#الثائر
- ياسر هلال، المدن.
كلام أمين عام جمعية المصارف السيد فادي خلف في مقاله المنشور في بعض الصحف، هو "أمين الكلام"، لأنه يوثق انفراط عقد "ثلاثية المنهبة"، أي السياسيون وأصحاب المصارف ومصرف لبنان. ربما اتخاذ القرار بالتضحية برياض سلامة، خصوصاً إذا ثبت أن المعركة قد انتهت، وبات ممكناً "تغيير الضباط". فالمقال الذي خضع طبعاً لتمحيص وتدقيق أركان الجمعية وفريق الخبراء والمحللين والمحامين فيها، يطلق معركة تقديم سلامة "كبش فداء" على مذبح جملة أهداف هي: جر المودعين إلى خندق المصارف باعتبارها المدافعة عن حقهم باستعادة ودائعهم من الدولة ومن مصرف لبنان، والإيحاء بأن ذلك يتطلب وضع اليد على أصول الدولة وعلى الاحتياطي الإلزامي. ولننتظر الانتقال من مرحلة كتابة المقالات إلى مرحلة رفع الدعاوى على مصرف لبنان وعلى الدولة لتحقيق ذلك (راجع "المدن").
ولتعميم الفائدة من المقال، نشير إلى ان السيد خلف أكد موقف الجمعية من ثلاث قضايا مصيرية هي: أولاً؛ "ضرورة عدم المسّ تحت أية ظروف بالاحتياط الإلزامي كونه يشكِّل جزءاً لا يتجزأ من ودائع الزبائن". ثانياً؛ "تحميل الدولة مسؤولية استنزاف ودائع المصارف لدى مصرف لبنان" وأخيراً "تحميل مصرف لبنان مسؤولية المس بالاحتياط الإلزامي". ما يعني ان المصارف ورجال المال والأعمال وضمناً السياسيين "أبرياء من دماء كل الصديقين". فما الذي تغير حتى انفرط العقد مع رياض سلامة؟ وهل سيبادر إلى الدفاع عن نفسه بفضح شركائه؟ عسى أن يتجرأ ويفعلها.
أهداف المعركة ضد سلامة
شكّل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ضربة قاضية لأوهام ثلاثية المنهبة، بإمكانية التملص من مسؤولية ما وصفته جريدة "لوموند" بسرقة العصر، خصوصاً بنوده المتعلقة بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، والتدقيق الدولي بميزانيات البنوك، وتعديل قانون السرية المصرفية (راجع "المدن"). فهذه البنود تمهد الأرضية لأوسع عملية تدقيق ومحاسبة قد يصح اعتبارها "محاكمة العصر". وليس عبثاً أو صدفة توالي صدور أحكام قضائية في لبنان ودول أجنبية ضد المصارف أو تصاعد التحقيقات القضائية في عدة دول أوروبية مع حاكم البنك المركزي وشقيقه، وما يسرب عمداً عن تحقيقات داخلية تجريها المصارف السويسرية والفرنسية والسلطات النقدية في تحويلات اللبنانيين خصوصاً بعد 17 تشرين 2019.
وعليه حددت "ثلاثية المنهبة" ثلاثة أهداف مرحلية هي:
أولاً: تحصين المصارف ضد الدعاوى القضائية
وذلك ما تعمل عليه بكفاءة واقتدار الحكومة حالياً من خلال مشروع قانون الكابيتال كونترول، الذي تعطل إصداره مؤقتاً "بسبب مواقف شعبوية ولدواع انتخابية"، كما قال رئيس الحكومة، وهو محق في قوله. وهذا المشروع أقل ما يقال فيه أنه هرطقة قانونية ودستورية غير مسبوقة في التاريخ، لأنه أولاً، ينص على منع المودعين من مقاضاة المصارف، بما يخالف قانون النقد والتسليف وحتى الدستور اللبناني، وبما يخالف أبسط القواعد التشريعية الدولية، لأنه ينص في أحد بنوده على تطبيقه بأثر رجعي ليشمل الدعاوى المرفوعة قبل صدوره. وثانياً لأنه يحصر الموافقة على التحويل والسحب من الحسابات بلجنة تتمتع بصلاحيات كاملة تعينها طبعاً "ثلاثية المنهبة"، وذلك بدلاً من تضمين القانون معايير واضحة منعاً للاستنسابية والزبائنية. وعلى أي حال، لذلك حديث آخر.
