#الثائر
تتجه الأنظار إلى ما سيحمله الأسبوع الطالع في لبنان من جديد على صعيد ملف تشكيل الحكومة، رغم ميل معظم الأفرقاء إلى التشاؤم حيال إمكانية نجاح التأليف قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتوقعت مصادر مطلعة على المشاورات الحكومية لـ«الشرق الأوسط» «أن يسجل مستجدات على صعيد التأليف نأمل أن تكون إيجابية لا سيما أن هناك حركة اتصالات في هذا الإطار بين المعنيين»، وتشير المصادر إلى إعادة البحث بالطرح القديم الجديد المتمثل بإضافة ستة وزراء دولة من دون حقائب إلى الحكومة، مقربين من الأفرقاء السياسيين إنما غير حزبيين، ليشكلوا غطاء سياسيا لحكومة التكنوقراط لا سيما إذا حصل فراغ رئاسي. وفي حين لا تخفي المصادر رفض ميقاتي السابق لهذا الطرح، تقول: «أعيد وضعه على الطاولة اليوم في المباحثات الجديدة علّه يكون حلاً إذا فشل خيار إبقاء الحكومة الحالية على ما هي عليه مع بعض التعديلات، لا سيما أنه بإضافة هؤلاء الوزراء من الممكن إرضاء مختلف الأطراف». وتوضح المصادر «أن مشكلة إبقاء الحكومة على حالها مع تغيير وزيرين، هما وزير الاقتصاد والشؤون الاجتماعية، وفق التشكيلة التي قدمها ميقاتي إلى رئيس الجمهورية، ستتطلب تبدلاً أوسع في الوزراء الآخرين لجهة انتماءاتهم الطائفية والحزبية وحتى المناطقية لتكريس التوازن المطلوب، وهو ما من شأنه أن يظهر خلافات جديدة».
وكشف مصدر سياسي لبناني بارز أن اللقاء المرتقب هذا الأسبوع بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة نجيب ميقاتي يشكّل الفرصة الأخيرة لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود الذي من خلاله يتقرر مصير المساعي الرامية إلى تشكيلها، وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن ميقاتي يفضّل الإبقاء على الحكومة الحالية مع إدخال تعديلين عليها بتعيين وزيرين للاقتصاد والمهجرين بدلاً من الحاليين أمين سلام وعصام شرف الدين من دون أن يغلق الباب أمام اقتراح عون بتشكيل حكومة موسعة من 30 وزيراً من بينهم 6 وزراء دولة شرط ألا تؤدي التشكيلة الوزارية إلى توزير أسماء فاقعة يصعب عليه تسويقها لدى البرلمان طلباً لمنحها ثقة المجلس النيابي.
ولفت المصدر السياسي إلى أن ميقاتي عرض على عون الإبقاء على الحكومة الحالية مع استبدال وزيرين باثنين آخرين هما سلام وشرف الدين، وقال إن عون استمهله لبعض الوقت بذريعة دراسة الاقتراح على أن يودعه جوابه لاحقاً، لكن المفاجأة كانت بإيفاده المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير للقائه حاملاً ردّه على اقتراحه مشترطاً بأن يسمّي الوزيرين البديلين وهذا ما رفضه ميقاتي.
وأكد أن ميقاتي اقترح صيغة بديلة تقوم على أن يحل مكان سلام أحد النواب من كتلة الاعتدال الشمالية بذريعة أنها كانت سمته لتشكيل الحكومة، في مقابل أن يؤتى بوزير درزي يدور في فلك «اللقاء الديمقراطي» بدلاً من شرف الدين الذي ينتمي إلى «الحزب الديمقراطي اللبناني» الذي لم يعد له أي ممثل في البرلمان بعد رسوب رئيسه النائب طلال أرسلان في الانتخابات النيابية.
ورأى المصدر نفسه أن ميقاتي قدّم تنازلاً بعدم استبداله وزير الطاقة وليد فياض المحسوب على رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لأنه ليس في وارد استفزازه من جهة وعدم الدخول في اشتباك سياسي مع عون من جهة ثانية، واعتبر أن إصرار الأخير على تسمية الوزيرين البديلين لسلام وشرف الدين يأتي استجابة لوريثه السياسي باسيل الذي يتحسّب منذ الآن لحصول فراغ رئاسي إذا ما تعذّر انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل انتهاء الولاية الرئاسية للحالي.
وسأل المصدر هل يريد عون فعلاً الوصول بتشكيل الحكومة إلى بر الأمان؟ أم أنه يريد تعطيل الجهود لتأليفها ليقحم البلد في اشتباك دستوري تحت عنوان أن صلاحيات رئيس الجمهورية لا تنتقل بالوكالة إلى حكومة تتولى تصريف الأعمال بدلاً من حكومة مكتملة الصلاحيات؟
وقال إن السؤال نفسه ينسحب على باسيل الذي لن يسهّل ولادة الحكومة ما لم تأتِ على قياسه وتتيح له عبر «صقوره» الإمساك بمفاصلها الرئيسة بأن يكون شريكاً في إدارته للفراغ الرئاسي، وأكد أن عون يتمسك ولهذه الاعتبارات بتشكيل حكومة موسعة من 30 وزيراً يترك لباسيل اختيار وزراء من العيار الثقيل بغية السيطرة عليها.
