#الثائر
الملف الأكثر سخونة، والذي ينذر باشتعال واسع ربطاً بما يستبطنه من عوامل تصعيد وتوتير، هو ملف الترسيم. وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ التطورات الاخيرة التي برزت غداة تبلّغ لبنان من الوسيط الاميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل آموس هوكشتاين، الردّ الاسرائيلي على المقترحات اللبنانية، والذي اشاع جواً يفيد بأنّ «تقدّماً» قد حصل حيال هذا الملف، اكّدت انّ هذا التقدّم، ليس سوى تعابير لفظية شكلية، انما في جوهر الملف، فلا تقدّم يُذكر على الاطلاق، بل أكثر من ذلك، فإنّ هذا الملف، بالشكل الذي يقارب به اسرائيليّاً قد يكون مفتوحاً على أن تسوء الامور حوله أكثر، وتبرز تعقيدات اكبر واكثر وضوحاً، وقد تستتبعها توترات».
وإذا كان «حزب الله» متهماً بأنّه قد دخل في اليومين الماضيين كعامل تعطيلي لمسار المفاوضات بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، عبر إرساله «المسيّرات» إلى ما فوق حقل «كاريش»، وهو أمر دفع بالموقف الرسمي لأن يتبرّأ من هذه الخطوة وتأكيده دعم مهمّة الوسيط الأميركي والالتزام بمسار المفاوضات، إضافة الى انّه عزز المخاوف من فتح الباب على توتر وتصعيد قد يبدأ من البحر وينسحب إلى البر، الّا انّ اسرائيل، ووفق معلومات موثوقة، تعاطت مع هذا التطور على نحو يبقيه في سياق محدود، وهو ما عكسته المستويات السياسية والعسكرية والاعلامية الاسرائيلية. وفي السياق نفسه، أرسلت اسرائيل اشارات مباشرة بهذا المعنى إلى جهات صديقة للبنان، بأنّها غير راغبة في تصعيد الامور. الّا انّها غير مطمئنة لنوايا «حزب الله»، وتدعو إلى منع أي خطوة تقود إلى تصعيد».
الجواب الاسرائيلي: الّا انّ المعلومات الموثوقة لـ»الجمهورية» من مصادر معنية مباشرة بملف الترسيم، كشفت حقيقة الجواب الاسرائيلي الذي تبلّغه المسؤولون اللبنانيون من هوكشتاين وكذلك السفيرة الاميركية التي تولّت توضيح بعض التفاصيل المرتبطة به. حيث تضمن الجواب الاسرائيلي ما يلي:
- اولاً، قاربت اسرائيل بإيجابية الطرح اللبناني الذي نقله هوكشتاين حول الخط 23، والذي يعكس الموقف الرسمي الصادر عن رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة في لبنان. ومبعث الإيجابية كما قرأتها اسرائيل انّ هذا الطرح هو الطرح الرسمي الأول الذي يبتعد عن الخط 29.
- ثانياً، انّ اسرائيل قد أنفقت في سبيل «حقل كاريش» وإعداده للاستثمار ما يقارب 15 مليار دولار. وبالتالي هي تعتبره حقاً تملكه بالكامل، ولن توقف العمل فيه.
- ثالثاً، أبدت اسرائيل استعدادها لإبداء مرونة مع لبنان في ما يتعلق بسعيه الى تثبيت الخط 23، مع «تعرجات» تتيح للبنان بأن يكون «حقل قانا» بالكامل ضمن حدوده. الّا انّ هذه المرونة مرهونة بتحقيق شرطين:
الشرط الاول، انّ «التعرّج» الذي سيسود الخط، ستتأتى منه «إنحناءات» في بعض النقاط، وبالتالي فإنّ اسرائيل، ومقابل «الانحناءة» (جنوب الخط 23)، التي تحقق مطلب لبنان بأن يصبح من خلالها «حقل قانا» بكامله ضمن حدوده، تطّلب حصول «إنحناءة» مماثلة وبذات المساحة (شمال الخط 23)، بما يتيح لاسرائيل بأن تعوّض مساحة المياه التي ستخسرها في «الانحناءة» التي يطالب بها الجانب اللبناني.
الشرط الثاني، ان يتمّ تعويض اسرائيل مالياً عن الكلفة العالية التي ستخسرها بموافقتها على «الانحناءة» جنوب الخط 23. فهذه «الإنحناءة» تحرم اسرائيل من شراكتها في «حقل قانا»، وترى اسرائيل انّ على لبنان أن يدفع لاسرائيل تعويضاً يعادل حصتها من الغاز في «حقل قانا»، وهي تقترح في هذا السياق ان يناط استثمار «حقل قانا» بإحدى الشركات، على ان توزع العائدات بنسبة 60 في المئة للجانب اللبناني، و30 في المئة للجانب الاسرائيلي و10 في المئة للشركة المستثمرة.
- رابعاً، انّ اسرائيل لا تؤيّد العودة الى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الناقورة. ومردّ رفض العودة الى طاولة المفاوضات، هو انّ كل التقدّم الذي حصل في هذا الملف، حصل خارج إطار المفاوضات وبعد توقف الاجتماعات في الناقورة.
- خامساً، انّ اسرائيل وإن كانت تمانع العودة الى استئناف المفاوضات في الناقورة، الّا انّها لا تمانع ان تتمّ مراسم توقيع الاتفاق النهائي على الترسيم في احتفال يُقام في الناقورة. كما لا تمانع في ان يُقام احتفال توقيع آلية التعويض على اسرائيل عن بدل الانحناءة جنوب الخط 23، في الناقورة ايضاً.
وبحسب المعلومات الموثوقة، انّ ما تبلّغه المسؤولون في لبنان من هوكشتاين نقلاً عن الجانب الاسرائيلي، يفيد بأنّ اسرائيل قد أعطت مهلة شهرين لتبدأ بعدهما العمل. ما يعني انّها تطلب حسم الجواب اللبناني النهائي على هذه الشروط خلال هذه الفترة.
ربطاً بذلك، اكّدت المصادر المعنية بملف الترسيم لـ«الجمهورية»، انّ «الحديث عن تقدّم في هذا الملف مبالغ فيه، والشروط التي تطرحها اسرائيل مدرجة في سياق محاولة ابتزاز واضحة للبنان في ما هو حق له. وفي أي حال، الامور ما زالت قيد الدرس عبر القنوات المحدّدة. من دون ان توضح هذه المصادر ما إذا كان هذا الدرس يتطلب حضور هوكشتاين في زيارة جديدة الى لبنان».
المسيّرات: وفي هذا الملف، سألت «الجمهورية» معنيين في «حزب الله» عن الغاية من اطلاق «المسيّرات» في هذا التوقيت، فكان الجواب: «هي رسالة واضحة للاسرائيلي بأنّه ممنوع عليك ان تستخرج الغاز قبل الترسيم النهائي للحدود. وموقفنا هذا سبق للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ان اعلنه على الملأ».
وحينما يُقال للمعنيين في الحزب بأنّ «مسيّراته» تشكّل عامل توتير لهذا الملف وما هو أبعد منه، يقولون: «من يفتعل التوتير هي اسرائيل، لأنّها تستخرج الغاز والنفط من منطقة متنازع عليها، وهذه المنطقة ستبقى متنازعاً عليها طالما انّ الحدود لم تُرسّم حتى الآن بصورة نهائية».