#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
كتبَ سعيد فريحه
يَا رَبّ!
الانوار في 31 اذار 1976
أنها صرخةُ مؤمنٍ، يا ربُّ، فُقِدَ الأملُ الاّ بكَ وكُفِرَ بكلِّ رحمةٍ الاّ رحمتكَ.
صرخةٌ من القلبِ الجأ بها أليكَ ضارعاً متوسلاً أن تنقذَ لبنانَ ومن تبقَّى فيهِ من أحياءَ أبرياءَ معذبينْ.
أن الموتَ يَطبقُ على هؤلاءِ أينما وجدوا، في بيوتهم، في مخابئهم، في أيِّ مكانٍ قريبٍ من مواقعِ الاقتتالِ أو بعيدٍ عنها.
ذلكَ ان الحربَ في لبنانَ، وفي زحمةِ العمرانِ، صارتْ بالصواريخِ ومدفعيةِ الميدانِ.
وصارتْ القنابلُ تتساقطُ في كلِّ شبرٍ من ارضِ هذا الوطنِ الحبيبِ. فتقتلُ من الاطفالِ والنساءِ الأبرياءِ اكثرَ مما تقتلُ من المتحاربينَ في مختلفِ الجبهاتِ.
وموتُ الابرياءِ، على بشاعتهِ وخلُوِّهِ من كلِّ حرمةٍ ورحمةٍ وقضيةٍ، ليسَ هو النهايةُ التي تفزعنا نحنُ الذينَ جئنا من الترابِ والى الترابِ نعودُ.
وإنما الذي يفزعنا هو موتُ لبنانَ، لبنانُ المحبةِ والسلامِ، لبنانُ الحرفِ والحضارةِ والجمالِ ومنجيرةُ الراعي وزقزقةُ العصافيرِ، لبنانُ الذي قالَ فيهِ شوقي: انه والخلدُ اختراعُ اللهِ، لَم يُوسَمْ بأحلى منهما ملكوتهُ...
لبنانُ هذا الذي يموتُ يا الهي، فهل تتركهُ يلفظُ أنفاسهُ وهو مِنْ صُنْعِ يديكَ وقطعةٌ من جَنَتِكَ على الارضِ؟
فأنقذ لبنانَ، يا رب.
لقد تخلى عنهُ الجميعُ، وكأنَ مأساتهُ لا تعنيهم، لا انسانياً ولا اخلاقياً.
والذين سارعوا الى أنقاذهِ اصبحوا، بعدَ كلِّ ما صادفهم مَن متاعبَ ومصاعبَ، يُردِّدونَ معنا: يا رب!
وهُم يفعلونَ ذلكَ لأنهم مؤمنونَ مثلنا، ولأنهم مثلُ جميعِ الشرفاءِ القادرينَ يرفضونَ ان يوقفوا المجزرةَ الكبيرةَ بمجزرةٍ اكبرَ وأشدَّ خطراً على السلامِ في هذهِ المنطقةِ!
فيا رب، يا رجاءَ المعذبينَ في الارضِ، أنقذ لبنان.
انهُ يموتُ، انه يُذبحُ وتُقطَعُ اوصالهُ ويُشوَّهُ جمالهُ الأبديُّ السرمديُّ. أن عاصمتهُ بيروت تحترقُ وتُدَمَّرُ، وكذلكَ مُدُنهُ وقُراهُ ودساكرهُ، حتى تلكَ القِممُ التي كنا نجاورُ منها القمرَ صارت مرابضَ مدفعيةٍ وقواعدَ صواريخٍ لا نُجاورُ بها ومعها الاّ الموتَ والدمارَ.
يا رب!
ان الارضَ لم تشهدْ، منذُ ان كانت الارضُ، حرباً وحشيةً مجنونةً كهذهِ الحربِ.
وفي تاريخِ الحروبِ كلها لم يَدفع الابرياءُ ثمنَ وحشيةِ المتحاربينَ كما يحدثُ في لبنانَ!
يا رب!
أننا في القرنِ العشرين نعيشُ بلا دولةٍ، بلا مخفرٍ، بلا قضاءٍ، بلا نيابةٍ عامةٍ.
ان اللبنانيينَ في بلدِ الاشعاعِ يعيشونَ بلا ماءٍ ولا كهرباءٍ ولا علمٍ، انهم لا يجدونَ الغذاءَ ولا الدواءَ ولا شيءَ من ضرورياتِ الحياةِ. لقد عزَّ عليهم الرغيفُ كما عزَّ الوصولُ الى المستشفياتِ، وحتى الى المقابرِ!
واذا كانَ في لبنانَ اليومَ من صارَ يجدُ في الموتِ خلاصاً من الخوفِ والعذابِ والتمزُّقِ، فأن العذابَ الاكبرَ عندَ هؤلاءِ الخائفينَ المعذبينَ الذين يتمزقونَ هو ان يموتوا ويموتَ معهم لبنان!
فَرحماكَ، رُحماك يا رب، أنقذ لبنان .
غداً يا والِدَنا الحبيبَ، يا ابا عصام بسام وإلهام،
الغائبُ الحاضرُ سعيد فريحه.
بعدَ غِيابكَ منذُ 43 عاماً،
إلهامُكَ نقطةٌ في بَحرِكَ..وعلى أيامنا قد يَجفُ البحرُ وتجفُ النقطةُ.
عنوان مقالي : يَا ربّ!
بتاريخ 16/4/2021