#الثائر
كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
ما كان يدور من همس في الأروقة السياسية حول احتمال امتناع الرئيس تمام سلام عن خوض الانتخابات النيابية المقبلة تحوّل حقيقة معلنة مع إعلانه رسمياً امس عدم الترشح الى الانتخابات.. فما هي الدوافع الحقيقية لـ»اعتزاله» النيابة والذي سيساهم في خلطٍ اكبر للأوراق في بيروت؟
يأتي قرار سلام عشيّة حسم الرئيس سعد الحريري خياره بخوض الانتخابات من عدمه، علماً ان الحريري كان قد استفسر من سلام قبل نحو شهرين حول دقة ما تناهى الى مسامعه في صدد عزمه على العزوف، فأكد له صحة الأمر موضحاً انه يشعر بأن الوقت حان ليرتاح ويُخلي الساحة النيابية لخيارات جديدة.
وفي انتظار اتضاح وجهة الحريري، فالاكيد انّ خروج سلام الطوعي من المجلس النيابي يحمل اكثر من دلالة سياسية ورمزية خصوصا ان رئيس الحكومة الأسبق يمثّل احد البيوتات السياسية العريقة في التاريخ اللبناني عموما والبيروتي خصوصا، وبالتالي يدفع انكفاؤه الى طرح تساؤلات حول طبيعة البدائل المحتملة وما يمكن أن يؤول اليه مخاض العاصمة على مسافة أشهر قليلة من موعد الاستحقاق الانتخابي.
ويقول سلام لـ»الجمهورية» انه اتخذ الموقف المنسجم مع قناعاته والذي يحاكي توق الناس الى تغيير كبير وجدي، لافتاً الى ان شعار «كلن يعني كلن» ولو كان ليس دقيقا بالكامل الا انه يعكس حجم الغضب الشعبي والحاجة الى إنتاج طبقة سياسية جديدة تكون قادرة على مواكبة طموحات الشباب.
ويضيف سلام: لقد أصبح عمري 77 سنة والطاقة التي كنت املكها قبل عشر سنوات لم تعد هي ذاتها الآن، فإلى متى سأظل اطلب من الناس ان ينتخبوني؟ اظن ان الوقت حان حتى اجلس جانبا وأترك فرصة ودورا للشباب ولأصحاب الطاقات، وانا مقتنع بأنه كما دخلت المعترك السياسي بحماسة يجب أن أعرف متى أنسحب بهدوء، وفي رأيي هذا هو التوقيت المناسب.
ويعتبر سلام ان المجتمع البيروتي قادر على فرز بدائل مناسبة «وهناك كثر لديهم كفايات وقدرات الا انهم يحتاجون الى فرصة لتظهيرها».
ولكن أليست لديك خشية من ان تملأ اتجاهات متطرفة او متمكنة مادياً الفراغ على حساب أصحاب الافكار والمشاريع الإصلاحية؟
يلفت سلام الى ان كل قرار يمكن أن ينطوي على جزء من المخاطرة، «وفي النهاية لا ينبغي أن تكبلنا فرضيات مسبقة قد لا تصح، بل يجب أن نركن الى دينامية التغيير وارادة المواطنين من دون احكام مسبقة».
ولدى سؤاله: هل قرارك بالامتناع عن الترشح مرتبط بتحسّبك لاحتمال خسارة الانتخابات في العاصمة؟
ينفي سلام كلياً ان يكون موقفه نابعا من حسابات الربح والخسارة، مشددا على أنه ارتكز فقط على قناعة مبدئية بأن كل مَن أمضى ما بين 30 و40 سنة في تحمّل مسؤولية رسمية ضمن موقع نيابي او وزاري او اي منصب رسمي آخر، عليه ان يرتاح ويخلي الساحة لغيره «وبصراحة اكثر، عليه ان يراعي نبض الشعب الغاضب ويخفف ثقل دمه بعض الشيء، إذ نحن أعطينا كل ما لدينا ولم تعد عندنا إضافة نوعية».
