#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
تحت عنوان الأزمة المالية وعجز الموازنة وعدم توافر الموارد، تحاول الحكومة اللبنانية تأخير زيادة الرواتب وتعديل طريقة احتسابها، وكذلك تعديل نظام التقاعد في لبنان، وإليكم تفاصيل الخطة.
يتألف راتب الموظف من قسمين: راتب أساسي + تعويضات. فإذا كان راتب الموظف مليون ونصف ليرة مثلاً، قد يكون اساس راتبه مليون، و 500 الف تعويضات (وهذا هو حال رواتب العسكريين وموظفي الفئة الرابعة تقريباً) .
عندما تتحدث الحكومة الآن عن زيادة راتب كامل للموظفين والمتقاعدين، فإن المقصود بالزيادة هو أساس الراتب فقط، دون التعويضات، وهذا ما يتم تطبيقه منذ أشهر على المساعدة الاجتماعية، التي يتم دفعها، فهي تساوي فعلياً نصف أساس راتب، وليس نصف كامل الراتب الذي يتقاضاه الموظف.
اقترحت الحكومة إعطاء الموظفين راتب شهر إضافي الآن، مع وعود بأن تتم مضاعفة ذلك تدريجياً حتى خمس مرات خلال عام، إضافة إلى ذلك؛ سيتم إعطاء الموظف بدل نقل يساوي ٩٥ الف ليرة عن كل يوم عمل، إضافة إلى بدل حضور يساوي ١٥٠ الف ليرة عن كل يوم عمل، على أن لا يقل الحضور عن ثلاثة أيام في الأسبوع.
وفقاً لهذه الخطة سيصبح راتب الموظف الذي يتقاضى مليون ونصف ليرة، كما في المثل الذي قدمناه، وفي حال العودة إلى دوام بمعدل ١٢ يوم عمل في الشهر = (اساس الراتبх ٢) + (التعويضات)+ (٩٥ الف х ١٢) + ( ١٥٠ الفx ١٢) = ٥،٤٤٠،٠٠٠ ل ل. وسيصل هذا الراتب إلى ٧،٨٩٠،٠٠٠ ل ل في حال العودة إلى دوام عمل كامل، أي بمعدل ٢٢ يوماً في الشهر.
أما في حال كان هذا الموظف متقاعداً، فهو طبعاً لن يحصل لا على بدل انتقال، ولا على بدل حضور، وسيكون راتبه الجديد =٢،٥٠٠،٠٠٠ ل ل فقط. وكذلك فإن أفراد الهيئة التعليمية في المدارس والجامعات، ستنخفض رواتبهم في عطلة الصيف، بحيث لن يحصلوا على بدل النقل، ولا على بدل الحضور.
كما أن العسكريين لن يستفيدوا من بدل الحضور هذا، وقد وجّه وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي في ٢٠٢٢/٧/٢٩ كتاباً إلى مجلس الوزراء، لتسوية أوضاع عناصر الأجهزة الأمنية ومساواتهم بباقي موظفي القطاع العام، حيث أصبح الفارق بينهم كبيراً . ففي حين سيستفيد الموظفون من بدلي النقل والحضور، بما لا يقل عن ٦،٤٩٠،٠٠٠ ل.ل شهرياً، تم إقرار بدل نقل مقطوع للعسكريين، يساوي ١،٢٠٠،٠٠٠ ل.ل فقط. ومن الواضح أن في هذا الإجراء تعسفاً وظلماً كبيرين للعسكريين.
أما الفئة الأولى من الموظفين، فإذا كان راتب الموظف حالياً عشرة ملايين ليرة، وأساس راتبه ٦ ملايين ليرة، فهو سيتقاضى ضعف أساس راتبه + التعويضات + ٩٥ الف بدل نقل يومي + ٣٠٠ الف بدل حضور يومي . وفي حال العودة إلى دوام العمل الكامل، أي ٢٢ يوماً في الشهر سيكون راتبه = ٢٤،٦٩٠،٠٠٠ ل ل.
وفقاً للنظام الحالي، للتقاعد يحصل الموظف المتقاعد على نسبة من الراتب، تساوي عدد سنوات الخدمة مقسومة على ٤٠، وتضرب بأخر راتب تقاعدي تقاضاه، على أن لا تتجاوز نسبة ٨٥٪ من هذا الراتب، يضاف إليها التعويض العائلي، وبعض المستحقات الأخرى لبعض الموظفين، كبدل الأوسمة، وغير ذلك.
كان الفارق سابقاً بين راتب الموظف الفعلي، وراتبه التقاعدي، لا يتجاوز ٢٥٪ أي أنه كان المتقاعد يحصل على حولي ٧٥٪ من قيمة آخر راتب تقاضاه. فلو كان الراتب الأخير للموظف ٤ ملايين ليرة مثلاً، كان راتبه التقاعدي يبلغ ٣ ملايين ليرة على أقل تعديل.
