مقالات وأراء

فدراليّةُ حزبُ الله المُضْمَرَة انتهَت

2021 آب 22
مقالات وأراء

#الثائر

- " د. ميشال الشمّاعي "

الخطأ اللبناني الفادح الذي ما زال اللبنانيّون يدفعون ثمنه منذ تأسيس دولة لبنان الكبير وقيام فلسفة الوطن اللبناني مع المفكّر ميشال شيحا، يكمن في عدم قدرة المجموعات الحضاريّة اللبنانيّة على التحوّل إلى مجموعة وطنيّة واحدة، لا تجمعها سوى الوطنيّة ضمن كيانيّة واحدة، بل عكس ذلك تمامًا، ظلّت هذه المجموعات التي هي بالأساس نواة مصغّرة عن شعوب وفدَت إلى هذه الأرض لتلتجئ فيها، لأنّها أرض مقاوِمَة بطبيعتها وتستطيع أن تصون الوجود وتحميه؛ ظلّت تبحث كلّ منها عن استيلاد كيانيّة خاصّة بها تقوم على توسيع انتمائها الدّيني أو حتّى المذهبي.

وممّا لا شكّ فيه أنّ الخمس عشرة سنة التي شهدها لبنان من حرب أهليّة قد ظهّرت جليًّا نوايا المجموعات الحضاريّة. مثال على ذلك، برغم قدرة حزب القوّات اللبنانيّة على حكم وإدارة منطقة حكمًا رشيدًا وإدارة وطنيّة إلا أنّ هذا الحزب رفض الإنفصال عن الدّولة الأمّ وإعلان دولته التي كانت تمتدّ من كفرشيما إلى المدفون آنذاك. وآسر هذا الحزب الدّخول في اتّفاق الطّائف على علاته، ليوقف المدفع وليدخل بعدها في معركة استعادة الدّولة من براثن الميليشيات التي شلّعتها وشرذمتها إربًا إربًا.

والكلّ يعلم كيف طُعِنَ هذا الحزب بظهره من قبل النّظام الأمني السوري اللبناني المشترَك الذي تولّى فترة الحكم ما بعد الطّائف. ولسنا بموضع تذكير التاريخ الأسود لتلك المرحلة التي كان القوّات من أكثر ضحاياها. والمعلوم أيضًا أنّ هذا الحزب هو الوحيد الذي تبنّى جهارة طرح الجبهة اللبنانيّة بنظام جديد للبنان يقوم على القاعدة الفدراليّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ المفكّر أنطوان نجم،" المُعَلِّم"، كما اعتدنا على تسميته، قد وضع أسس هذا النّظام في مؤلّفاته كلّها. لكنّ الظروف الإقليميّة والدّوليّة وعدم نضج الظروف اللبنانيّة قد حالت كلّها من دون تطبيق هذا النّظام أو حتّى مجرّد طرحه في الندوات السياسيّة البرلمانيّة والوزاريّة ليسلك الأطر الدّستوريّة والقانونيّة ليلاقي النّجاح التّام.

أمّا اليوم وبعد الفشل في تطبيق اتّفاق الطّائف نتيجة لتطبيقه المعتوِر، إن في فترة الاحتلال السوري تحت وصاية النظام الأمني، وإن في فترة الاحتلال الإيراني اليوم بذراع وصاية حزب الله، فلقد عادت النّغمة الفدراليّة لتطرح من جديد. ولسنا هنا بصدد مناقشة هذا النّظام بحدّ ذاته، بل ما يهمّنا هنا هو البحث في مدى قبول هكذا نوع من الأنظمة في مجتمع تعدّدي على قاعدة الحضارات مثل لبنان. والمفارقة أنّ الشارع الذي عُرِفَ بتموضعه اليميني في لبنان والذي تقوده القوّات اللبنانيّة بات أكثر تمسّكًا باتّفاق الطّائف، وهو لا يوفّر أيّ فرصة في الدّعوة إلى حسن تطبيقه للبحث في علله. ولقد تقدّم على باقي الأفرقاء بطرحه مشروع اللامركزيّة الموسّعة في لبنان والتي ينصّ عليها هذا الإتّفاق بالذّات كحلّ للإشكاليّة اللبنانيّة.

بينما الشارع الذي يناهض هذا الفكر، يتمثّل بثلاثة:

- الشارع اليساري التقليدي أعني هنا الشارع الشيوعي أو شارع الحركة الوطنيّة سابقًا.

- الشارع اليساري الحديث، أو نيو-يسار، أي بعض مَن يحاولون اقتياد حراك 17 تشرين اليوم، ويدعون إلى التفلّت من القيود الطوائفيّة كلّها وتحرير النّظام من جذوره المجتمعيّة ظنًّا منهم بأنّه سيستطيعون استنساخ التجربة السوفياتيّة التي ثبت فشلها بعد خطأ دام أكثر من سبعة عقود.

- الشارع المذهبي يبرز المتمسّك بتديّنه الإسلامي الذي يقسَم بدوره إلى شقّين: السنّي التقليدي والشيعي المتديّن. فالشارع السني يبدو اليوم أكثر قربًا إلى اليمين المسيحي إذ يدعو معه إلى صون الطّائف وتطبيقه مع اختلافات في الرؤية الاستراتيجيّة، لا سيّما في قضيّة قانون الانتخاب، وغيرها من القضايا التي تطال بعده الإقليمي.