ثانياً: وضع اليد على أصول الدولة
تسعى جمعية المصارف وشركاؤها من السياسيين إلى تحميل الدولة مسؤولية استنزاف ودائع المصارف لدى مصرف لبنان. وليكون الحل كما تطالب هو وضع أصول الدولة "الحرزانة" مثل بعض الأملاك العقارية والكازينو وشركة طيران الشرق الأوسط والمرفأ وقطاع الاتصالات في صندوق استثماري، يديرونه وينعمون بعوائده ويسددون قسماً من الودائع.. أو تأسيس شركة مساهمة تمول من ودائع 35-40 شخصاً من كبار المودعين لإنشاء معامل كهرباء تبيع الانتاج للدولة. وتكون النتيجة الوحيدة ليس التنصل من أي مسؤولية لأصحاب المصارف لتناهب أموال الناس، بل بالعكس مواصلة عملية التناهب: "منشار طالع وآكل.. نازل وآكل".
وتبلغ محاولة استغباء الناس مداها في محاولة السيد خلف وأركان جمعية المصارف التنصل من مسؤولية إقراض الدولة، وتحميل مصرف لبنان منفرداً المسؤولية، فهل نسي هولاء حفلات المزاد العلني على الفوائد لجذب أموال المغتربين والمودعين العرب، والعروض المضحكة المبكية على مثال وضع وديعة بمليون دولار يتم تسجيلها في حساب المودع بقيمة مليوني دولار. وكل ذلك لكي يقوموا بإقراضها إلى الدولة عبر مصرف لبنان. وكيف يتناسون وصف المؤسسات الدولية والرئيس الفرنسي لنشاطهم المصرفي بمخطط بونزي. وليسأل السيد الأمين العام أركان الجمعية كيف أُجبِر فرانسوا باسيل على الاستقالة لأنه رفض مواصلة "مهزلة" إقراض الدولة مقابل فوائد خيالية. ولينور عقولنا بمعرفة سبب سكوت الجمعية طوال السنوات السابقة عن ممارسات سلامة "المنافية لقانون النقد والتسليف"، قبل ان تستفيق بتاريخ 1 نيسان 2020 لترسل له مذكرة تحذير من مغبة المساس بأموال المودعين كما جاء في مقاله.
ثالثاً: وضع اليد على الاحتياطي الإلزامي
يعتبر هذا الهدف الأكثر أهمية، نظراً للحاجة الملحة لجزء من الاحتياطي المتآكل بسرعة، لتمرير دفعة على الحساب لأصحاب 800 ألف حساب من صغار المودعين لشراء سكوتهم مؤقتاً، وتجنب انفجار اجتماعي لا يمكن ضبطه. وهو ما عبر عنه صراحة رئيس الحكومة بتأكيده إن خطة التعافي تضمن إعادة الودائع التي تقل عن 100 ألف دولار. ولذلك، يتوقع أن تقدم جمعية المصارف على خطوة شديدة الخطورة وهي رفع دعوى قضائية على مصرف لبنان، لإجباره على إعادة الاحتياطي الإلزامي إلى البنوك. ولا يمكن استبعاد احتمال المطالبة باستثمار احتياط الذهب كما بدأ "يحلّل ويحرّم" بعض المحللين والخبراء.
ويتخوف "ثنائي المنهبة" أن يأخذ شريكهما الحاكم، بنصيحة المؤسسات الدولية "باستخدام رشيد" لما تبقى من احتياطي إلزامي لمنع انهيار سريع لسعر الصرف حالياً، والحفاظ على الحد الأدنى من مقومات النهوض لاحقاً. وذلك ما يفسر تركيز السيد فادي خلف في مقاله على سياسة تثبيت سعر الصرف. وطبعاً لم يكن السيد خلف بحاجة إلى الاستعانة بميلتون فريدمان وباستهلاك "المساحة المعطاة للمقال" لاستعراض المعايير الدولية، ليؤكد المؤكد والمعروف بعدم جواز استخدام المصرف المركزي للاحتياطي الحر وطبعاً الإلزامي، لتثبيت سعر الصرف لمدة عقدين متواصلين. ولكن هل كانت جمعية المصارف وأصحابها، تنتظر تولي السيد خلف منصبه ليكشف لها هذا السر "الدفين"، أم تراها "كتمت السر المعروف" بالتفاهم مع الحاكم ومع شركائها من السياسيين لتتنعم بمليارات الدولارات من الأرباح ولتتباهى بانتفاخ وتضخم القطاع المصرفي الذي بات "أكبر من بلده".
