#الثائر
على أنغام الميلاد وترانيم العيد، الممزوجة بآلام الفقراء ودموع اللبنانيين، خاصة أولئك الذين حلموا بأن الجنرال العائد من باريس، سيُعيد لبنانهم إلى سابق مجده، وارتسمت في مخيّلتهم صورة البطل المنقذ، فساروا في مواكب "هللويا" منذ أن وطأت أقدامه أرض مطار بيروت، وواكبوه حتى وصل بعد سنوات إلى سدة الرئاسة في قصر بعبدا.
ستة عشر عاماً على عودة الجنرال واستلامه من جديد زمام قيادة المسيحيين، وبعد خمس سنوات في نعيم القصر، أطلّ فخامته في وداع العام الأخير من عهده، بخطاب اعتقد البعض أنه سيزلزل الأرض تحت أقدام الفاسدين والمعطّلين في لبنان، ليتفاجأوا بأنه يتلوا عليهم محاضرة في العفة، ويغسل يديه من دم شعب بات يُجلد كل يوم بلقمة عيشه، ويُذل برغيف الخبز، وكرتونة إعاشة وبرميل مازوت.
نأى فخامته بنفسه عن أحبار السلطة والفساد، وكأنّه لم يُمضِ خمس سنوات في القصر المرصود، الذي حلم بالعودة إليه طيلة سنوات، وعطّل مع حلفائه البلاد سنتين حتى دخله كفاتحٍ لبلاد الأندلس.
شكا الرئيس إلى الشعب فلمن يشكو الشعب يا فخامة الرئيس ؟؟؟؟
قال الرئيس أنه لا يملك صلاحيات !!!
إذن من حكم البلاد منذ خمس سنوات، وعقد صفقة مع سعد الحريري وحزب الله وقوى الثامن من آذار؟؟؟
من شكّل حكومة حسان دياب، ومن يتحمل مسؤولية فشلها؟
من منع الحريري من تشكيل الحكومة التي يريد؟ ومن عقد الاتفاق مع ميقاتي؟ من أقسم يمين الحفاظ على الدستور؟ ومن يُصدر المراسيم والقوانين؟ ومن يستطيع حل المجلس النيابي ورد القوانين؟ ومن يملك أكبر كتلة نيابية وحصة الأسد في الحكومة؟ ومن قال: "كرمال عيون صهر الجنرال بلا ما تتشكل الحكومة"؟؟؟
وهل يجوز بعد كل ذلك التنصّل من المسؤولية، والتبروء من أحبار السلطة والفساد؟
لم ينسَ فخامته تذكير اللبنانيين ب لازمة "الجيش والشعب والمقاومة" وأرفقها بدعوته الخجولة إلى دور للدولة والجيش في حماية الوطن، ودعوة للحوار مع الذين يعتبرهم مسؤولين عن الفساد. وماذا سينتج حوار الفاسدين؟؟؟ أمّا عن الحوار مع الثوار، فهذا يُدمي القلب فعلاً، لأنه كما يبدو وبعد كل الذي حصل ما زال الرئيس لا يعرف مطالب شعبه، ولا سبب أوجاعهم ومآسيهم ومصادر شكواهم، وما زال ينتظر قدومهم ليلاقيهم على أدراج القصر، ليرفعوا إليه طلباتهم وينظر بها، بل ربما ينتظرهم ليهتفوا باسمه المُعظّم، أو ربما يريد أن يسمع شعارات السنوات الماضية "عون راجع" عفواً "عون باقٍ في القصر" ليردّ عليهم "يا شعب لبنان العظيم".
أما رئيس حكومته النجيب، الذي أراد أن يلاقيه في رقصة وداع عام البحبوحة والرخاء، فهو توافق معه على الدعوة لطاولة حوار، وجاراه في الشكوى من التعطيل، وعدم تسمية المعطلين. لكن فارق الطول بينهما يبدو أنه افسد رقصة التانغو، وجعلها أشبه بقفز فوق الحبال في سرك السياسة اللبنانية، التي تدور حبالها حول محور المذهبية، والميثاقية والمصالح، والاتفاق على ديمقراطية حق التعطيل المتبادل.
لم ينسَ رئيس الحكومة تذكيرنا باسم حكومته المعطّلة منذ ولادتها، بأنها حكومة "معاً للإنقاذ"، وأغدق الوعود على اللبنانيين، رغم أنه لم يبقَ من عمر حكومته سوى أشهر قليلة. واستخدم دولته عبقريته العسكرية، عندما سُئل عن حاكم المركزي فقال: "نحن في وضع صعب، ولا يمكن في الوضع الصعب أن أغيّر الضابط" .
ربما يجب تذكير دولته بقائد معركة ستالينغراد الجنرال فردريش باولوس.
بعد عيد الميلاد عام ١٩٤٢ تراجعت الحصة الغذائية للجندي الألماني في الجيش السادس المحاصر داخل ستالينغراد، إلى أقل من ٥٠ غراماً يومياً، ورفض هتلر تبديل القائد، وأغدق عليه الوعود، وتمت ترقيته إلى رتبة جنرال الجيش، لكن هذا الضابط الذي كان من أهم الذين خططوا لغزو الاتحاد السوفياتي، استسلم في نهاية كانون الثاني عام١٩٤٣ مع ٩٠ الف من جنوده، وخلال عملية الاستسلام وقف القادة السوفيات مذهولين من باولوس وطلبوا إليه تقديم وثائقه العسكرية، وخسرت المانيا ما يقارب من ٣٠٠ الف من خيرة جنودها في معركة ستالينغراد، بسبب عناد هتلر وفشل ضابطه المُفضّل، لتشكّل تلك المعركة بداية اندحار القوات النازية، وصولاً إلى سقوط ألمانيا بعد أقل من عامين.
فكم سيصمد لبنان وجنرال ميقاتي في معركة الليرة والدولار بعد ؟؟؟
- رئيس التحرير