مقالات وأراء

سلامٌ على الغاز

2022 آب 06
مقالات وأراء

#الثائر

كتب الوزير السابق سجعان قزي في "النهار": هل كان يجوز أن تُعقدَ قِمّةٌ لبنانيّةٌ تَضمُّ، بعدَ طولِ فِراق، رئيسَ الجُمهوريّةِ ورئيسَ مجلسِ النوّاب ورئيسَ حكومةِ تصريفِ الأعمال لاستقبالِ موفَدٍ أميركيٍّ والتفاوضِ معه حولَ تفاصيلِ ترسيمِ الحدودِ البحريّةِ بين لبنان وإسرائيل؟ ماذا تَركتم أيّها الرؤساءُ "المِضْيافون" لاستقبالِ الملوكِ والرؤساء؟!

لكنَّ قِمّةَ الرؤساءِ الثلاثيّةَ كَشَفت أنَّ النظامَ اللبنانيَّ، منذ دستورِ الطائف، حوّلته الطبقةُ السياسيّةُ، بإشرافٍ سوريٍّ بدايةً، نِظامًا فدراليًّا هجينًا لا على أساسٍ طائفيٍّ فحَسب، بل على أساسٍ مَذهبيّ. ورغم ذلك، ينتقدُ فِدراليّو الطائف الفدراليّةَ ويَعتبرونها تقسيمًا. أجل، إنَّ الفدراليّةَ بالشكلِ الـمـُطبَّقةِ فيه منذ مطلَعِ التسعيناتِ هي تقسيمٌ دستوريٌّ من فوق وواقعيٌّ من تحت، بينما الفدراليّةُ النظاميّةُ الحضاريّةُ هي اتّحاد. وكلّما التقينا كبارَ الديبلوماسيّين المعتمَدين في لبنان يَعترفون بالواقعِ الفدراليِّ الغريب، ويَدعونَنا إمّا إلى الخروجِ منه أو إلى تطبيقهِ حسَبَ الأصولِ الدستوريّة. وما كان الموفدُ الأميركيُّ هوكشتاين "فَرضَ" لقاءَ الرؤساءِ الثلاثةِ معًا، إلا لأنّه تيقّنَ من وجودِ ثلاثِ سلطاتٍ على الأقلّ في لبنان، وكلُّ واحدةٍ تَملِك حقَّ الفيتو كأمرٍ واقعٍ فِدراليّ.

مهما يكن، يبقى أنَّ التقدّمَ الحاصلَ في مفاوضاتِ الحدودِ البحريّةِ بين الجانبين اللبنانيِّ والإسرائيليِّ بوِساطةٍ أميركيّةٍ كافٍ لاستئنافِ اجتماعاتِ الناقورة، لكنّه غيرُ كافٍ بعدُ لتوقيعِ الاتّفاقِ مع ملحقاتِه. وإذا كان لبنانُ وإسرائيل يُعطيان الأولويّةَ لاستخراجِ الغازِ على السجالِ الحادِّ حولَ الحدود، خصوصًا بعد تراجعِ لبنان إلى الخطّ 23، تَظلُّ الخَشيةُ أن تُخفيَ إسرائيلُ، كعادتِها، عُقدةَ رُبعِ الساعةِ الأخير.

دولةُ لبنان تقاربُ المفاوضاتِ من زاويةِ الإفادةِ الماليّةِ، ودولةُ إسرائيُل من زاويةِ الإفادةِ السياسيّةِ أيضًا. وأصلًا، يَتعذّرُ فصلُ الاتّفاقِ البحريِّ العتيد حولَ حقولِ الغازِ عن أحداثِ المحيط، ومؤتمرِ ڤيينا، والمحادثاتِ الأميركيّةِ/الإيرانيّة، والسعوديّةِ/ الإيرانيّة، وتقاسيمِ "النظامِ" الإقليميِّ الجديد، وحركةِ السلامِ في الشرقِ الأوسط، وانعكاساتِ حربِ أوكرانيا، وحاجةِ أوروبا إلى الطاقةِ من دولِ حوضِ البحرِ الأبيض المتوسط. وأبرزُ دليلٍ على هذا الترابط، عودةُ إيران إلى مؤتمرِ ڤيينا لاستكمالِ المفاوضاتِ حولَ الاتّفاق النوويّ بعد 24 ساعةً على زيارة هوكشتاين إلى بيروت وإسرائيل.