ويوضح انه تشاور في قرار العزوف مع زوجته التي «تفهّمتني ودعمتني كما تفعل دائماً» ومع بعض الأصدقاء الذين «عارضوني لكنني تمسّكت برأيي».
وما هي نصيحتك للرئيس سعد الحريري؟
يشير سلام الى ان الحريري أدرى بما يجب أن يفعله انطلاقا من الوقائع التي يملكها والظروف المحيطة به، «الا ان امتناعه عن الترشح، في حال حصوله، سيكون مؤثّرا وسيترك فراغا كبيرا، إذ وعلى رغم ما مرّ به في مسيرته، لا يزال الأكثر تمثيلا في الوسط السني، ربما ليس بالحجم الذي كان عليه سابقا، لكن من الواضح انه يبقى الأقوى في طائفته».
ولدى سؤاله: هل عزوفك عن خوض الانتخابات يمهّد لخروجك بالكامل من الحياة السياسية والشأن العام؟
يجيب سلام: انا باق في مدينتي ومعها وبيتي كان وسيظل مفتوحا، ذلك أن مسؤولياتي ليست محصورة في موقع نيابي او رسمي، وانا لن ألغي نفسي سياسيا وسأتخذ المواقف المناسبة عند الحاجة والضرورة.
ويشدد سلام على انه يرفض بشدة التوريث السياسي «ولن يكون لي وريث كما حصل في بيوتات أخرى، وحتى عندما خضت معترك الشأن العام، كنت حريصا على أن اصنع تجربتي الخاصة وهويتي الشخصية وان أطورهما، من غير الاتكال على مكانة الوالد ورصيده المعروفين».
وكان سلام قد اصدر امس بيانا أشار فيه الى عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة «افساحاً في المجال أمام تغيير جدّي، من خلال إتاحة الفرصة لدم جديد، وفكر شاب ونظيف، يطمح إلى أهداف وطنية صافية ونقية، واحتراماً لمطالب الشعب الثائر والساعي إلى التغيير، والذي يستحق أن يُعطى فرصة ليتابع سيرة بناء الوطن بأفكار وأساليب وممارسات جديدة وطموحة».
واكد انه سيبقى في قلب مدينته بيروت، وسيساهم في كل ما يؤدي إلى إعادة بناء الوطن، انطلاقاً من وثيقة الوفاق الوطني، اتفاق الطائف والدستور اللبناني.
بدوره، كتب ثائر عباس في صحيفة الشرق الأوسط:
يعيد التاريخ نفسه مع عائلة سلام البيروتية العريقة، بإعلان رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام عزوفه عن الترشح للانتخابات البرلمانية المرتقبة الربيع المقبل، بعد موقف مماثل لوالده رئيس الحكومة الأسبق صائب سلام الذي أعلن في عام 1975 أنه «طلق بالثلاثة» المناصب السياسية في لبنان، وهو على أعتاب السبعين.
يقول الرئيس تمام سلام لـ«الشرق الأوسط» إن والده الراحل قال له يوماً: «في الحياة السياسية، من المهم أن يعرف الرجل السياسي متى يخرج، وهذا من أهم قرارات الإنسان الذي يريد العمل في الحقل العام».
عرف الرئيس الراحل أن القرار قد حان، عند أعتاب الحرب الأهلية اللبنانية، وعرف نجله أن الموعد قد حان بعد الحراك الشعبي الذي هز لبنان في نهاية عام 2019، وما تلاه من تداعيات مالية واقتصادية وسياسية على لبنان. يقول تمام سلام: «حان الوقت لأن يملأ الشباب البيروتي الفراغ الذي سنتركه، ويتركه غيرنا. فاللبنانيون يبحثون عن التجديد، وأنا ألعب دوري في إفساح الطريق لهم، لعل الجيل الجديد يتعلم من أخطاء جيلنا، ويساهم في إنقاذ لبنان، المتعب والمنهك جراء أطماع الآخرين بقراره وبموقعه». لكن سلام يشدد على أنه يترك المقعد، ولا يترك الساحة «فبيتي سيبقى مفتوحاً، وسأبقى أتابع قضايا وطني ومدينتي التي شرفتني بتمثيلها، عندما انتخبتني منفرداً في عام 1996». ويضيف: «أنا جاهز للمساعدة وتقديم المشورة، لكن لا بد من أن يكون للجيل الجديد بصمته، وهو ما أراهن عليه، رغم السواد الحالك في مستقبل لبنان».
