#الثائر
شاعت اجواء مفادها بان ملف ترسيم الحدود البحرية مطروح جدياً انطلاقاً من التحذير الاخير لـ"حزب الله" بأن لبنان لن يكتفي بدور المراقب بينما اسرائيل تنقب عن الثروة في حقل كاريش.
في اعقاب اعلان شركة إنيرجين اليونانية انها استحصلت من اسرائيل على حق التنقيب عن الغاز في حقل كاريش المتداخل مع المياه الاقليمية على الحدود الشمالية مع لبنان، لم يطرأ اي تطور على ملف ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل باستثناء الموقف الاخير لأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي دعا فيه الى «تشكل إجماع وطني حول كيفيه حماية هذه الثروة وكيفية استخراجها»، معتبراً ان «ما نحتاج إليه هو امتلاك جرأة التلزيم لعدم الذهاب نحو مزيد من المديونية… وإذا أراد العدو منعنا من التنقيب فإننا قادرون على منعه». الكلام الذي جاء بمثابة تحذير لاسرائيل لم يستثنِ الشركات التي بدأت تعمل بالتنقيب. تحذير «حزب الله» أعاد تحريك الجمود في الملف بعدما كان لبنان وإثر آخر اجتماع للرؤساء الثلاثة، دعا الوسيط هوكشتاين لمعاودة وساطته مجدداً قبل ان يدخل لبنان في سباقه الانتخابي. هي المرة الثانية التي يدخل فيها «حزب الله» على خط الترسيم، بعدما كان أوكل للدولة المهمة واعداً بالتدخل حيث تدعو الحاجة، لم يعد ممكناً الوقوف على الحياد واسرائيل تستغل الوقت في التنقيب وتلزيم الشركات والاستفادة من الثروة، بينما لم يحرك لبنان ساكناً بعد وهو الرازح تحت وطأة ازمته المالية.
التطور الجديد خارج السياق الرسمي تمثل في الزيارة التي قام بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، والتي تقول المعلومات إن ملف ترسيم الحدود البحرية كان من ضمن المواضيع التي ادرجت على جدول اعماله. مصدر امني أكد ان الزيارة وان كان هدفها الاساسي معالجة ملف الموقوفين الاميركيين في سوريا وبينهم الصحافي الأميركي في البحرية الأميركية أوستن تايس، الذي كان سافر إلى سوريا العام 2012 واعتُقل أثناء تغطيته الحرب على سوريا، لكنها شهدت بحثاً في ملف الترسيم. وتفيد معلومات مصادر متقاطعة ان اللواء ابراهيم اثار في واشنطن الموضوع من دون ان تستبعد امكانية لقائه الوسيط الاميركي هوكشتاين. وقالت المصادر ان اللواء ابراهيم لم يبلغ رسالة رسمية لكنه عرض لوجهة نظر لبنان حيال العرض الاخير الذي حمله هوكشتاين، ليؤكد أن لبنان لن يقبل تعدي اسرائيل على حدوده وأن تباشر في استخراج النفط والغاز بينما تمنع عليه الاستفادة من خيراته واعطاءه الحق بذلك. مسألة ان تبدأ إسرائيل التنقيب في حقل مختلَف عليه لا يمكن أن يمررها «حزب الله» ويتغاضي عنها، بينما بدأت باستخراج النفط وبيعه قبل الاتفاق مع لبنان على تقاسم الحدود بينهما. اي ما مفاده تحذير اسرائيل من مغبة اللعب في هذا الملف.
وتقول مصادر متابعة للملف عبر "نداء الوطن" ان «حزب الله» لمس ان الأميركي على عجلة من أمره وهو يسعى لتأمين ضمانتين أساسيتين تتعلقان بترسيم حدوده مع لبنان. الاولى وتتعلق بسرعة الترسيم على الحدود واستخراج النفط والغاز في المنطقة والتحكم به في ضوء الازمة الاوكرانية الروسية، وان المعركة المقبلة عنوانها مَن الجهة التي ستتحكم بالثروة النفطية، اما الثانية فتتعلق بأمن إسرائيل وضمانته على الحدود.
يستعجل الاميركي الاتفاق النووي مع ايران بينما يصر الجانب الإيراني على تحصيل ضمانات بأن اي اتفاق لن يكون عرضة للالغاء، محاولاً تجنب تجربة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب الذي الغى مفاعيل الاتفاق وانقلب عليه فور فوزه بالرئاسة، وهي محاولة قد تتكرر في ظل الأجواء التي تبشر بفوز الجمهوريين هذه المرة. واذا كان الاتفاق النووي الايراني الاميركي لن يحصل بالسرعة المتوقعة في ضوء اختلاف حسابات الطرفين، فإن على لبنان وكما فعلت اسرائيل ان يسارع الى الاستفادة من ثروته في سبيل معالجة ازمته المالية، وتحت هذا العنوان بعث بجواب اولي على صيغة هوكشتاين تؤكد على مبدأين اساسيين:
– استئناف المفاوضات ببن لبنان وإسرائيل من حيث توقفت.
