#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
يأخذ الصراع في لبنان شكلاً حاداً بين فريقين كلاهما يتلقّى دعماً خارجياً ومن أكثر من دولة، مع أقلية متأرجحة في الوسط، والمشكلة الكبرى، أن الخلاف لا يدور حول كيفية تطوير لبنان، وتقديم المشاريع الإصلاحية للخروج من الأزمات المتعددة، التي تخنق غالبية الشعب، وأوصلته إلى ما تحت خط الفقر بل حول المكاسب السياسية والمصالح الخاصة لكل طرف.
ولهذا السبب في الانتخابات النيابية الماضية، بنى كل فريق خطابه السياسي على المخاصمة والعدائية والتهديد بالكسر والالغاء، ولم يكن للبرامج الاصلاحية الفعلية أي مكان في خطاب المرشحين، سوى بعض العناوين والشعارات العامة، حتى مرشّحو الثورة والمستقلون، بنوا خطابهم بذات الأسلوب، وتحت شعار "كلن يعني كلن" .
والشعار الأبرز لدى مجموعة كبيرة من المرشّحين، كان طبعاً "نزع سلاح حزب الله"، وحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني.
في المقابل يرد حزب الله أن هذا مطلب إسرائيلي أمريكي، وما لم تتمكن إسرائيل من تحقيقه بالحرب عام 2006 تسعى لتنفيذه الآن عبر قوى لبنانية.
رغم انحيازنا الطبيعي إلى ضرورة حصرية السلاح بيد الدولة، لا بد من البدء بالسؤال عن ماذا طلبت وماذا تريد أمريكا وإسرائيل وغيرها من لبنان؟؟؟
منذ عشرات السنين يُشرف الجيش الأمريكي على تدريب وتسليح الجيش اللبناني، ومعظم سلاح الجيش هو أمريكي المنشأ، وما زالت أمريكا تُقدم دعماً مادياً للجيش اللبناني.
لكن الأمريكيين في نفس الوقت يرفضون إمداد الجيش بأسلحة نوعية تُمكّنه من الدفاع عن حدوده، وهناك أنواع عديدة هي من المحظورات، فالصواريخ المضادة للطائرات ممنوعة، وكذلك الطائرات الحربية الحديثة، والصواريخ البالستية، والقذائف الصاروخية بعيدة المدى، والصواريخ الحديثة المضادة للدبابات، والرادارات، والطرادات البحرية، وغير ذلك الكثير .
فقط بعض الأسلحة البسيطة والقديمة جداً من دبابات M-48 ، وعربات M-113 ، وشاحنات وسيارات جيب، وأسلحة خفيفة، ومن المعروف أن هذه الأسلحة لا تصلح لمواجهة أو صد أي اعتداء عسكري إسرائيلي على لبنان.
لا تزوّد الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، الجيش اللبناني بأي سلاح، يُشكّل وسيلة دفاعية فعّالة في وجه الجيش الإسرائيلي، في حين تدعم إسرائيل ب 3 مليار دولار سنوياً، وتزوّدها بأفضل ما لديها من أسلحة حديثة، للحفاظ على تفوّقها العسكري في المنطقة.
وحتى بعض الأسلحة المتوسطة الفعالية، التي كان يُمكن أن يحصل عليها الجيش اللبناني عبر الهبة السعودية، التي أعلن عنها نهاية عام 2013 ثم ألغيت عام 2016 لاقت اعتراضاً أمريكياً، وكذلك فعلوا عندما أعلنت روسيا عن تقديم 10 طائرات ميغ-29 ، فأجبروا لبنان على طلب استبدالها بدبابات T-72 ثم ألغيت الهبة.
بات واضحاً أن الأمريكيين الذين يزورون لبنان، يطلبون مسائل محددة؛ أولها الانخراط في الخطة الأمريكية للتطبيع مع إسرائيل، وتوطين الفلسطينيين في لبنان، وترسيم الحدود البحرية وفقاً لرغبة ومصلحة إسرائيل، ونزع سلاح حزب الله، وفي نفس الوقت يرفضون تزويد الجيش اللبناني بأسلحة حديثة.
والكل يعلم أن هذه المطالب، ليست بعيدة عن أسباب وتأثير الأصابع الأمريكية، بأزمة لبنان المالية الحالية.
وهنا لا بد من التساؤل : هل يمكن للبنان أن يقبل بكل هذه الشروط؟؟؟ ولماذا يقفز بعض المسؤولين اللبنانيين إلى السجالات، وتوتير الأجواء، والسعي إلى الصدام الداخلي، بدل البحث عن الحوار والتوافق، وإيجاد حلول منطقية تخدم مصلحة لبنان؟؟؟
الدولة اللبنانية منذ انتهاء الحرب الأهلية لم تُخصص أي أموال أو برنامج لتسليح الجيش، ورغم أنه تم عام 2012 إقرار خطة لتسليح الجيش، بمقدار مليار و600 مليون دولار مقسّطة على خمس سنوات، إِلَّا أنها لم تُنفّذ وبقيت حبراً على ورق.
واليوم الجيش اللبناني يمرُّ بأصعب الظروف، بدءاً من الظروف المعيشية للعسكريين ورواتبهم التي باتت لا تساوي شيئاً، إلى العجز عن تأمين المستلزمات الحياتية من طعام ولباس وتدريب، وصولاً إلى عدم القدرة على صيانة الأسلحة والأليات والمعدات، والدولة غير مهتمة، وتكتفي بما يُقدمه الأمريكيون والغرب وبعض الدول العربية للجيش من مساعدات بسيطة. (والحقيقة لا بد من شكرهم عليها، رغم أن هذا كله فُتات، فهم على الأقل لم يتنكّروا للجيش، كما تنكّر له السياسيون في لبنان).
