#الثائر
- " أكرم كمال سريوي "
يكاد ينتهي العام الأول من ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن دون أي إنجاز يُذكر، حتى باتت الصحافة الأمريكية تتهمه بالعجز وتطبيع سياسة سلفه دونالد ترامب دون أي تغيير إيجابي، لا على الصعيد الداخلي ولا في السياسة الخارجية. وبالرغم من أن التفاوض مع طالبان على الخروج الأمريكي من أفغانستان بدأ في عهد الرئيس ترامب، لكن الصورة التي تم فيها الانسحاب جعلت الرئيس بايدن يبدو كرئيس ضعيف غير مؤهّل لقيادة الإمبراطورية التي تحكم العالم منذ سنوات .
يتعرض الرئيس بايدن لهجوم عنيف من الجمهوريين، فيما يعتكف قسم كبير من القيادات الديمقراطية ويمتنعون عن الدفاع عنه، أما رئيس دبلوماسيته الخارجية انتوني بلينكن الذي يمثّل اتجاهاً عسكرياً، فهو السياسي اليهودي الذي يؤيد التدخل والوجود العسكري الأمريكي في عدة مناطق في العالم، من سوريا إلى ليبيا إلى أوروبا وهو بذلك يختلف مع رئيسه بايدن الراغب في الانسحاب من عدة مناطق في العالم، لكنه فشل على ما يبدو في تجاوز الأزمة مع السعودية التي رفضت استقباله مؤخراً.
«تركُ الأصدقاءِ والحلفاء وزيادة الخصومة مع الأخصام» بات شعاراً يُميّز عهد الرئيس بايدن، وكما قال وزير خارجية فرنسا: هناك تواصل فرنسي أمريكي، لكن أزمة صفقة الغواصات مع استراليا لم تُحَل، ولقد بات واضحاً أنها ستترك تداعيات سلبية على العلاقات الأمريكية الأوروبية ، إضافةً إلى أزمة الغاز المتفاقمة عالمياً، وتداعيات بدء العمل بأنبوب السيل الشمالي الروسي 2 .
أميركا وإسرائيل
بعد فوز بايدن، واجهت إسرائيل واللوبي الصهيوني الداعم لها مشكلة، حيث كان نتنياهو يعمل بكل ثقله لصالح صديقه، خصم بايدن الرئيس السابق دونالد ترامب، وهذا حتّم إحداث تغيير في الحكومة الإسرائيلية، فتم جمع ائتلاف هجين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، واتفاق على تقاسم رئاسة الحكومة بين اليميني المتطرف نفتالي بينيت، واليساري يائير لابيد، على قاعدة التسويات العائلية والعشائرية، التي تتم في بعض قرى لبنان لتقاسم المخترة أو رئاسة البلدية.
تم الإتيان بوزراء لا يجمعهم سوى العداء لبنيامين نتنياهو، وهم من خارج نادي المؤسسة العسكرية التي عسكرت المجتمع الإسرائيلي وأحكمت قبضتها على السلطة منذ نشأة الكيان الصهيوني وحتى اليوم، ولذلك تسعى هذه الحكومة إلى التركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وتنأى بنفسها عن القضايا السياسية الأساسية التي قد تُفجّر الحكومة المنسوجة بخيوط العنكبوت الواهنة، فهي اليوم كمَن يسير على حبل مشدود، وقد تتعرض للسقوط في أي لحظة.
العديد من المواطنين الأمريكيين يتساءلون اليوم، لماذا علينا أن ندفع سنوياً 4 مليارات دولار مساعدات لإسرائيل؟ هذا فضلاً عن الدعم العسكري؟ وماذا تُقدم إسرائيل إلى الأمريكيين في المقابل سوى المزيد من العداء العربي، والانتقادات الدولية، لدعم الولايات المتحدة لسياسات إسرائيل العنصرية وانتهاكاتها المكشوفة لحقوق الانسان؟ وهذا تحوّل جديد في الشارع الأمريكي، أحدثه تطور وسائل الاتصال والإعلام، التي خرجت عن سيطرة المنظّمات الصهيونية ولو نسبياً،
وباتت تضغط على الإدارة الأمريكية.
