#الثائر
- " د. ناصر زيدان "*
===خاص «الثائر»===
من المؤكد أن حراك الإخوان المسلمين في المنطقة يُسجِّل تراجعاً كبيراً، ويعاني نشاط الحركة من عُزلة غير مسبوقة أحدثت اختلالاً هائلاً في حجم تأثيرها، لا سيما بعد أن تخلّت تركيا الأردوغانية عن سياستها السابقة التي كانت ترتكز على توسيع نفوذها في الساحة العربية بواسطة الأذرُع الإخوانية - خصوصاً في المغرب العربي - وبعد أن قوَّضت المصالحة الخليجية الرافعة القطرية التي استفادت منها حركة الإخوان، مالياً وإعلامياً وسياسياً.
زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى مصر في 11 نيسان/ أبريل؛ كانت هدفاً قاتلاً في مرمى رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي، كون الغنوشي أصبح مرجعية الحراك الإخواني على الساحة العربية، بعد سجن المرشدين المصريين محمد بديع ومحمود عزت، وبعد تلاشي القدرة الصحية للشيخ يوسف القرضاوي إلى الحدود التي لم تعُد تسمح له بأن يقوم بدوره الإرشادي المعهود، برغم أن الغنوشي لا يحمل صفة رسمية في الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي أسسه القرضاوي عام 2004.
وبين قيس سعيد والغنوشي لم يبقَ أي "حيط عمار" في تونس، وقد وصل الخصام بينهما إلى حد تمرير الغنوشي قانون في مجلس النواب يسمح للمحكمة الدستورية المباشرة بعزل الرئيس، وقد رفض الرئيس سعيد التوقيع على هذا القانون، وأعاده إلى البرلمان.
والواضح أن زيارة سعيد إلى القاهرة، وقبلها إلى طرابلس الغرب، تهدف بالدرجة الأولى إلى المساهمة في تقويض النفوذ الإخواني في المغرب العربي بشكلٍ عام، وفي تونس على وجه الخصوص، كما أن زيارة الرئيس سعيد إلى ضريح الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وقبلها زيارته إلى ضريح الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في ذكرى وفاته 21؛ كلها تأتي في سياق الرسائل الموجهة من سعيد ضد الحركة الإخوانية، لما للرئيسين الراحلين من رمزية في سياق مكافحتهم للخطر الإخواني خلال فترة حكمهم التي استندت على التوجّهات القومية العربية التي لا يستسيغها " إخوان الخلافة".
ينظر الإخوان المسلمون إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعداء شديد، ويعتبرونه رأس الحربة التي قوَّضت سيطرة الإخوان على مصر، وعلى ليبيا، وهو حليف للأنظمة التي تحاصر توسُّع الحركة الإسلامية في المغرب والجزائر. وقد شنَّت وسائل إعلام حركة النهضة التي يترأسها الغنوشي في تونس حملة شعواء ضد زيارة سعيد إلى القاهرة، واتهمته بالتخلي عن قيم الثورة التونسية والتحالف مع الأنظمة العسكرية التي قوَّضت الربيع العربي، متجاهلةً كون الرئيس السيسي وصل إلى الحكم عن طريق ثورة شعبية عارمة حصلت في 30 حزيران/يونيو ضد حكم الإخوان في مصر، بعد أن فشلت تجربتهم القصيرة في تقديم أية حلول للمُعظلات التي كان يعاني منها الشعب المصري.
وما حصل في ليبيا بعد التسوية التي جاءت بحكومة عبد الفتاح دبيبية على حساب حكومة فايز السراج المدعوم من تركيا والإخوان؛ فاقم من الإمتعاض الإخواني من الرئيس السيسي، كونه قام مع الإمارات العربية المتحدة بدور رئيسي في بلورة التسوية، وحشد لها تأييداً عربياً ودولياً عارماً، وهو الذي حاصر الإندفاعة التركية الراعية لحركة الإخوان في المغرب العربي، وفرض (وبمساعدة أصدقائه) على أنقرة؛ تغيير الأجندة التي إعتمدتها في السنوات الماضية، وتراجع تركيا عن هذه المقاربة، وطلبها من التظيمات الموالية لها توقيف أنشطتها التبشيرية من الأراضي التركية. وشكَّل ذلك نكسة واضحة للحراك الإخواني، وترافق الأمر أيضاً مع التواصل الجديد بين أنقرة والقاهرة، مما يعني إعترافاً تركياً بشرعية النظام المصري، رغم أن حركة الإخوان ما زالت تعتبر أن النظام استولى على السلطة بإنقلاب عسكري.
لم يقدم الإخوان المسلمون – خصوصاً في المنطقة العربية – أي تجربة ناجحة يمكن الإعتداد بها. ومقاربتهم الفقيهة تُثير العصبيات والتفرقة، ولا تتآلف مع روح العصر. أمّا تجربتهم في الحكم في تونس؛ فلم تُعطي أي نموذج يمكن المدافعة عنه، بل على العكس، فحصولهم مع حلفائهم على أكثرية نيابية زاد من تعقيد الوضع في تونس، وفاقم الأزمة المعيشية إلى حدود مأساوية، كما ساهم في عزلة البلاد عربياً ودولياً، وأعادت هذه التجربة الشعبية للتجمع الدستوري ولمؤسسه الراحل الحبيب بورقيبة إلى أوجها، علماً أن الوقت ما زال مبكِّراً لإجراء الإنتخابات النيابية والرئاسية التي ستجري بعد ما يزيد عن ثلاث سنوات.
دعوة قادة تنظيم الإخوان إلى إعادة قراءة أفكار المؤسس حسن البنا خصوصاً حول «رسالة الجهاد» وحول «رسالة التعليم» لا يبدو أنها تسير في إتجاهات تطويرية، ذلك أن منهجية «السمع والطاعة» إضافة إلى عدم قدرة الذين يمسكون بزمام الأمور - بعد سجن المرشد الأخير محمود عزت - على الخروج من الأفكار الراديكالية التي تستند إلى تشريع استخدام القوة المسلحة في سبيل استكمال هيكل التنظيم؛ كل ذلك يؤكد مأزق الحركة الإخوانية، ويوضِّح من دون أي شك المسار التراجعي الذي تسلكه.
* استاذ في العلوم السياسية والقانون الدولي العام