وكشف المصدر نفسه لـ«الشرق الأوسط» أن عون في اجتماعه الأخير بميقاتي بعد طول انقطاع تخلّله تبادل أعنف الحملات السياسية بين ميقاتي وباسيل بمشاركة وإعداد الفريق السياسي المحسوب على رئاسة الجمهورية، يواجه حالة من الإرباك والتخبّط على خلفية تباين هذا الفريق مع فريق آخر كان انسحب منه ويتمثل بأهل البيت الذين ينصحون بعدم إقحام البلد في فراغ رئاسي ويدعون إلى تمرير المرحلة الانتقالية بهدوء إفساحاً في المجال أمام انتخاب رئيس قبل انقضاء المهلة الدستورية المحددة لانتخابه.
ورداً على سؤال، أوضح المصدر أن عون يتصرف على أن الحكومة الثلاثينية الموسعة هي وحدها الجامعة وتتمتع بصلاحيات متكاملة، ما يعني أنه يتحسّب منذ الآن لاحتمال حصول فراغ رئاسي يسمح لباسيل بتعويم نفسه من خلال ضم وزراء من الصقور إليها بذريعة أن ميقاتي تمكن من استيعاب معظم الوزراء المحسوبين عليه.
وأكد أن عون يصر على تشكيل حكومة ثلاثينية، وهذا ما دفعه إلى تمسكه بتسمية الوزيرين البديلين لسلام وشرف الدين وهو يعرف مسبقاً بأن ميقاتي ليس في وارد التسليم له بشروطه، وقال إن عون لم يدخل في الأسماء، وهذا ما أفصح به أمام ميقاتي الذي يرفض توزير من هم من الصقور الذين يدينون بولائهم المطلق لباسيل.
ونفى المصدر أن يكون عون قد لمح إلى إمكانية توزير باسيل ليكون في عداد وزراء الدولة، لكن يُشتمّ من طرحه بأنه يريد استرضاء وريثه السياسي بتوفير الضمانات له ليكون شريكاً ولو بصورة غير مباشرة في إدارة الفراغ بعد أن خسر رهانه في السباق إلى رئاسة الجمهورية، لكن لا شيء يمنع عون من أن يطرح اسم صهره في التشكيلة الوزارية الموسّعة في لقائه مع ميقاتي برغم أن اجتماعهما السابق لم يتطرق إلى الأسماء؟
واعتبر أن اللقاء المرتقب بين عون وميقاتي سيتناول إصرار الأول على تشكيل حكومة ثلاثينية ليكون في وسع الرئيس المكلف بأن يبني على الشيء مقتضاه مع أن الطريق ليست سالكة أمام ولادتها، ويبقى من الأفضل العودة على تعويم الحكومة الحالية بإدخال وزيرين جديدين، وقال إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يحبّذ اقتراح ميقاتي وقد لا يعترض على تشكيل حكومة موسّعة شرط ألا يجتاحها باسيل.
كما أن «حزب الله»، وبحسب المصدر نفسه، يدعم تشكيل حكومة جديدة لدرء الأخطاء المترتبة على حصول فراغ رئاسي يفتح الباب مشرعاً أمام إحداث انقسام داخلي لا يمكن السيطرة على مفاعيله السياسية والدستورية، وإن كان في الوقت نفسه يتطلع إلى مراعاة حليفه باسيل وعدم تركه يغرّد وحيداً.
وعليه، فإن ميقاتي، الذي يتقن تدوير الزوايا ولا يخضع للابتزاز والتهويل، يكون في تصديه للاتهامات الموجّهة إليه يحتفظ بالتكليف في جيبه ولا يريد التأليف، قد نأى بنفسه عن الإحراج مبدياً انفتاحه الإيجابي للسير في عملية تأليف الحكومة بالتوازي مع وقوفه بالمرصاد لكمائن باسيل وفريقه السياسي.
لذلك يحرص ميقاتي، كما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط»، على تفادي أخذ البلد إلى انقسام وهو يصر على إبطال كل الذرائع والاتهامات الموجّهة إليه بتعطيل تشكيل الحكومة محمّلاً باسيل وفريقه إحباط الجهود لإخراج تشكيلها من التأزّم الذي يحاصرها.
ويبقى السؤال، هل يبقّ عون البحصة ويعيق تعويم الحكومة ويصر في المقابل على تشكيل حكومة بديلة موسّعة استجابة لشروط باسيل؟ هذا إذا كان الأخير يدعم ولادتها ولا يريد جر البلد إلى صدامات تبدأ باشتباك دستوري، لكن لا يمكن التكهن إلى أين ستنتهي بذريعة أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن ما ينطبق على حكومة تصريف الأعمال يجب أن ينسحب على الرئاسة بذريعة عدم ترك المرفق العام شاغراً، مع أن عون كان أعلن مغادرته لبعبدا فور انتهاء ولايته؟
وأخيراً فإن اشتداد الصراع حول تشكيل الحكومة بدأ يشكل قلقاً من ارتفاع منسوب المخاوف من أن البلد يقف على مشارف إيقاعه في فراغ رئاسي ما لم تبادر القوى الكبرى والإقليمية المعنية بانتخاب الرئيس في موعده للنزول بكل ثقلها لقطع الطريق على من يراهن بأن الفراغ سيكون مديداً.