#الثائر
من مرصد الرفيق " ابو صالح "
الدولار قفز بشكل جنوني وتجاوز عتبة 36 الف ليرة، وما زال يتجه صعوداً، رغم أنه في المعطيات الاقتصادية لا شيء تغيّر منذ الانتخابات النيابية وحتى اليوم. وكعادتنا في الملمات الصعبة، قصدنا مرصد الأحداث في دكان الرفيق " ابو صالح" لمعرفة الأسباب وإلى أين تتجه الأمور في لبنان.
وجدناه هذه المرة حزيناً وتكاد الكآبة تأكل لسانه، وكتب على باب دكانه "اذا شتت ابكِ وإذا صَحت ابكِ" فعجبنا لأمره وسألناه عن سبب حزنه وتشاؤمه وعما إذا كان قد أصبح خبيراً في الأرصاد الجوية، فقال: شهدت القرية شهراً من الاحتفالات، وقرع الطبل ونفخ الزمر، ولمعَ البرق من جبين المرشّحين، وقصفت الرعود من حناجرهم الصادحة بالوعود، وأمطرت السماء ذهباً في الليالي الحالكة، وعَمِرت دكاني بالوفود.
وما إن أشرقت الشمس، حتى تفرّق الجمع، وعاد سكان القرية يشترون من دكاني "بالدين" ولا أحد يدفع، والكل شاكٍ، فهذا يتذرع إلى الله كي تُمطر السماء لينمو زرعه ولا يضيع الموسم في الجفاف، وذاك يتذرّع إلى ربه لتصحو السماء، فيتمكّن من الذهاب إلى عمله في ورشة البناء، وأصبحت أنا أقول في نفسي "إذا شتت ابكِ وإذا صَحَت ابكِ" ففي كلا الحالين أحدهم لن يدفع لي النقود وسوف يشتري مني "بالدين".
ثمّ تنهّد أبو صالح وقال: أُريد أن أقفل دكاني، فأنا لم أعد أعرف كيف يطير الدولار وتطير معه الأسعار، فأنا أنام على كومٍ وأصحو على صرصار .
وفجأة صحح الرجل جلسته مُلبساً صوته عباءة الرزانة، ومُحدّقاً مباشرة في عيوننا، وأتّسعت حدقتاه وهو يحملق بنا (ولن نخفي عنكم سراً: لقد أرعبنا الشرر المتطاير من عينيه الحمراوين) وتحوّل فجأةً إلى محللٍ استراتيجي عبقري، يُضاهي كبار رموز البلد، الذين لا تغيب صورتهم عن التلفاز، فتتعب الشاشات ولا يتعبون، ولا يملّون من الكلام.
قال ابو صالح: المسؤولون عندنا اختلفوا في السياسة، فتلاعبوا بالدولار، وهم يريدون إلهاء الناس برغيف الخبز وجنون الأسعار. وكونهم ينتظرون أن يجدوا حلولاً لأزمات الدول الصديقة والشقيقة أولاً ، فلا وقت لديهم للنظر في أزماتنا الآن، وتماشياً مع موجة التغيير والنواب التغييرين، قرروا تغيير؛ أرقام سياراتهم، والمكاتب، والكراسي، وحتى الطاولات، فالتغيير هو المنشود، وكذلك تغيير عادات المواطنين، فرفع أسعار الاتصالات مفيدٌ وسيعيد المواطنين إلى؛ جلسات القُربة، والحكواتي، وأيام زمان والرومانسية، والسهر على ضوء القمر والشموع ونار الموقد وعدّ النجوم.
ولا شك أنهم يحرصون على صحتنا، فبعد أن ثبت ضرر تناول اللحوم والحلويات والأدوية، فمن الأفضل تركها والعودة إلى الطبيعة والغذاء النباتي الصحي.
وبغية تخفيف المصاريف على الدولة، قرروا عدم تشكيل حكومة، وحتى أنهم لن ينتخبوا رئيساً للجمهورية، ولن يُنفقوا فلساً واحداً على الكهرباء، ولهذا السبب سحب وزير الطاقة مشاريع بناء المصانع في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، ف إله الكهرباء في لبنان يرفض أن يُنار البلد إِلَّا على يديه، ومثله إله المال يرفض أن يترك لبنان، وإله الكرسي، وحتى إله "مرسي المشانق" وكل الآلهة تعشق لبنان وتُحب شعبه كثيراً، ولكن "من الحب ما قتل" والعشق أيها الرفاق يطول ويطول كثيراً ، ختم "أبو صالح".
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.