#الثائر
-" فادي غانم "
لم يكد اللبنانيون أن تأملوا ببعض الانفراجات في الأزمة المستفحلة منذ أكثر من عامين حتى جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لترخي بثقلها على اقتصادنا المتهالك وتُهدد المواطنين بلقمة عيشهم.
يبلغ عدد القاطنين حالياً في لبنان حوال 6,5 مليون نسمة منهم 25% من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين ولقد بلغت المعاناة بعد انهيار العملة الوطنية حداً لا يطاق فتدنت الرواتب بنسبة أكثر من عشر مرات وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وما زالت الوعود بالبطاقة التمويلية حبراً على ورق. إضافة إلى غياب الإصلاحات والإجراءات الحكومية لتنفيذ الحد الأدنى من الإصلاحات الضرورية لوقف التدهور الحاصل.
فالأمن الإجتماعي في قمة الاهتراء، والأمن الصحّي في قعر التردّي، والاستشفاء بات للأغنياء فقط، فيما مرضى الضمان الاجتماعي مهدّدون، وها هو الخطر اليوم يطل من نافذة جديدة وكأنه كُتب على اللبنانيين أن يكون لهم حصة في كل مآسي هذا العالم.
لقد حدث انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 ونتج عنه دمار هائل للعاصمة وشلّ الحركة التجارية فمعظم البضائع كانت تمرّ عبر هذا الشريان الحيوي والأهم كان تدمير الإهراءات التي كان يتم فيها تخزين احتياط لبنان من القمح هذه السلعة الأساسية التي لا يُمكن الاستغناء عنها. وحتى الآن ما زال التحقيق يراوح مكانه أسير التجاذبات السياسية ولم نكتشف حقيقة من فجّر قلب العاصمة وقتل المئات من أبنائها.
يستورد لبنان حوالي 650 الف طن من القمح سنوياً والمصدر الأساسي هو أوكرانيا بحيث تبلغ حصتها حوالي 350 الف طن. واليوم مع انفجار الحرب هناك والنقص الحاصل في الاحتياط من القمح في لبنان أكان بسبب تهدّم الإهراءات أم بسبب نقص التمويل بات الرغيف في خطر محتّم.
يقوم التجار بالبحث عن مصادر أُخرى لتعويض النقص الحاصل وسرت انباء عن إمكانية الاستيراد من الهند ولكن القمح الهندي ليس بجودة القمح الأوكراني وقد تعرقل عملية المواصفات المطلوبة شحنات القمح هذه. أما الاستيراد من كندا والولايات المتحدة وأستراليا فهو ممكن طبعاً لكن مشكلة الارتفاع الجنوني في أسعار النفط ستجعل التكلفة أعلى بكثير من تكلفة القمح الأوكراني والروسي.
والقمح ليس السلعة الوحيدة التي ستتعرض لخطر الشّح والغلاء بل مواد عذائية عديدة كالزيت والبذور والخشب والحديد وكل هذه السلة التي كان يتم استيرادها من أوكرانيا باتت مفقودة الآن وسترتفع أسعارها حتماً.
في ظل الحرب في أوكرانيا لجأت عدة دول إلى فرض حظر على تصدير عدة انواع من المواد الغذائية وأولها القمح طبعاً. ورغم التطمينات بأن هناك احتياط في لبنان يكفي لحوالي شهر ونصف تبقى الأزمة مفتوحة على عدة احتمالات فالاتفاقات الجديدة تحتاج إلى الوقت وكذلك تمويل إضافي سينعكس زيادة في أسعار الرغيف هذا طبعاً بالإضافة إلى الزيادة التي سيفرضها ارتفاع سعر النفط والغاز.
لقد بات أمننا الغذائي في خطر حقيقي وهذا يستوجب منّا إعلان حالة طوارئ قصوى والعودة إلى الارض واستخدامها على أوسع نطاق، فلا أحد يستطيع ان يتنبأ بمستقبل الحرب في اوكرانيا ولا بتداعياتها وما قد ينتج منها من وقائع او قواعد جديدة، ومما لا شك فيه انّ تأثيراتها مترامية على مستوى العالم وصولاً الى منطقتنا، ولا نستطيع ان نعتبر أنفسنا معزولين عن تلك التداعيات، رغم التطمينات التي تبديها بعض المستويات الرسمية والاقتصادية الّا انّها في نظرنا أقرب الى إبر مخّدرة لا أكثر. فالوضع مخيف لا بل مرعب، حيث لن يطول الوقت وستفقد الإبرة المخدّرة مفعولها، بعد الانتخابات مباشرة "اذا جرت" وسنعود الى الاصطدام بواقع لبناني ضعيف جداً، عاجز عن تلبية أساسيات حياته وتأمين رغيف خبز.
فلذلك، الزراعة باتت واجباً وطنياً وضرورة لتأمين لقمة العيش وقد يكون المثل القائل "فلاح مكفي سلطان مخفي" هو أفضل شعار لهذه المرحلة الصعبة في الأيام القادمة على لبنان.
نعم فالنبذل جهداً إضافياً ومن يستطيع فاليزرع كل ما أمكن وحيث ما أمكن وكذلك الاهتام بتربية الدواجن والماشية والنحل وغير ذلك فبقليل من الجهد نستطيع الاستمرار بانتظار أن يعي حكامنا حجم الكارثة والمآساة التي يعيشها الشعب ويتوقفوا عن أنانيتهم وغاياتهم الرخيصة وينتبهوا لمعالجة مشاكل الناس الحياتية قبل ان يُتحفوننا بمواقفهم البطولية في الحفاظ على القانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة العرجاء وقرارات الشرعية الدولية وتحرير شعوب العالم.
لبنان على حافة الخطر من جديد والانتظار قد يجلب كارثة حقيقية تُطيح بما تبقّى من أمن اجتماعي وغذائي للمواطنين.
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.