– رفض شروع اسرائيل بالتنقيب بينما يمنع عليه الاستفادة من ثروته.
أبعد من موقف اطلاق «حزب الله» رسالة تحذيرية الى اسرائيل، في كل الحالات يحاول لبنان الرسمي اي رئيس الجمهورية، تحريك هذا الملف بسرعة قصوى لكن هل سيكون الظرف مناسباً لتحقيق تقدم مفيد؟ بالوقائع ومع حكومة تصريف الاعمال وعلى مسافة قصيرة من انتخاب رئيس جديد للجمهورية، قد يكون ملائماً إرجاء بحث هذا الملف الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية ويعود معه الملف الى عهدة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن اليوم وحتى ذاك الوقت فالآمال ضعيفة مع العقوبات المفروضة على لبنان اقتصادياً.
على صفحته كتب رئيس الوفد التقني العسكري السابق المفاوض حول الحدود البحرية الجنوبية العميد بسام ياسين: «لا أحد يعتقد أننا قادرون على استخراج النفط والغاز من البحر في القريب العاجل من دون تعديل المرسوم 6433 وتبني الخط 29 كمنطلق للتفاوض، أو بالحد الادنى تبني ما ورد في رسالة لبنان الى الامم المتحدة بتاريخ 2022/1/28 لناحية اعتبار حقل كاريش متنازعاً عليه وتحذير الشركات من العمل لصالح اسرائيل في المناطق المتنازع عليها»، وأعلن ان لبنان ممنوع «من التنقيب عن النفط والغاز في بحرنا بسبب الضغوطات على هذه الشركات، والحل الوحيد لرفع هذا المنع عنا، هو الضغط على العدو ومنع شركة انرجين من استخراج النفط والغاز من حقل كاريش قبل التوصل الى حل عادل، وذلك من خلال تعديل المرسوم 6433 واعتبار ان هذا الحقل متنازع عليه كما ورد في رسالة لبنان الى الامم المتحدة بتاريخ 2022/1/28.» لكن لا اتفاق على مثل هذا التعديل فهل يرجأ البت بالملف الى الحكومة المقبلة ام الى ما بعد العهد الجديد؟
في سياق متصل، نقلت صحيفة «Les Echos» الفرنسية عن المدير التنفيذي لـ«إينرجين» في إسرائيل، شاؤول زيماش، أن الشركة «تلقت ضمانات بأن كاريش بأكمله يقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل»، من دون أن يوضح مصدر هذه الضمانات.
ويرجّح أن واشنطن هي من قدّمت هذه «الضمانات» التي لولاها لما أبحرت سفينة الإنتاج إلى المياه المحتلة، ولما واصلت عمليات الاستكشاف في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان قبالة الخط 29. علماً أن «الوسيط» الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية عاموس هوكشتين جمّد «وساطته» منذ مطلع العام الجاري، بعد فشل ضغوطه على لبنان للتراجع عن طروحات توسيع الحدود البحرية كشرط لاستئناف المفاوضات، وبعدما نال فعلياً تنازلات أبرزها التراجع نحو الخط 23 والتخلي عن الخط 29، ما يعني فعلياً التخلي عن شمال كاريش.
في غضون ذلك، عاد الحديث عن «إنعاش» المفاوضات غير المباشرة برعاية الولايات المتحدة واحتمال عودة هوكشتين إلى بيروت. غير أن مصادر مطلعة على الملف أعربت عن خشيتها من أن يكون هدف هذه العودة إشغال الجانب اللبناني عما يحصل في المياه الفلسطينية المحتلة، بالتزامن مع قرب بدء الإنتاج الإسرائيلي من حقل «كاريش» والحديث عن مفاوضات إسرائيلية مع عدد من الدول الأوروبية لتوقيع اتفاقات توريد الغاز خلال 18 شهراً. علماً أن رئيس الجمهورية ميشال عون طلب خلال استقباله القائد الجديد للمنطقة الوسطى الأميركية مايكل كوريلا، في 20 الجاري، «استئناف هوكشتين مساعيه بعد انتهاء الاستحقاق النيابي». كما قالت مصادر لـ«الأخبار» إن موضوع الترسيم كان من بين الملفات التي بحثها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في واشنطن الأسبوع الماضي، ودعوته في حديثه إلى صحيفة «ذي ناشيونال» الإماراتية، إلى أن يرد الجانب اللبناني على آخر اقتراح تقدم به هوكشتين في بيروت (منح لبنان الخط 23 معدلاً، إذ يقضم جيباً إلى الجنوب من حقل قانا، ويأخذ في طريقه مساحات شاسعة من البلوك 8).
ووفق المصادر، يأتي اقتراح إبراهيم بالرد، كمبادرة تسمح لهوكشتين أن يعود لبيروت. «الضمانات» الأميركية لا تحول دون الترقب على المستوى الإسرائيلي من تنفيذ تهديدات المقاومة حيال «منع الاستخراج» من حقل كاريش، خصوصاً أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تطرق إلى هذا الملف في ثلاثة من آخر خمسة خطابات، ما يشير إلى أن المقاومة تولي هذا الملف درجة عالية من الأهمية.