مع تأخيرِ أربعينَ سنةً، يتّجِه لبنانُ نحو نُسخةٍ مُنقَّحةٍ ومُقسَّطَةٍ لاتّفاقِ 17 أيار 1983 الذي أيدّه الجميعُ آنذاك، مُسلِموهم والمسيحيّون، ثم غَسَلوا أياديَهم منه فتَيتَّمَ، وانفجَر لبنانُ جَبلًا وعاصمةً وجَنوبًا. منذ مؤتمرِ مدريد سنةَ 1991، ولبنانُ "الممانِعُ" يَعقِدُ بواسطةِ أميركا والأممِ المتّحدةِ سلسلةَ اتفاقاتٍ وتفاهماتٍ ستَصُبُّ في لحظةٍ إقليميّةٍ في حالةِ سلامٍ لبنانيٍّ/إسرائيليٍّ دائمٍ من دون التخلّي عن استرجاعِ القدس في موعِدٍ يُعيَّنُ لاحقًا. فمِن تفاهمِ نيسان 1996 (عمليّةُ "عناقيد الغضب") إلى الخطِّ الأزرق سنةَ 2000، مرورًا بالقرارِ 1701 ووقفِ الأعمالِ العسكريّةِ ضدَّ إسرائيل سنةَ 2006، وصولًا إلى محادثاتِ الحدودِ البرّيةِ ومفاوضاتِ الحدودِ البحريّةِ ومُندرجاتِها التجاريّةِ والتسويقيّةِ اللاحقةِ إلى أوروبا، يَرتسمُ خطُّ سيرٍ سلميٍّ يَصعُبُ الرجوعُ عنه. وبالتالي أمسَت تهديداتُ حزبِ الله العسكريّةُ بمثابةِ إطلاقِ نارٍ في الهواء.

ما يَهُمُّ حزبَ الله حاليًّا هو إظهارُ سلاحِه بأنّه صانعُ الحربِ والسلامِ؛ وأنَّ الاحتفاظَ به، بالتالي، حاجةٌ في كل زمانٍ ومكانٍ وفي جميعِ الأحوال. وما يَهُمُّ حزبَ الله أيضًا هو إيهامُ الرأيِ العامِّ اللبنانيِّ بأنَّ الاتّفاقَ البحريَّ المزمَعَ عَقدُه بين لبنان وإسرائيل هو نتيجةُ تهديداتِه العسكريّةِ لا ثمرةَ المساعي الديبلوماسيّةِ، وإفهامُ المجتمعَين العربيِّ والدُوَليِّ بأنه هو المرجعيّةُ الأساسيّةُ في لبنان، وما السلطةُ اللبنانيّةُ سوى الناطقةِ باسمِه. وإذا كان حزبُ الله، الذي ولجَ الحلَّ السلميَّ على فُوّهَةِ بندقيّتِه، يجاري الدولةَ في موقفِها، فهو يَحرُصُ أيضًا على توظيفِ الاتفاقِ اللبنانيّ/الإسرائيليِ في خانةِ إيران أيضًا لتُوظِّفَه بدورِها في مفاوضاتِها مع أميركا.

لكنَّ الولاياتِ المتّحدةَ الأميركيّةَ تَعتبرُ أنَّ الاتفاقَّ البحريَّ يُعزِّزُ الخطَّ السياديَّ في لبنان ويُثبّتُ شرعيّةَ الدولةِ المركزيّة، بينما حزبُ الله يَعتبره قوّةً جديدةً له وتكريسًا لسيطرتِه في الجنوب وثرواتِ بحرِه. لذلك، حذّرت واشنطن السلطاتِ اللبنانيّةَ مجدّدًا من مَغبّةِ أن تتقاسمَ مع حزبِ الله مردودَ الغازِ والنفط، إذ من شأنِ ذلك أن يعرِّضَ الدولةَ اللبنانيّةَ لعقوباتٍ دُوَليّة. ولا ننسى أنَّ الموفدَ الأميركيَّ، آموس هوكشتاين، لدى وصولِه الأسبوع الماضي إلى بيروت نَــبّه الدولةَ اللبنانيّةَ إلى عاقِبةِ قَبولِ هِبةِ الفيول الإيراني، من دونِ أن يُقدِّمَ بديلًا. وفي السياقِ نفسِهِ، لا تَنفَكُّ الولاياتُ المتّحدةُ الأميركيّةُ تَفرِضُ عقوباتٍ على كلِّ مؤسّسةٍ أو حزبٍ أو فردٍ تَشتبِهُ فيه بتسهيلِ تصديرِ نفطٍ إيرانيّ أو بتمويلِ حزب الله.

