#الثائر
مع ان المشهدية الحاشدة في “ساحة ساسين” مساء امس في الذكرى الأربعين لاستشهاد الرئيس بشير الجميل والمواقف الحادة التي اطلقها حزب الكتائب اكتسبت دلالات بارزة هذه السنة في عز العبور الى الاستحقاق الرئاسي، فانها لم تحجب التطور الشعبي الأشد اثارة للتساؤل عما تنتظره المسماة “دولة” او “حكومة” او “مجلس نواب” بعد لاحتواء معالم الفوضى الزاحفة بكل تداعياتها المخيفة. فان تتكرر للمرة الخامسة او اكثر وفي اكثر من منطقة #لبنانية، واقعة اقتحام مودعين المصارف تحت وطأة انفجار الحاجة الى الاستشفاء او التغذية او السفر او أي شأن حياتي اخر وانتزاع الحق الرهينة في الوديعة بقوة العنف او السلاح او التهديد بالقوة، فهذا يعني ان البلاد باتت تقترب فعلا من فوهة انفجار اجتماعي قد ينذر بتفجر العنف في أي وقت. وليس في سلسلة الجرائم التي حصلت أيضا قبل أيام وامس، سوى نذير تفلت ولو من نوع اخر غير مرتبط بواقع الازمة المتدحرجة للودائع والواقع المالي والمصرفي. ولعلها مفارقة دراماتيكية ان تبرز مؤسسات الدولة السياسية والمالية والتشريعية، وكأنها تتفرج على كارثة تتدحرج في بلد بعيد وتنأى بنفسها عن ظواهر الانفجار الاجتماعي، اذ انه في اليوم الذي كان مقررا فيه ان يشرع مجلس النواب في مناقشة وإقرار مشروع قانون الموازنة للسنة الحالية، متأخرا عن موعد هذا الاستحقاق عشرة اشهر، اقتحمت مواطنة فرعا مصرفيا في بيروت، وتبعها مواطن باقتحام فرع اخر في عاليه، فيما لم تنبث “الدولة المتفرجة” باي موقف وحتى المؤسسات الأمنية المعنية سارعت الى نفي توقيف المواطنة المقتحمة للمصرف.
واعتبرت "النهار" ان هذا التطور أعاد الى واجهة الأولويات التقاعس والعجز والتواطؤ حيال إقرار القوانين الأشد الحاحا في معالجة تداعيات الكارثة المالية منذ ثلاث سنوات. فاذا كان مشروع الموازنة لهذه السنة تأخر عشرة اشهر، فان ثمة قوانين شديدة الالحاح لم تبصر النور. ويساهم التواطؤ السياسي والمالي والمصرفي في تاخيرها في تضخيم واقع الفقر والعوز والمرض والقهر جراء حجز حقوق المودعين ودفعهم الى متاهات اللجوء الى العنف. وتحت هذه السقوف لا يزال عدم إقرار قوانين “الكابيتال كونترول” وإعادة الأموال المهربة الى الخارج بعد 17 تشرين الأول ،2019 وهيكلة المصارف وخطة التعافي الاقتصادي التي من ابرز مضامينها المفترضة إيجاد حل عادل لكارثة الايداعات المصرفية، تتهادى تحت حجج وذرائع باتت تشكل العنوان الكارثي لرزوح اللبنانيين تحت تداعيات الانهيار.
وبالتالي فان المواطنة سالي حافظ اضافت امس واقعة جديدة على اقتحامات المصارف بعد كل من عبدالله الساعي وبسام الشيخ حسين، ومن جب جنين الى الحمرا والسوديكو فعاليه.
من جهتها، عزت مصادر مالية ما يجري إلى غياب دولة القانون وتطبيق مبدأ شريعة الغاب، محذرة عبر "الأنباء" الالكترونية من الذهاب في الاتجاه الذي تحدث عنه المحامي رامي عليق باستناده على المادة 184 من قانون العقوبات التي تجيز استخدام السلاح لتدافع عن أموالك، ما يعني الخروج عن دولة القانون.
المصادر شبّهت ما حصل بالانزلاق من دولة القانون الى شريعة الغاب، وتوقعت المزيد من هذه الأعمال اذا جاعت الناس، مشبهة الخطة التي وضعتها الحكومة للخروج من هذا المأزق بأنها مبنية على وعود هي أشبه بالبيانات الوزارية والكذب على الناس.
ورأت المصادر في الآمال المعقودة على استخراج النفط والغاز بالوعود الكاذبة التي لا ترقى الى الحقيقة بشيء، سائلة: "ماذا يمكن أن نفعله بعد سنة 2026 اذا لم يستخرج النفط والغاز؟".
هذا المشهد المؤسف من انحلال الدولة مؤشر خطير جدا لما يمكن أن تصل اليه البلاد بعد الانزلاق نحو الفوضى التي لا تُحمد عقباها. ولكن في المقابل لا يتم اتخاذ أي اجراءات عملية لحماية ما تبقى من الدولة ومؤسساتها، واذا ما استمر هذا العجز فهذا يعني حكماً أن الأسوأ على الأبواب.
وفي سياق متصل، يقول المرجع لـ»الجمهورية»: «ما نعانيه اليوم في لبنان ليس جرّاء ازمة سياسية فحسب، بل جراء ازمة اخلاقية، وقلة وطنيّة، ورهن لبنان لحسابات حزبية. واللبنانيون صبروا وصمدوا حتّى اليوم، ولكن إلى متى؟ فكيف سيتمكنون من الصمود وحال البلد يتدرج يومياً من انهيار الى انهيار اكبر؟ فحذار من الانفجار الاجتماعي الكبير.
ويلفت المرجع الى أننا «نسمع كثيرين يخوّفون من الفوضى، وانا اقول اكثر من ذلك، وضع بلدنا محزن، وخوفي كبير جدا عليه وعلى اللبنانيين. لقد بُحّ صوتنا ونحن نقول لهذا المسؤول او ذاك بأن يتحلى بالمسؤولية التي توجبها أزمة، ولكننا مع الاسف لم نلمس حتى الآن أي شعور بالمسؤولية، بل نسمع مسؤولاً من هنا يقول: لا اريد ان أشكّل لك حكومتك، ومسؤولا من هناك يقول: لا اريد ان اشكّل لك حكومتك. الحكومة ليست ملك هذا او ذاك، هي حكومة لبنان ولا تشكل بالابتزاز وبخلفية النكايات واثارة الحساسيات وتصفية الحسابات».
ويخلص المرجع الى القول: «هذا الوضع غير مقبول، هذا خطر مدمّر، فلبنان بلا حكومة، وبلا رئيس للجمهورية سالِك الى الخطر حتماً. وتبعاً لذلك، فإن اكثر ما اخشاه في حالتنا هذه هو ان يكون ثمّة من يَدفع قصداً إلى الفوضى وتخريب لبنان».
صحف -