قرار العزوف متخذ منذ فترة ليست بالقصيرة، لكن إعلانه بالأمس أتى متزامناً مع عودة رئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري إلى لبنان، ربما رغبة من سلام بعدم إحراج الحريري الذي كان حليفه في انتخابات بيروت السابقة، وشريكه في نادي رؤساء الحكومات السابقين، فالحريري عاد إلى بيروت وسط ترقبات بقرارات صعبة تخص الانتخابات، سيكون من بينها عدم ترشحه شخصياً… وقد يكون هناك ما هو أبعد من ذلك.
وكان الرئيس سلام أصدر أمس بياناً مقتضباً برر فيه عزوفه، وربطه بـ«ما وصلت إليه الأوضاع في البلاد من ترد وانهيار، وإفساحاً في المجال أمام تغيير جدي، من خلال إتاحة الفرصة لدم جديد، وفكر شاب ونظيف، يطمح إلى أهداف وطنية صافية ونقية، واحتراماً لمطالب الشعب الثائر والساعي إلى التغيير، الذي يستحق أن يعطى فرصة ليتابع مسيرة بناء الوطن بأفكار وأساليب وممارسات جديدة وطموحة».
وقال: «أعلن عزوفي عن الترشيح للانتخابات النيابية، وبقائي في قلب مدينتي بيروت مع أهلها الطيبين، والمساهمة في كل ما يؤدي إلى إعادة بناء الوطن، انطلاقاً من وثيقة الوفاق الوطني اتفاق الطائف والدستور اللبناني… وضمانة السيادة والاستقلال».
وتمام سلام شغل منصب رئيس الحكومة بين عامين 2014 و2016، في فترة صعبة من تاريخ لبنان الحديث. تشكلت حكومته في فبراير (شباط) 2014 لقيادة البلاد حتى الانتخابات الرئاسية في مايو (أيار) 2014، لكنها بقيت حتى نهاية عام 2016 بعد أن تم تعطيل الانتخابات الرئاسية نتيجة ضغوط «حزب الله» وحلفائه لضمان وصول الرئيس ميشال عون.
والده الراحل، المعروف بـ«قرنفلة لبنان» لم يسلمه المنصب وراثة، فهو غادر لبنان والحياة السياسية في عام 1984، رافضاً تولي رئاسة الحكومة في عهد الرئيس أمين الجميل بعد أن شكل ست حكومات في أربعة عهود مختلفة، وشغل مقعد نائب بيروت عشر دورات انتخابية. يقول تمام سلام: «أنا لم أرث المقعد ولا رئاسة الحكومة عن والدي رحمه الله، بل اقتحمت الحياة السياسية منفرداً، ورفضت في عام 1990 أن يتم تعييني نائباً، مع من تم تعيينهم آنذاك لملء شواغر البرلمان بعد اتفاق الطائف الذي أنهى حرباً أهلية طويلة». الأمر نفسه سينعكس على نجل الرئيس تمام، صائب الذي يزاول عمله خارج لبنان، ولا يفكر بخوض غمار السياسة كما يؤكد الرئيس سلام «ففي بيروت والعائلة الكثير من الكفاءات، وأنا لست في وارد توريث ابني العمل السياسي، وهو ليس في وارد خوض غمارها، لأن اللعبة السياسية الحالية لا تشبهه كما لا تشبهني».