#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لطالما شكّل السياح والمغتربون رافعة أساسية لاقتصاد لبنان، ورفدوا مصارفه بعشرات مليارات الدولارات، وما زالوا يُدخلون إلى البلد حوالي 8 مليار دولار سنوياً.
وأشارت التوقعات إلى أن هذا الموسم الصيفي، سيُدخل إلى لبنان أكثر من ثلاث مليارات دولار، وأطلقت وزارة السياحة برنامجاً دعائياً ترويجياً تحت عنوان "أهلا بهالطلة".
عبر عشرات السنين عملت الحكومات اللبنانية على دفع الشباب إلى الهجرة، ولم تعالج يوماً مشكلة البطالة، ولم تفتح أسواقاً للعمل، واقتصرت فرص الاستثمار على القطاع السياحي والتجاري والخدمات، وتم حرمان الزراعة والصناعة من أي دعم يُذكر.
هكذا أهملت الدولة والحكومات المتعاقبة فتح وتطوير سوق العمل، ووجدت في المغتربين ثروة لا تُقدّر بثمن، فهؤلاء يعملون في الخارج، ولا تتكبد الدولة عليهم أي مصاريف، لا في الضمان الصحي، ولا الرواتب والتعويضات، ولا التقاعد، ولا التعليم، إنهم بمثابة "الدجاجة التي تبيض ذهباً" بالنسبة للدولة، فهم يرسلون معظم ما يجنون من أموال إلى لبنان، وهكذا تحمّلوا عبء حوالي 40% من موازنة الدولة سنوياً.
174 مليار دولار بلغ حجم الودائع في البنوك اللبنانية عام 2019 غالبيتها من جنى أعمار اللبنانيين في الخارج، ومنذ ثورة تشرين وحتى اليوم، تحتجز المصارف هذه الودائع، وتُنفّذ على السحوبات منها، (وفق تعاميم حاكم مصرف لبنان) اقتطاعاً يتجاوزا 75% وتهدد الدولة والمصارف بشطب هذه الودائع، في محاولة سرقة موصوفة، لم يسجل تاريخ أي دولة مثيلاً لها.
يشكوا غالبية المغتربين الذين جاؤوا إلى لبنان هذا الصيف، من سوء الأوضاع التي يواجهونها، فبعض اللبنانيين من تجار وأصحاب فنادق ومصالح ومطاعم، لا يقلّون فساداً عن بعض المسؤولين الفاسدين، الذين سرقو المال العام والخاص.
ينظر اصحاب المصالح في لبنان إلى المغترب كمحفظة نقود مليئة بالدولارات، ويسعون لسرقة ما أمكن من هذه المحفظة، بأي وسيلة كان.
فحتى ثمن القهوة والمنقوشة يسعرونه ويطلبون ثمنه بالفرش دولار، أما فاتورة المطاعم غالباً مضاعفة، فبعض هؤلاء مخادع بما يكفي ليضع لك على الطاولة، صنوفاً عديدة، يحتسب سعرها عليك دون أن تأكل منها سوى القليل.
يقول عماد: لقد هاجرت منذ ثلاثين عاماً، عملت جاهداً وجمعت ثروة بتعبي وعرق جبيني، وضعت أموالي في بنك في لبنان، والآن جنى عمري الذي يفوق نصف مليون دولار محجوز عليه، ولا أستطيع التصرف به، ولا أتقاضى عليه أي فائدة منذ ثلاث سنوات.
ويتابع عماد القول: اتيت إلى لبنان لرؤية أهلي وأقاربي وأصدقائي، فوطني هو كل شيء بالنسبة لي، لكن هنا لا نشعر بالأمان، فالكل يحاول سرقتك، حتى أنك تخشى في بعض الأماكن أن تركن سيارتك بجانب الطريق، ولو لوقت قصير فقد تتم سرقتها.
نعم أنا وغيري من المغتربين نذهب إلى تركيا، فهناك يمكننا ان نمضي بعض الوقت، ونحن نشعر براحة حقيقية، فكل شيء أرخص من لبنان، حتى الخضار والفواكه والخدمات والمطاعم والفنادق ما زالت أرخص من لبنان، والخدمة أفضل بكثير.
ليس عماد وحده يفعل ذلك، بل غالبية المغتربين، والسبب هو فساد عام، طال كل شيء في لبنان، حتى أصغر تاجر أو صاحب دكان أو موظف، والدولة غائبة ومشلولة والقضاء معطّل، دون أي رقابة، أو إجراء للحد من جشع التجار والغش والاحتكار والتهريب. لا بل أكثر من ذلك فإن الدولة تشجع على الفساد والرشوة، عبر بعض القوانين والأنظمة كمشروع استحداث رسوم الخدمة السريعة في الإدارات العامة، التي تذهب عائداتها بنسبة عالية إلى الموظف، بدل أن تذهب إلى خزينة الدولة، فيستفيد موظفوا الإدارات التي تجري معاملات للمواطنين دون غيرهم.
سلبية أُخرى تضاعف معاناة الفقراء في لبنان، فالمغترب يستفيد من ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وقسم كبير من هؤلا يبذرون الأموال على الحفلات والأعراس والتباهي على باقي المواطنين، وهذا يُسهم في رفع أسعار الخدمات والسلع من قبل تجار لا يهمهم سوى المزيد من الربح.
غالبية المغتربين يُنفقون للتنعم والتباهي، بدل أن يلتفتوا إلى الفقراء، ويقدمون بعض المساعدة لمن هم بأمس الحاجة إلى مبلغ صغير .
هل يمكن أن نسأل بعد كل هذا، كيف ولماذا انهار لبنان!!!؟؟؟