ألم يكن أجدر بالسيد خلف احترام عقول اللبنانيين وتسمية الأشياء بأسمائها، والقول إن سياسة تثبيت سعر الصرف وتمويل الدولة التي اعتمدها مصرف لبنان، وضعت بقرار سياسي من الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالتوافق والتضامن مع الأفرقاء السياسيين بكل تلاوينهم، وقد تمسكوا بها وطبقوها بحذافيرها بعد إغتياله وحتى الأمس القريب حين انتهاء صلاحيتها. لأن هذه السياسة شكلت رافعة وستارة "ليتناهبوا" موارد الدولة ومساعدات الدول المانحة وكذلك ودائع اللبنانيين والعرب، بالشراكة مع منتحلي الصفة من المصرفيين ورجال المال والأعمال. ولأن هذه السياسة ساعدتهم في إسكات الناس الذين تنعموا بقدر كبير من البحبوحة والرفاه المصطنع. ولم يكن تثبيت السعر كما يكشف لنا السيد خلف "خطأ في التقدير من قبل مصرف لبنان الذي كان عليه أن يدرك استحالة الاستمرار في هذه السياسة". فرياض سلامة هو بروفسور في جامعة المال والنقد و"الهندسات المالية"، ولذلك كان شركاؤه السياسيين والمصرفيين يحمونه "برموش العيون"، ولا يزالون حتى إشعار آخر. وهو قطعاً لا يحتاج دروساً في ألف باء "ما يسمى مواجهة الرياح التي تحتاج الحفاظ على مستوى مرتفع من الاحتياط بالعملات الأجنبية"، كما يقول السيد خلف. إلا إذا كانت هذه الدروس من "عدة الشغل" لاستكمال متطلبات إنقلاب أركان المنظومة المالية السياسية، على شريكهم ومهندس عملياتهم، وتقديمه كبش فداء على مذبح أوهامهم بإمكانية التنصل من مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي وضياع أموال المودعين.
المنظومة تستشعر الخطر
البلاد ستدخل فور انتهاء الانتخابات مرحلة شديدة الخطورة، تتمثل بسقوط حر نحو قاع جهنم، فرياض سلامة "الذي لم يعد يخشى من البلل"، سيوقف الدعم وتمويل الدولة نهائياُ، ليس تنفيذاً لتحذيرات السيد فادي خلف وجمعية المصارف، بل عملاً بنصيحة المؤسسات الدولية. ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير بأسعار المحروقات والاتصالات والدولار الجمركي مع انهيار أكبر لسعر صرف الليرة والقدرة الشرائية.
وهذا الانهيار المريع سيترافق مع فترة انتظار لتبلور اتجاهات الأوضاع السياسية في المنطقة، فإما إلى مواجهة شاملة تترجم في لبنان اضطرابات أمنية اجتماعية وطائفية، تشكل طوق نجاة "لمنظومة المنهبة". وإما إلى تسوية إقليمية دولية تنطلق من توقيع الاتفاق النووي مع إيران وتنسحب على لبنان. وفي هذه الحالة سيكون مصير الطبقة السياسية وشركائها من منتحلي صفة مصرفيين ورجال أعمال على بساط البحث "والشطب"
ونختم بالتساؤل الذي أورده السيد فادي خلف في مقاله: هل تصبح الحالة اللبنانية الشاذة مادة بحث جديدة تُدرَّس في الجامعات؟ ونضيف عليه: أم تصبح هذه الحالة "مادة تأهيل" جديدة تطبق في السجون؟
المدن-