لذلك، قبل أن تُوقِّعَ الدولةُ اللبنانيّةُ معاهدةَ ترسيمِ الحدودِ البحريّةِ مع إسرائيل التي تُحدِّدُ حقوقَ لبنان في آبارِ النفطِ والغاز، حريٌّ بها أن تُطْلعَ الشعبَ اللبنانيَّ على أين سيَذهبُ مردودُ الطاقةِ المستخرَجةِ من هذه الآبارِ الجنوبيّة. شرعيّةُ هذا التساؤل تعود إلى الشكِّ في قدرةِ الدولةِ على التحكّمِ بالطاقةِ المستَخرَجةِ وبتحويلِ المردودِ الماليِّ كاملًا إلى خزينةِ الدولةِ دون سواها. فالحدودُ السائبةُ بين لبنان وسوريا والمعابرُ الشرعيّةُ وغيرُ الشرعيّةِ التي تَجتازها قوافلُ التهريبِ ومواكبُ السلاحِ وشاحناتُ المخدِّرات لا تساعدُ على الثقةِ بقدرةِ الدولةِ على ضبطِ إنتاجِ الطاقةِ في الجَنوب استطرادًا، خصوصًا أنَّ الفريقَ الذي يَمنعُ ضبطَ المعابر شَمالًا وشرقًا مع سوريا هو ذاتُه الفريقُ السائدُ في الجَنوب رغمَ القرار 1701 ووجودِ الجيشِ اللبنانيّ والقوّاتِ الدوليّة.

بكلامٍ أوضحَ، نخشى أن يعتبرَ حزبُ الله أنَّ له حقًّا مناطقيًّا مكتسَبًا في ثرواتِ الجَنوب، أكانت بريّةً أم بحريّة، فيسعى إلى اقتطاعِ حِصّةٍ من الـمَنشأ. حينئذ، لا يعودُ اللبنانيّون يتساءلون عن كيفيّةِ معالجةِ سلاحِ حزب الله فقط، بل عن كيفيّةِ الحؤولِ دون اقتطاعِه حِصّةً من النفط والغاز أيضًا على حسابِ الدولةِ اللبنانيّةِ والأجيال. لذلك، بموازاةِ المفاوضاتِ الجاريّةِ بين لبنان وإسرائيل حولَ الحدودِ الجنوبيّةِ البحريّةِ، يَجب أن تُجريَ الدولةُ اللبنانيّةُ مفاوضاتٍ مع حزبِ الله حولَ الموضوعِ أعلاه. وإذا كانت الولاياتُ المتّحدةُ الأميركيّةُ ترعى وتَضمَنُ أيَّ اتّفاقٍ يَتمُّ التوصّلُ إليه مع إسرائيل، فأيُّ مرجِعيّةٍ تَستطيع أن تَرعى المفاوضاتِ بين الدولةِ اللبنانيّةِ وحزبِ الله وتَكفَلُ تطبيقَها؟ من هنا تبرزُ أهميّةُ اختيارِ رئيسٍ جديدٍ للجُمهوريّةِ يتواصلُ مع جميعِ الأطراف ويُدافعِ عن حقوقِ الدولةِ اللبنانيّةِ هذه المرّة.

اخترنا لكم
عودةٌ إلى الوراءِ!
المزيد
هل نحن مقبلون على حرب شاملة؟
المزيد
خوفًا من الصراع... شركات طيران تعلّق رحلاتها إلى الشرق الأوسط
المزيد
"شُحنَت في صيف 2022".. شركة "البايجر" وهمية؟
المزيد
اخر الاخبار
"خطواتٌ جديدة" على الحدود!
المزيد
بزشكيان: ندعو إلى وحدة المسلمين لوقف المجازر الإسرائيلية
المزيد
تعليق للشركة اليابانية حول انفجارات أجهزة اللاسلكي
المزيد
الحزب ينعى مؤسّس قوة الرضوان ابراهيم عقيل وهيئة أركانها
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
كنعان: وصلوا اليوم الى ما كنا نحذر منه
المزيد
Russia, which promised to freeze Europe, is now freezing itself.
المزيد
رياض سلامة مدعىً عليه أخيراً : تمرّد قضائي لحماية الحاكم
المزيد
مقدمات نشرات الأخبار المسائية ليوم الأحد في 31-05-2020
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
اتفاقية تعاون بين جمعيّتي "غدي" و"الملكية الاردنية لحماية الطبيعة" الناصر: حماية الطبيعة لا تعرف حدود، فهي مثل الطائر الذي يطير وينتقل من مكان إلى آخر غانم: نؤمن أن التعاون هو أرقى أشكال التطور
بيان للدفاع المدني بعد الانتهاء من عمليات إطفاء مطمر برج حمود
شكوى بجرائم بيئية ضد الدولة اللبنانية امام مجلس حقوق الانسان الدولي
محمية أرز الشوف في المنتدى الإقليمي للحفاظ على الطبيعة لدول غرب آسيا، هاني: نعمل مع شركائنا لزيادة المناطق المحمية
لجنة البيئة تواكب حريق المكب وتدعو لإقفال المطامر الشبيهة.. وياسين يعتذر
فياض: تنظيف مجاري الأنهر بمزايدات لتفادي الفيضانات وحماية البنى التحتية