#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
كالعادة تُتخذ القرارات في لبنان دون تبصّر ودراسة علمية، وكما في المرّات السابقة فإن زيادة رواتب القطاع العام، تصبّ في مصلحة كِبار الموظفين، وتظلم الصغار منهم، الذين لا ينالون سوى جزء بسيط، بينما يحصل المدراء العامون وكبار الموظفين على كامل مطالبهم، وحصة الأسد من الزيادة.
طبعاً إن من يفاوض الحكومة والجهات المعنية، على زيادة الرواتب، هم من كبار الموظفين، وبالتالي تأتي اقتراحاتهم لتحفظ حقوقهم بالدرجة الأولى، ويتم التنازل عن حقوق موظفي الفئات الأدنى، خاصة الفئات الثالثة والرابعة والمتقاعدين.
هذا ما حصل عندما تم إقرار سلسلة الرتب والرواتب في المرة السابقة، حيث بقي الحد الأدنى للأجور 675 الف ليرة، في حين تراوحت رواتب الفئة الأولى بين 6 و 10 ملايين ليرة .
فجاهد صغار الموظفين لتأمين ابسط مستلزمات الحياة، في حين عاش موظفو الفئة الأولى برفاهية تامة.
الاقتراحات التي يقدّمها المفاوضون اليوم، مع وزير العمل ورئيس الحكومة، تكرر التجربة السابقة، وتعمّق الهوة بين الموظفين.
ففي حال تحويل الرواتب الى دولار وفق سعر 1500 ليرة، وثم قبضها وفق سعر 8000 ، أو في حال اعتماد الاقتراح الثاني، القاضي بمضاعفة الرواتب تدريجياً، خمس مرات خلال سنة، فمن راتبه الآن مليون ليرة ، سيصبح خمسة ملايين، ومن راتبه عشرة ملايين سيصبح 50 مليون ليرة، وهذا فارق مُخيف بين الموظفين.
ستكون الدولة قريباً مجبرة على تحرير سعر صرف الدولار، أو على الأقل توحيد السعر، وهذا يعني ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير، والسؤال الأهم كيف سيتمكن أصحاب الأجور المتدنية، من تأمين أدنى متطلبات الحياة، وما هو المبرر الأخلاقي والحقوقي، لخلق هذا الفارق في رواتب الموظفين؟؟؟
لا بد من أن تتظمن اللجان المفاوضة مندوبين لكافة فئات الموظفين، لضمان حصول موظفي الفئات الدنيا على ما يستحقون من عدالة في الرواتب والحقوق، ولمنع أي مساومة على حقوقهم، من قبل كبار الموظفين، الذين يدّعون المطالبة بحقوق كافة موظفي القطاع العام، فيما هم يحرصون على حقوقهم فقط.
الحل المنصف والعادل يكون بدراسة كاملة، تعطي الموظفين حقوقهم، بزيادة مناسبة ومتناقصة، على شطور الراتب، دون أن ترهق خزينة الدولة، ولا تُثري موظفي فئة، على حساب باقي الموظفين.
فإذا اعتُمدت مثلاً زيادة 500% على المليون الأول من الراتب، و 400% على المليون الثاني من الراتب، و 300% على المليون الثالث من الراتب، و 200٪ على المليونين الرابع والخامس من الراتب، و 100% على المليون السادس وما فوق من الراتب.
فعندها من كان راتبه مليون ليرة سيصبخ ستة ملايين، ومن كان راتبه 10 ملايين يصبح 36 مليون ليرة، وهذا الحل الأقرب إلى الإنصاف والعدل، في هذه الظروف الإستثنائية.
أما من يروّج بأن زيادة الرواتب اليوم، هي تكرار للخطأ الذي ارتكبته السلطة، في إقرار سلسلة الرتب والرواتب عام 2017، فبعض هؤلاء أهدافهم مشبوهة، وكلامهم مسموم ولا يمت للحقيقة بصلة، فلا يمكن أن تنهض الدولة بدون انتظام القطاع العام، ولا تنتظم الإدارة، إذا كان الموظفون لا يتقاضون رواتب عادلة، تكفيهم لتأمين مستلزمات الحياة، فكيف يمكن أن يسير المرفق العام، إذا كان صاحب دكان صغير، يجني أرباحاً شهرية، تفوق بأضعاف راتب مدير عام، ولا يكفيه راتبه لتأمين الحد الأدنى من العيش بكرامة ؟؟؟
أما عن تأمين مداخيل الدولة ، فلو دفع التجار وأصحاب المصالح وغيرهم، الضرائب المفروضة عليهم، وعلى مداخيلهم، وفق سعر صرف عادل للدولار، لتمكّنت الدولة من تحقيق التوازن في موازناتها، وتحقيق النمو الاقتصادي أيضاً.
المشكلة الأساس في لبنان، تكمن في التهرّب الضريبي، والتهريب، والهدر، والفساد، والاستمرار بالجباية وفق سعر صرف 1500 ليرة للدولار، الذي يكبّد الخزينة خسائر بمليارات الليرات، ولا يستفيد منه سوى جماعة قليلة من التجار المحتكرين والمهرّبين .
لقد أصبح تصحيح رواتب الموظفين خطوة أولى في الإصلاح واستعادة الدولة، وعودة المؤسسات إلى العمل المنتظم بالشكل الصحيح، ولا يجوز الاستمرار في هذا الشلل، الذي يسبب مزيداً من الأنهيار والتدمير لما تبقى من مؤسسات الدولة وإداراتها، ويجب أن ترتكز أي زيادة، إلى مبدأ العدالة، وعدم تعميق الهوة والفارق بين الموظفين، مع الحرص على أن يحصل موظفو الفئات الدنيا، على ما يكفي لتأمين مستلزمات الذهاب إلى العمل، والعيش بكرامة.