#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي " === خاص ===
قرّرت هذه المنظومة المتغطرسة سلخ المغتربين نهائيًّا عن الوطن الأم، بعدما صدر القرار من مطابخها الصفراء بحرمانهم من المشاركة في الانتخابات النيابيّة المقبلة، أو بالحدّ الأقصى حصر مشاركتهم بالمقاعد الستّة التي أقرّها لهم القانون، فيما المطلوب تعليق العمل بالمادة 122 التي تتحدّث عن إضافة 6 مقاعد لغير المقيمين، والعودة إلى القانون بصيغته التي اعتُمدت في العام 2018 من خلال السماح للمغتربين بالاقتراع لمصلحة المرشحين في دوائرهم الانتخابية حيث مكان قيدهم في لبنان. فهل يملك المنتشرون القدرة الإنتخابيّة لقلب موازين القوى في الحياة السياسيّة القادمة؟
المطلوب تحرير الصوت اللبناني أينما وجد. وهذا المطلب هو أقصى طموح اللبنانيّين الأحرار كلّهم. ولقد أوجد المشرّع مسألة ال mega center لهذه الغاية في لبنان، لكن القوى السياسيّة المتحكّمة التي خافت من تطبيق هذه المسألة، عمِلَت على تعطيلها بحجج واهية لعلّ أبرزها القدرات اللوجستيّة، وهي بالطبع غير مقبولة. لذلك المطلوب في لبنان استحداث مراكز التصويت الضخمة التي أشار إليها القانون والتي تسمح للناخب بالتصويت في المكان الأقرب إلى سكنه لتجنيبه مغبّة الوصول إلى مكان قيده. لأنّه في هذه الحالة تكون بعض القوى السياسيّة قد ضربت أطواقًا حديديّة في أماكن القيود لتسيطر على أصوات ناخبيها وتمنعهم من التفلّت من تحت مظلّتها.
هذا في لبنان، أمّا في الإنتشار فهذه المسألة مطبَّقة عمليًّا على الأرض لاتّساع بلاد الانتشار من ناحية كبر مساحة معظم البلدان، ولعدم قدرة السفارة اللبنانيّة على استحداث مراكز قنصليّات لها في كلّ البلاد. وفي الإنتشار لا قدرة لأحزاب المنظومة والمنظّمة ممارسة الرهاب التصويتي على ناخبيها فيتحرّر بذلك الناخب من ترهيب قوى الأمر الواقع التي تأخذ من السلاح ذريعة لتحرير الأرض والدّفاع عنها في لبنان فتستخدمه لترهيب أهلها وناسها ومَن يدور في فلكهم. إضافة إلى قدرتها في لبنان باستعمال الرشاوى غير المباشرة كما حصل في مسألة توزيع المازوت الإيراني.
هذه الذرائع كلّها تغيب في بلدان الإنتشار بشكل شبه كامل. يبقى أنّه على اللبنانيّين المنتشرين في الأصقاع الأربعة تسجيل قيودهم في السفارات اللبنانيّة لتمكينهم قانونًا من المشاركة في الانتخابات القادمة. وهنا تقع مسؤوليّة على وزارة الخارجيّة اللبنانيّة في حكومة الرئيس ميقاتي في حال لم تؤمّن للمغتربين هذه المسألة، أقلّ ما سيُقالُ عنها أنّها متواطئة مع المنظومة والمنظّمة في لبنان لتقمع المنتشرين اللبنانيّين، للحدّ من تأثيرهم في مجريات العمليّة الانتخابيّة. وهذا ما سيستجلب قيودًا دوليّة جديدة على هذه الحكومة من بوّابة جديدة كانت بغنى عنها.
هذا عدا الدّور الذي يجب أن يلعبه المنتشرون في بلدان انتشارهم بالضغط على حكومات بلادهم كي تدفع قُدُمًا الحكومة اللبنانيّة لإقرار كلّ ما يلزم للسماح لهم بالمشاركة في الانتخابات النيابيّة. وذلك لا يتمّ إلا عبر القنوات الديبلوماسيّة، فضلا عن قدرة بعض الدّول بأن تؤثّر في سير بعض الاتّفاقيّات السياسيّة والاقتصاديّة مع لبنان.
فبنهاية المطاف اللبناني المغترب ليس ATM تُسحَبُ منها العملات الصعبة في أوقات المحن في لبنان. المنتشر هو لبناني صميم قرّر رغمًا عن شعوره بالانتماء الوطني، بسبب ظرف ما قاهر في لبنان أن يأخذ قرار الهجرة في حال توفّر له ذلك. وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها. ولا يمكن سلخه عن وطنه الأم، أو نزع شعوره بالانتماء إلى لبنان أرضًا وإنسانًا ووطنًا.
من هنا، على المنتشرين لعب الدّور المناط بهم، والقيام بواجبهم اللوجستي أوّلا، ومن ثمّ واجبهم السياسي في بلد انتشارهم ليتمكّنوا من القيام بواجبهم الوطني تجاه بلدهم لبنان. ماذا وإلا ستنجح هذه المنظومة بسلخ المنتشرين عن وطنهم الأمّ، وستكون بذلك كسبَت ورقة كان من الممكن أن تشكّل مدخلا إلى تحرير صوت النّاخب، وحدّت من قدرتهم الإنتخابيّة لقلب موازين القوى في الحياة السياسيّة في المرحلة القادمة في لبنان. فهل سيتمكّن المنتشرون من تحقيق الأهداف الوطنيّة من بلدان انتشارهم حيث دفعتهم ظروف الحياة القاهرة إلى عدم تحقيقها في وطنهم الأمّ؟