#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي " ==خاص"الثائر===
نهج واضح اتّبعه الفريق الذي اعتبر نفسه منتصرًا في الحرب الأهليّة وقبض على زمام الأمور بقوّة المحتلّ السوري طوال خمس عشرة سنة من بعد اتّفاق الطائف. وكانت النتيجة أكثر من ثلاثين مليار دولار دين لإعادة الإعمار، وسياسة خارجيّة وضعت لبنان الدّولة في الحاضنة البعثيّة طوال هذه السنين. وبعد الانسحاب السوري في العام 2005 تنتقلت الخلافة إلى الوصيّ الايراني، أي حزب الله، ليكرّس على مرّ الخمس عشرة سنة التي تلت احتلال جديدًا ولكنّه استخدم الطرق الدّستوريّة بعدما تعلّم من فشل التجربة السوريّة.
بادئ ذي بدء دخل اللعبة السياسيّة تحت ذريعة الديمقراطيّة التوافقيّة مقنعًا بالترهيب المقنّع باستيعاب سلاحه وقدرة القوّة التي وفّرها له بهذه الذريعة الدستوريّة. فنجح بقلب الديمقراطيّة التوافقيّة إلى ديمقراطيّة تعطيليّة. وليكرّس قدرة التعطيل لديه فرض تسوية الدّوحة بقوّة سلاحه في ذلك السابع من أيّار المشؤوم، فكرّس بدعة الثلث المعطّل تحت تسميات واهية. وهذا ما أنتج ما مجموعه أكثر من ثلاث سنوات من التعطيل شلّ فيها البلاد والعباد مع حليفه التيار الوطني الحرّ لتحقيق أجنداته الخاصّة. فاستفاد هذا الأخير لينقضّ على رئاسة الجمهوريّة التي اعتبرها الغنيمة الكبرى فضلاً عن التعيينات التي حصدها في الدّولة.
وبعد الصمود الذي وُوجِهَ به، وبعد تبدّل موازين القوى الإقليميّة ليحافظ على قدرته التعطيليّة انتقل ليأسر جدول أعمال مجلس الوزراء من خلال اشتراطه ليجلس على طاولة هذا المجلس بأن يضع هو بنفسه جدول الأعمال المراد مناقشته. بمعنى آخر، إمّا أن تسير عجلة الدّولة وفقًا لأجندته وحليفه وإمّا ألا تسير بالمطلق. وهذا ما يعني عمليًّا بأنّ الثنائي الشيعي هو الوجه الحقيقي للإحتلال الإيراني في لبنان. وبالطبع عندما نقول ذلك لا نعني المكوّن الحضاري الشيعي الذي نعتبره عمادًا من أعمدة الكيانيّة اللبنانيّة التي قامت على وحدة جبل عامل وجبل لبنان ومدن الساحل.
وكي لا يفسَّرَ كلامنا خطأ، لا نقصد هنا بأنّنا نريد استثناء هذا المكوّن الحضاري أو عزله سياسيًّا؛ بل المطلوب هنا عودته إلى صلب التكوين الدستوري للدّولة اللبنانيّة التي وعلى ما يبدو أنّه أعلن عدم إيمانه بوجودها يوم أعلن بأنّه جنديّ في ولاية الفقيه، ويوم أعلن قبله حليفه بأنّه جنديّ صغير في جيش حافظ الأسد. وهنا لبّ الإشكاليّة التي نعاني منها اليوم. وتكمن في قضيّة عدم إيمان هذا القسم الكبير من اللبنانيّين بجوهر الهويّة والوطن اللبنانيّين. وليبرّر لنفسه ابتدع الحليف نظريّة المشرقيّة وحلف الأقليّات وهدم آخر صروح الدّولة اللبنانيّة بحجّة استعادة حقوق المسيحيين.
لا يجوز بعد اليوم أن يبقى روّاد هذا النهج التدميري بلا محاسبة. فلأنّ هذه المحاسبة لم تتمّ منذ العام 1989 بالشكل الصحيح، عاد الخطّ نفسه وكرّر الطريقة نفسها للإستيلاء على مفاصل الدّولة. واغتنمها فرصة وجود السلاح غير الشرعي الذي تبادل الخدمات معه على قاعدة تغطية سلاحه هذا ليحقّق أجندته الإقليميّة مقابل تحقيقه لغزوته للدّولة اللبنانيّة. اليوم إن لم يُحااسَب هذا النهج بالطريقة الصحيحة فهو ماضٍ قدُمًا قضمًا لما تبقّى من الدّولة. وإن لم يستفق اللبنانيّون من كبوتهم هذه، ويمارسوا التصويت العقابي لكلّ الذين أوصلوا البلد إلى ما وصل إليه فسندخل من جديد بنفق غير دستوريّ قد ينتهي بتكريس دستوريّ لنهج التعطيل بصيغة دستوريّة جديدة. وعندها لن تنفع الحسابات الشخصيّة لبعض من يحاول التسلّق على سلالم السلطة على خلفيّات ثورويّة محقّة في الظاهر؛ لكنّها لن تصل إلى أيّ مكان إلا أنّها ستسهّل حتمًا عودة هذا النهج من الباب الدّستوري الانتخابي العريض.
بناءً عليه، المحاسبة مطلوبة اليوم أكثر من ذي قبل كي لا يتكرّر الخطأ نفسه ونعود فننتظر أكثر من خمس عشرة سنة جديدة لتلقّف أيّ فرصة قد لا تأتي أبدًا. التكاتف مطلوب في خطّ سياديّ – كيانيّ واضح الرؤية. ويجب الابتعاد عن الرّؤى الشخصيّة والحسابات الانتخابيّة الفرديّة التي لن تنجح بتأمين الحواصل المطلوبة، لا بل ستضعف الحاصل السيادي خدمة لحواصل هذا النهج. وإن نجحت في بعض الدّوائر فلن تكون ذا تأثير فعّال بل سيكون تأثيرها محدودًا، وإن أرادت لنفسها أيّ دور فهي لن تجده خارج التكتّل السياديّ المطلق.
فيا أيّها اللبنانيّون، استفيقوا "وأوعا تنتخبوهن هنّي ذاتن"، ولا تسهّلوا وصولهم " هنّي ذاتن." ماذا وإلا ستدفعون بالوطن إلى الزوال وعندها لن ينفع البكاء وصريف الأسنان.
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.