أمّا الشارع الشيعي المتمثّل بالثنائيّة السياسيّة بين منظّمة حزب الله وحركة أمل فهو يعلن تمسّكه باتّفاق الطّائف، ويدعو إلى دولة مدنيّة – مع العلم أنّ فلسفة الدّولة في لبنان هي قائمة على القاعدة المدنيّة لا العسكريّة منذ زمن ميشال شيحا- ويدعو أيضًا إلى قانون انتخاب خارج القيد الطّائفي، ليس بهدف تحرير لبنان من طوائفيّته السياسيّة بل لتغليب عنصر الديموغرافيا التي يتفوّق فيها لبنانيًّا على باقي الأفرقاء، لا سيّما في استمراره بسيطرته على وزارة الخارجيّة اللبنانيّة، إن مباشرة بوزير شيعي وإن غير مباشرة بوزير مسيحيّ من جماعة 6 شباط، حيث يعمل على تثبيت انسلاخ الإنتشار اللبناني عن الأرض الأم، ويؤخّر اللبنانيين المنتشرين قدر المستطاع في عمليّة استعادتهم لجنسيّتهم اللبنانيّة. وذلك كلّه بهدف الحفاظ على واقع ديموغرافيّ عمل على تحقيقه أكثر من أربعة عقود ونجح في ذلك.

ويبرز بيت القصيد في الموضوع الذي نطرحه كون هذا الشارع يعيش الحالة الفدراليّة من دون إعلانها وتحمّل تبعاتها. وهذا ما يجعله صامتًا أمام هذا الطرح. فلهذا الخطّ دولته، وليس دويلته، حدودها معروفة تشمل الجنوب اللبناني باستثناء مناطق الوجود المسيحي والسني فيه، أي منطقتي صيدا- الزهراني وجزين، والبقاع حيث تواجد الطائفة الشيعيّة الكريمة والجزء الجنوبي من بيروت.

ولدولته مقوّماتها من السلاح إلى الجيش المنظّم، فالتنظيم الإداري الدّاخلي على القواعد الاجتماعيّة الدينيّة المذهبيّة التي يؤمن بها، وليس انتهاءًا بالسياسة الإقتصاديّة التي تجلّت بأبهى حللها في أزمة البنزين التي عمل بشكل مستقلٍّ عن الدّولة عبر استيراده باخرة نفط من إيران. إضافة إلى السياسة المصرفيّة الخاصّة عبر القرض الحسن، والاستشفائيّة الخاصّة عبر سيطرته على وزارة الصحّة وتحويل تحويلاتها إلى مستشفاه الرسول الأعظم، والتقديمات الإجتماعيّة الخاصّة أيضًا التي بدأها ببطاقة سجّاد وتعاونيّاتها وغيرها. فضلا عن السياسة الخارجيّة التي قرّرها لدولته وفرضها على الدّولة اللبنانية ككلّ.

ذلك كلّه يفضي إلى استنتاج وحيد وهو أنّ منظّمة حزب الله قد قطعت بأشواط الواقع الفدرالي، وهي اليوم باتت بحكم المسيطِر الأوحد على مقوّمات الدّولة اللبنانيّة كلّها. ولم تعد فدراليّـه مضمَرَةً بل صار بحكم إعلان وفاتها ليعلن ولادة دولته الجديدة. من هنا، لم تعد الفدراليّة صالحة لحلّ إشكاليّة وجوديّة منظّمة بحجم حزب الله لأنّه تخطّى هذا الواقع. فهل بتنا على قاب قوسين من إعلان دولة لبنان الفقيه؟ أو أما آن الأوان للبنانيّين لاستعادة دولتهم من المنظّمة التي قضمتها؟

اخترنا لكم
"عملية الزر الأحمر".. عميلان للموساد كشفا تفاصيل مثيرة
المزيد
ماذا أهدى وليد جنبلاط إلى أحمد الشرع؟
المزيد
هل يحتاج انتخاب قائد الجيش إلى تعديل الدستور؟
المزيد
أرز الشوف: إنجازات رغم الصعوبات ورؤية واعدة للمستقبل
المزيد
اخر الاخبار
"ويخلقُ اللهُ ما لا تعلمونَ"!
المزيد
"عملية الزر الأحمر".. عميلان للموساد كشفا تفاصيل مثيرة
المزيد
جعجع: العيد هذا العام يحمل طابعاً مختلفاً.. افرحوا!
المزيد
"حزب الله": نكثّف جهودنا جنوباً في ملف التعافي من آثار الحرب
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
جعجع: هل هبطت شحنة الكبتاغون من السماء على مرفأ بيروت؟
المزيد
القرار 1701 تجاوزه الزمن وانتخاب الرئيس مرتبط بالتسوية؟
المزيد
الصفدي: بينما تصنعون التسويات احسبوا حسابا لحياة الناس وكراماتهم
المزيد
القرار 1701... تطبيقٌ جزئيّ وانتهاكاتٌ واسعة
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
أرز الشوف: إنجازات رغم الصعوبات ورؤية واعدة للمستقبل
كشافة البيئة نظمت في عيّات ورشة "تنمية مهارات العرض والإلقاء والتقديم"
إحذروا هذه الأشياء قد تكون خطر للغاية، ملكي: لألزام المؤسسات الزراعية، بالحصول على رخصة باشراف ورقابة مهندسين زراعيين!
رصد ظاهرة غامضة في قاع البحر الميت.. ما هي المدخنات البيضاء؟ (فيديو)
البنك الدولي يشيد بجهود الإمارات في معالجة التحديات المناخية
لماذا ينصح بشرب كوب من الماء الدافىء قبل تناول الطعام؟