#الثائر
- " د. ناصر زيدان "
من أكبر الإخفاقات التي أصابت المجتمع الدولي في هذا الزمن الكالح الذي تعيشه البشرية جمعاء؛ كان العجز عن إيجاد الحلول المناسبة لتسوية المعضلة السورية، وتوقيف المأساة التي يعيشها السوريون، والتي وصفها البابا فرنسيس: بأنها من أكبر مظلوميات القرن. ويتحمل قادة الدول الكبرى والمؤثرة، كما الجامعة العربية ومؤتمر الدول الإسلامية مسؤولية تاريخية كبرى عمّا يحصل. فالمشهد السوري مُخيف بكل معنى الكلمة، ولقد تجاوزت التعقيدات التي تحيط به كل الحدود.
وكشفت الكارثة السياسية والعسكرية والإنسانية الحاصلة؛ الاختلال في العلاقات الدولية، والمستوى المتدني الذي وصل إليه النظام الدولي، بحيث تجاوز الموضوع صراعات النفوذ بين الدول الكبرى إلى حدود التآمر على استقلال الدول العربية، وأصبح الشعب السوري بكامله ضحية، ويتعرض لإبادة تُشبه ما حصل مع الشعب الأرمني منذ أكثر من مئة عام، ومع شعب فلسطين قبل 72 سنة.
إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 للعام 2015 ومعه مندرجات اتفاقيات جنيف – 1 وجنيف- 2 وتوافقات أستانة، وعشرات الاجتماعات التي عقدتها لجنة صياغة الدستور في جنيف؛ كلها لم تُعدِّل قيد أنملة من رؤى القوى التي تتحكَّم بالواقع على أرض المعركة. فقد قرر مجلس الشعب في سوريا ( وهو لا يحظى بإعتراف المجتمع الدولي ) إجراء الإنتخابات الرئاسية في 20 ايار/مايو 2021، وفتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وقد توضَّح فور إعلان القرار عن المجلس، أن الرئيس بشار الأسد ومعه مجموعة من الأسماء التي تُستخدم للتمويه الديمقراطي؛ جهزت أوراقها للترشُّح قبل صدور ذلك القرار. والدستور السوري المعمول به منذ العام 2012؛ بدا كأنه أُنتج لخدمة هذه اللحظة السياسية الحاسمة، وإذا كان قد نصَّ في المادة 88 منه على عدم جواز ترشُّح شخص واحد لأكثر من ولايتين رئاسيتين؛ لكنه أعقب تلك القاعدة بإستثناء الرئيس بشار الأسد من هذا الشرط، ولم يحصل في أي دستور في العالم أن تضمَّن إستثناءات ذات طابع شخصي، حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أنقذ الأسد ومنع سقوط نظامه، عجز عن تمرير هذا الاستثناء لشخصه في الدستور الروسي، مما اضطره لتعديل الدستور برمته، لكي يضمن استمرار مشروعية ترشيحه لولايتين قادمتين. كما أن شرط إقامة المرشح في سوريا خلال العشر سنوات التي تسبق الإنتخابات، تهشيلاً دستورياً لكل القادرين على المنافسة، وأهون عملية اليوم في سوريا هي إبعاد المعارضين أو المنافسين إلى خارج البلاد، حيث أن أكثر من 13,5 مليون سوري ( أي ما يزيد عن نصف عدد السكان ) نازحون خارج البلاد.
قرار إجراء الإنتخابات على هذه الشاكلة؛ يعني التصميم على إبقاء الوضع في سوريا من دون حل، والبديهي أنه لا يمكن إنتاج حل من دون توفير حرية وإجراء إنتخابات رئاسية بإشراف الأمم المتحدة، وفقاً لآخر كلام قاله المعارض السوري الأبرز ميشال كيلو الذي توفّيَ منتصف نيسان 2021 في منفاه الباريسي. لأن المجتمع الدولي برمته لا يعترف بشرعية الانتخابات الصورية التي ستجري، وهؤلاء يطالبون بمحاكمة الأسد أمام محاكم دولية ووطنية بتهمة ارتكاب جرائم حرب واغتيالات في لبنان وفي سوريا، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة ضد المدنيين، وفقاً لما قاله مطلع الشهر الحالي وزير خارجية فرنسا إيف لودريان أمام الجمعية الوطنية الفرنسية.
حتى أن كتَّاب وقادة مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ يهاجمون الأسد في كتاباتهم، ويعتبرونه غير مؤهل لقيادة البلاد، إلّا أن الحسابات الروسية الرسمية تمسكت بالأسد، لأن قادة العالم أجمع، بما فيهم قادة عرب؛ لم يطلبوا من روسيا إزاحته، أو لم يدفعوا ثمن سياسي مقابل ذلك على أقل تقدير، وبالتالي فإن روسيا لن تحرق هذه الورقة مجاناً، ومن دون أي ثمن، خصوصاً أن إيران وإسرائيل تبدوان الدولتين الوحيدتين في العالم اللتين تتمسكان ببقاء الأسد، وروسيا يهمها أن تحافظ على علاقات جيدة مع هاتين الدولتين، برغم أن أي شخصية أُخرى في قيادة سوريا قادرة على ضمان مصالح روسيا في البلاد مثل الأسد أو أكثر، وروسيا على صداقة مع شخصيات عديدة قادرة على المنافسة على الموقع من داخل النظام أو من خارجه.
والملامة على المجتمع الدولي بإبقاء المأساة على ما هي عليه كبيرةٌ جداً، والشعب السوري يشعر بإمتعاض لأن العقوبات الأميركية التي فُرضت على النظام بواسطة قانون قيصر وقانون ماغنيتسكي؛ طالت المواطنين أكثر مما طالت قادة النظام، وقد ساهمت بتفاقُم الكارثة الإقتصادية والمالية في سوريا وفي لبنان، ولم يرف جفن لأي من المسؤولين. بل على العكس من ذلك، فإن القوى الموالية لإيران وللنظام تستغل هذه العقوبات لتقديم بعض الفتات للسوريين الذين يبحثون بلهفة عن الطعام وعن المحروقات وعن الدواء، والجاهزين لقبول الحصول عليه من أي جهة يمكن أن توفرها لهم، كما أن الفساد والتهريب انتشر على شاكلة واسعة بسبب هذه العقوبات على حدود البلاد الغربية مع لبنان، وعلى الحدود الشرقية الفالتة عبر العراق إلى إيران، والميليشيات المناطقية المتنوعة إنتشرت في كل المحافظات التي يسيطر عليها النظام، وهي تفرض الخوات وتستبدّ بتوزيع المعونات وفقاً لأهوائها.
المشهد السوري قاتم ومُقلق، والمؤشرات المرتقبة تبدو أنها ستساهم في إطالة حدَّة الكارثة المهولة والتي لم يسبق لشعب أن تحمل مثل قساواتها ولفترة طويلة، كما حصل مع الشعب العربي السوري الجبار.