أما بعد ابتداع فكرة بدل الحضور، فسيصبح راتب المتقاعد يساوي أقل من ٤٠٪ من قيمة آخر راتب تفاضاه. وبهذه الطريقة تكون الحكومة قد خلقت نظاماً جديداً للتقاعد في لبنان، لم تسبقها إليه أي دولة في العالم، وسيتحول المتقاعدون من موظفي القطاع العام، إلى طبقة معدمة فقيرة، كما في الدول الشيوعية، أو أكثر الدول تخلّفاً وفقراً في العالم.
في حين تسعى الدول الراقية، إلى تقديم راتب تقاعدي، وضمان صحي لكافة المواطنين بعمر فوق ٦٥ سنة، تحاول الحكومة اللبنانية الانقضاض على رواتب المتقاعدين، وتخفيضها إلى معدل الحد الأدنى للأجور.
يبلغ متوسط عمر الفرد في الدول المتقدمة ٧٣ عاماً، وفي لبنان ٧١ عاماً تقريباً، أي أن الموظف يستفيد من راتبه التقاعدي بمعدل وسطي يبلغ سبع سنوات، وقد تمتد فترة الاستفادة لمدة أطول في حال وجود زوجة أو ابنة عزباء للموظف على قيد الحياة، حيث يحق لها الاستفادة من جزء من الراتب التقاعدي.
وتستند فكرة التقاعد في الأساس إلى مبدأ المحسومات التقاعدية، بحيث يتم اقتطاع مبلغ شهري من راتب الموظف، على أن يودع هذا الجزء في صندوق خاص، تتم إدارته من قبل الدولة، ويجب أن يغطي هذا الصندوق تكاليف رواتب التقاعد فيما لو أُحسن استخدامه.
يضاف إلى هذا الإجراء الذي يُكسب المتقاعد حقاً مشروعاً براتبه التقاعدي، مبدأ آخر، وهو مسؤولية الدولة عن تأمين الحقوق المعيشية والاجتماعية لمواطنيها، وهي لهذه الغاية تفرض عليهم الضرائب والرسوم في مجالات متنوعة وعديدة.
بعد أن قام بعض السياسيين اللبنانيين، وعلى مدى عقود، بهدر المال العام وسرقته ،ومراكمة ثروات بمليارات الدولارات، وتدمير القطاع المصرفي، والسماح لأصحاب البنوك بالسطو على الودائع، لم تجد الدولة اللبنانية من حل ومعالجة للأزمة، سوى فرض المزيد من الضرائب والإلتفاف على رواتب الموظفين.
العنوان ذاته في لبنان ، فدائماً يعمد المسؤولون والتجار والهيئات الاقتصادية، إلى التحجج بسلسلة الرتب والرواتب، كسبب للأزمة المالية، وتتمحور الاقتراحات حول خفض حجم القطاع العام، ورواتب الموظفين، ولا يكلّف أي من هؤلاء نفسه عناء التفكير في وقف الهدر والسرقة والفساد والتهريب والسمسرات، وكأن المشكلة الوحيدة محصورة براتب الموظف، الذي بالكاد يستطيع تأمين مسكن لأئق وحياة كريمة لعائلته، ويرى بعض الأغنياء، أن الموظف يجب أن يبقى فقيراً، ولا يحق له التمتع بحياة كريمة، أو تعليم أولاده أو طبابة مثل ما يحق لهم ولأولادهم.
قد يكون في الفترة الماضية تقاضى الموظفون رواتب عالية نسبياً، بلغت ما يعادل ٨ مليار دولار، أي ما يقارب ثلث موازنة الدولة، التي بلغت عام ٢٠١٩ قرابة ٢٢ مليار دولار، لكن هل فعلاً ما زالت الرواتب، التي لا تتجاوز قيمتها اليوم ٥٠٠ مليون دولار سنوياً، هي المشكلة؟؟؟ وأي عاقل يمكن أن يصدق هذا الكلام ؟؟؟
إن إغراء الموظفين ببدل الحضور (المرتفع نسبياً مقارنة بأساس الراتب)، يُشكّل بدعة، والتفافاً على جوهر النظام اللبناني، وتعديلاً ظالماً ومجحفاً لنظام التقاعد، فكل موظف اليوم هو متقاعد غداً، وسيتجرّع مرارة هذا الكأس المسموم، التي تبتدعه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
هل ترغب الحكومة اللبنانية بتحويل لبنان إلى دولة شيوعية فقيرة ؟؟؟
وهل هناك من يريد الانتقام من موظفي القطاع العام، وتحميلهم مسؤولية مشكلة؛ الانهيار المالي ، والهدر، والفساد، والسمسرات، والتهريب، التي جرت وما زالت تجري في لبنان؟؟؟
ومن هو المسؤول الفعلي، الذي يجب محاسبته، عن كل هذه الجرائم يا تُرى؟؟؟