجب شيكات مع العلم أن المبالغ تمّ استيفاؤها بالدولار الأميركي الفريش (50$) من المسافرين ضمن ثمن بطاقة السفر ويقتضي تحويلها من قبل شركات الطيران إلى حسابات الدولة بالدولار الفريش وإن قبول استلامها بموجب شيكات أفقد الدولة ثلثي قيمتها تقريباُ بحيث أثرت هذه الشركات على حساب الدولة وحساب الأشخاص الذين دفعوا مبالغ طائلة لم تحوّل وفق قيمتها الحقيقية إلى الخزينة وإنما بقيت ارباحاً لها وذلك خلافاً لما نصت عليه مذكرة التفاهم التي حددت طريقتين للاستيفاء (الدولار اللبناني) ، مما يعني إن أن اختيار احدهما (دولار أميركي) يوجب التحويل بذات طريقة الاستيفاء فلو قبضت شركات الطيران من المسافرين بموجب شيكات لكان مبرراً تحويل المبالغ بهذه الطريقة وإنما تمّ الاستيفاء بالفريش ضمن بطاقات السفر".
وكذلك فإن النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة بموجب قرارها رقم 2 تاريخ 3/2/2022 قضت أنه:" حيث أن المبالغ المحصلة من قبل شركات الطيران لقاء فحوصات الـ PCR المجراة من قبل مختبرات الجامعة اللبنانية وفقاً لمذكرة التفاهم الموقعة معها في هذا الخصوص، وهذه المستحقات هي أموال عمومية مستوفاة لصالح وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية ومن الحقوق المالية الواجب حفظها وتأديتها لحسابهما وفقاً للطريقة التي تمّ دفعها من قبل المسافرين لقاء فحوصات الـ PCR، وبالتالي طالما أن شركات الطيران بدأت منذ تاريخ 1/7/2021 تستوفي هذه المبالع بالدولار الأميركي الفريش مع ثمن تذكرة السفر، فيجب عليها تأديتها بالفريش دولار، وقد طلبت النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة من المدير العام للطيران المدني بالتكليف وجوب التعميم بأسرع وقت على جميع شركات الطيران وشركات الخدمات الأرضية العاملة في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت بتحويل المبالغ المقبوضة بالدولار الأميركي الفريش لحساب وزارة الصحة العامة والجامعة اللبنانية كي لا تثري هذه الشركات على حسابهما إثراءً غير مشروع وذلك حفاظاً على الأموال العمومية وحرصاً على المصلحة العامة".
وبعد أن حسم ديوان المحاسبة وسيلة التسديد بأنها الدولار الأميركي النقدي، وأن هذه الأموال التي وضعت شركات الخدمات الأرضية يدها عليها هي أموال عامة، أصدر مدير عام الطيران المدني بالتكليف التعميم رقم 6/2 تاريخ 8/2/2022 يطلب من جميع شركات الطيران العاملة في مطار رفيق الحريري الدولي بيروت القيام وبالسرعة الممكنة بتسديد مبالغ فحوصات الـ pcr التي تمّ استيفائها من الركاب الذين قدموا إلى لبنان ابتداء من تاريخ 1/7/2021 ولغاية 9/1/2022 ضمناً بحيث يطلب منها القيام بتحويل تلك الأموال بالدولار الأميركي (Fresh dollar) إلى شركات الخدمات الأرضية المعنية المعنية (LAT, MEAG) العاملة في مطار رفيق الحريري الدولي بيروت والتي عليها فور استلامها تلك الأموال بتحويلها بالدولار الأميركي (Fresh dollar) إلى حساب الجامعة اللبنانية لدى مصرف لبنان.
وبالخلاصة، فإن شركات الخدمات الأرضية هي ليست المكلف بهذا البدل لكي تحاجج بوسيلة تسديده وإنما هي مجرّد وسيط استؤمن على المبالغ من جابٍ لها وعليها تسليمها بالصورة التي تقاضتها بها، ولم نرَ أي جابٍ في العالم يصادر الأموال المجباة بحجة أن الجهة التي أصدرت التكاليف غير مخوّلة قانوناً بذلك، فيا عجباً كيف أصبحت شركة خاصة تحاسب الدولة وتصادر أموالها بحجة مخالفة القانون، إنه بئس الزمن الذي تراخت الدولة وضعفت وهزلت حتى تطاول عليها من يفترض أنهم يعيشون على خيراتها ويتنعمون بتراخيص هناك ألف علامة استفهام حول قانونيتها.