جيش ممنوع عليه السلاح، وعدو متغطرس يستبيح أجواءنا وحدودنا ومياهنا كل يوم، ويُعربد كيفما يشاء، ورغم ذلك المطلوب نزع سلاح المقاومة!!!!
نعم يجب أن يكون السلاح بيد الجيش وحده، وعليه وحده أن يتحمّل مسؤولية حماية الحدود والوطن وهذا موقف وطني شجاع. لكن كي يتمكّن الجيش من تنفيذ هذه المهمة، يجب أولاً أن يتم تجهيزه بما يلزم لتنفيذها، وعندما يُصبح الجيش قادراً على حماية الحدود، ستنتفي بشكل طبيعي وتلقائي الحاجة إلى المقاومة الشعبية وسلاحها، وعندها ولو نظرياً، لن يبقى لدى حزب الله أي مبرر للاحتفاظ بسلاحه خارج إطار الدولة.
لكن نزع سلاح المقاومة، وفي نفس الوقت منع الجيش من التسلّح، فهذا حقاً طلب غريب!!!.
ربما من الحكمة بمكان، والأجدى بمن يحرص على الوطن ، قبل المطالبة بنزع سلاح حزب الله، أن يفعل شيئاً لبناء دولة قوية ، وأن يسعى أولاً إلى تسليح الجيش اللبناني، ودعمه ورفع معنويات ضباطه وجنوده، وليس القيام بحرمانه من السلاح والدواء والغذاء، ومنع التطويع، ورفض تصحيح الرواتب، التي باتت في ادنى مستوى لجيش في العالم،
وكأن المطلوب خطة ممنهجة لإفقار الجيش وتدميره، وانحلال كافة مؤسسات الدولة وتعميم الفوضى في البلاد.
ليست المشكلة اللبنانية محصورة، في وجود السلاح خارج الدولة، وسلاح حزب الله، كما يريد البعض أن يصوّرها، فالمشكلة أولاً في من يرفض تسليح الجيش اللبناني، وكل من يرفض تسليح الجيش، أكان في الداخل أو الخارج، هو يساهم في دعم وإبقاء السلاح خارج الدولة.
والمشكلة الآن في ترتيب الأولاويات لدى القوى السياسية اللبنانية، التي بدل أن تبحث عن حلول واقعية وعملية لحل الأزمة الاقتصادية، وإنقاذ لبنان من محنته، ما زالوا يتلهون بشعارات مزيّفة، لإرضاء جهات خارجية، أو لكسب بعض الشعبوية.
من يعتقد أن الأزمة اللبنانية ستُحل بمجرد نزع سلاح المقاومة، هو يتجاهل الحقائق. فإذا كان من الطبيعي أن لا يكون هناك أي سلاح خارج سلطة الدولة، لكن يجب أولاً أن يتم بناء دولة قادرة على بسط سلطتها وتطبيق القوانين، وحماية حدودها، وتنظيفها من الفساد، وقضاء نزيه يحاسب المجرمين والفاسدين. أما المطالبة بنزع سلاح المقاومة، وترك البلد ضعيفاً مستباحاً أمام العدو، فهذا عمل فيه الكثير من الخطأ والتسرّع .
والسؤال لماذا لا نبدأ بالمطالبة بما هو مفيد وممكن؟؟؟!!!
منع المظاهر المسلّحة، والتشدد في الأحكام بحق المخالفين، وملاحقة مطلقي النار ، ومكافحة؛ عصابات المخدرات، والتهريب، والرشوة، والتهرّب الضريبي، والصفقات والسمسرات، والهدر في المال العام، وسرقة أموال وأملاك الدولة؟؟؟ وكل هذه أمور يُجمع عليها اللبنانيون، ولا يمكن أن يعارضها أو يرفضها أحد.
الكل يتهرّب من المسؤولية ويُلقي بالتّهم واللوم على الطرف الآخر، ويُبرّئ نفسه، رغم أنه في الحقيقة الكل كان مشاركاً ومشتركاً أو صامتاً عن السرقات والفساد. حتى المواطن كان شريكاً، وبعض التجار والموظفين والمواطنين كانوا أسوأ من المسؤولين الفاسدين، فهذا الشعب بغالبيته انغمس في الفساد والتعصب الطائفي والحزبي، واقتتل وقتل على الهوية، وانتهك القوانين واستباح الدولة، ومارس الكذب والغش والخداع، وقدّس الزعيم إلى حد العبادة، لعشرات السنين.
فكما تكونوا يُولّى عليكم ويصح بنا قول السيد المسيح "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر".
ليست المشكلة في ما يريده الأمريكي أو الإسرائيلي أو غيره للبنان، بل المشكلة الحقيقية هي في ما يريده بعض اللبنانيين للبنان.
فهل فعلاً هناك مسؤول يُفضل مصلحة لبنان وشعبه على مصلحته وغاياته الخاصة؟؟؟ أم يريدون تسخير لبنان وشعبه في خدمة مصالحهم وطموحاتهم، بكرسي الرئاسة والوزارة والنيابة وبعض المال؟؟؟!!!.
لنبحث عن الحقيقة، وننطق بها، فالحق يحررنا، ولنعمل لمصلحة لبنان، فلا شيء يُغني عن الوطن.
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.