الملف النووي الإيراني
من المؤكد أن إيران أصبحت قادرة من الناحية التقنية على صنع قنبلة نووية، لكن القيادة في طهران تعلم جيداً أن إنتاج سلاح نووي لن يُنقذ الاقتصاد الإيراني المتداعي، ولن يجلب سوى المزيد من العقوبات الدولية، وهذا سيكون له أضرار كبيرة لا يمكن أن تتحملها إيران، ثم أن السلاح النووي لن يحوّل إيران إلى قوة عظمى كما يعتقد البعض، ولن يزيد دورها في العالم، ولا يُشكّل تهديداً سوى لبعض حلفاء أمريكا التي يمكن أن تصل إليهم الصواريخ الإيرانية .
والأهم من كل ذلك أن إيران ستعجز عن ابتزاز دول العالم بالسلاح النووي كما تفعل الآن، باستخدام ورقة الضغط هذه في مفاوضاتها في فيّنا مع أميركا وأوروبا، وهي تشترط الآن أن يُفرج الغرب عن مبلغ 10 مليارات دولار للعودة إلى تطبيق الاتفاق النووي.
وعد بايدن قُبيل انتخابه بالعودة إلى الاتفاق مع طهران، لكنه الآن يجد نفسه مكبّلاً بين المطرقة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني الرافض لفكرة الاتفاق، وسندان أخصامه الجمهوريين الذين يتهمونه بالضعف والتخاذل والتراجع في مختلف القضايا الدولية . ولهذا السبب ووفق تعبير وزير خارجية أميركا، فإن الظروف تغيّرت، وتحتاج الولايات المتحدة إلى إدخال تعديلات على الاتفاق النووي، لحفظ ماء وجه الرئيس .
سوريا حجر الزاوية
يستعجل فلادمير بوتين إعلان إنتهاء الحرب في سوريا، ويريد خروجاً سريعاً للقوات الأمريكية والتركية والإيرانية وحزب الله اللبناني، فالنصر في سوريا لن يصبح كاملاً دون ذلك. ولهذا السبب غازل وزير خارجيته لافروف إسرائيل، عندما أعلن : أن روسيا ملتزمة بأمن إسرائيل، بمعنى أنها لن تسمح بفتح جبهة الجولان أمام عناصر المقاومة .
إسرائيل التي تُنفّذ ضربات جوية في سوريا بين الحين والآخر، هي تعلم جيداً أن هذا القصف لا قيمة له من ناحية إلحاق الهزيمة بالعدو، بل هو فقط بمثابة رسائل تذكير بضرورة التزام الجميع بأمن إسرائيل، وعدم تجاوز قواعد اللعبة، ويبدو أن الاتفاق ما زال سارياً ولا نرى أي رد عسكري من جانب سوريا وحلفائها على هذا القصف، وهم يكتفون بالردود الإعلامية.
لكن الأمريكيين والأتراك وحتى الإيرانيين لا يستعجلون الحل في سوريا، لأنه سيأتي الآن في صالح روسيا بالدرجة الأولى، فإيران والولايات المتحدة ترغبان بحل الملف النووي أولاً قبل انسحابهما من سوريا، أما تركيا فهي تريد مقايضة أدلب بملفات أُخرى، وضمان دورها في تقاسم الثروات النفطيةفي المنطقة، والعلاقات مع أوروبا، أما دول الخليج العربي فهم يرغبون بضمانات أمنية، وتقليص الدور الإيراني قبل البدء بإعادة إعمار سوريا.
انتقد بلينكن صراحة السياسة الأمريكية السابقة في سوريا، وهو يؤيد دوراً عسكرياً أكثر فعالية، لكن بايدن غير مهتم بسوريا بقدر اهتمامه بمواضيع أُخرى ؛ كحماية الاقتصاد الأمريكي، ومواجهة الخطر الصيني، وفي هذين الملفين يبدو بايدن عاجزاً عن تحقيق إنجاز عظيم يُلمّع به صورته في عيون الأمريكيين.
إنعكس هذا التراجع الأمريكي جموداً في ملفات المنطقة، فالملف الفلسطيني وُضع حالياً على الرف، والملف العراقي تتم مقاربته من باب ترتيب وتخفيض الوجود العسكري الأمريكي فقط، ولقد انعكست البرودة الأمريكية والإندفاعة الإيرانية الزائدة للسيطرة على العراق، برد فعل الشارع العراقي، الذي انتفض في وجه التدخل الإيراني، فمُني حلفاؤها بهزيمة في الانتخابات النيابية الأخيرة ، أما الملفات الباقية من اليمن إلى لبنان وليبيا والسودان، فهي تراوح مكانها منذ بداية ولاية جو بايدن، ويبدو أنها مستمرة بذلك لوقت طويل دون حدوث اختراقات تُذكر .