#الثائر
محمود حسن** === خاص الثائر ===
بعد فترة من تعنّت الجانب الأثيوبي امتدت لسنوات ، اتّسم خلالها الموقف المصري بالهدوء والصبر المسؤول ، سلكت مصر مسار المفاوضات ، وكانت المسؤولية السياسية نصب أعين المفاوض المصري بشكل دائم، دون الحديث عن أي خيارات أخرى ..
ولعل الجميع يعلم أهمية نهر النيل للشعب المصري فهي ليست أهمية اجتماعية ولا سياسية ولا حتى اقتصادية لكنها أهمية وجود وشريان حياة .. مصر كما قال عنها المؤرخ اليوناني هيرودوت "مصر هبة النيل".. فتلك الحضارة المصرية العريقة التي ازدهرت على ضفافه، ما كانت لتكون لولا ماء النيل وطميه المتجدد مع كل عام جديد، ضامناً إلى الأبد خصوبة التربة وما تطرح من ثمار، وهو ما يمكن أن تلاحظه عندما ترى مصر لأول مرة من نافذة الطائرة في الجو، شريط أزرق طويل ، يحيط به من الأطراف شريطان أخضران ينتهي بدلتا مثلثة الشكل، ومن خلفهما تترامى الرمال الصفراء بلا حدود.
وفي القديم أدرك المصريون أن نهر النيل هو رب الحياة التي خلقت حضارتهم، لذا نظروا إليه بعين القداسة، وخصصوا له عدداً من الأرباب أشهرهم الإله "حعبي"، والذي يمثل فيضان النيل سنويا، ومصدر الحياة الأولى عموماً "بداية الخلق" ومصدر الحياة الأولى للمصري القديم، وقد وصف بـ"سيد القرابين" وكان أهمّ دور له كمعبود تجسيد فيضان النيل، لذا جاء ذكره كثيراً فيما يعرف بـ"أناشيد النيل"، وضمن فقرات في "نصوص التوابيت"، كما أُطلق عليه أيضا "سيد الفيضان" و"رب أزلي" و"خالق" و"رب الأرباب" و"أقدم الأرباب"، كما وصف بـ"سيد الكل"، الذي يحدث التوازن في الكون .
لذلك اعتقد ان الإدارة الأثيوبية التي لا تزال ماضية في التعنت والاستهانة بهذا الأمر، لا تعي أهمية جريان النيل مشكّلاً نبراس الأمل والحياة لمصر وأهلها وحتى محبيها من شتى بقاع العالم ..
على طول امتداد فترة المفاوضات لم يسع الجانب الأثيوبي إلى إثبات حسن النوايا، او حتى سعيه في انقاد الأمور قبل ان تنزلق إلى مسار لن يكون مرضياً لكافة الأطراف، وكذلك عليها تفهّم المخاوف التي تُعبّر عنها دول المصب مصر والسودان، لا سيما المتعلقة بالجفاف، على عكس الجانب المصري الذي سعى دائماً للحلول السلمية ومسار التفاوض، والارتكاز إلى الحقوق التاريخية والقوانين الدولية التي تحفظ لمصر والسودان حقهما التاريخي في مياه النيل التي تجري من خلال نهر عابر للحدود يحفظ جريانه واقتسامه قانون دولي منظم لهذه العملية .
القيادة فى مصر لم تتوقف خلال السنوات الماضية عن العمل في الملف، بكل التفاصيل والخيارات، وفى المقابل فإن مصر تدرك مبكراً أن هناك أطرافا ربما لا تكون لديها الإرادة أو القدرة لحوار جاد ، وكان حديث القاهرة بشكل دائم ومستمر عن أهمية التعاون الذي يكون في كل الأحوال أفضل من المواجهة، وأن مصر احترمت حق إثيوبيا في التنمية بشرط عدم المساس بمصالحها. ومن الواضح أن الجانب الإثيوبي يمارس المناورة ويسعى لتضييع الوقت فيما يتعلق بالمفاوضات، ولهذا فقد انسحبت مصر من آخر جولات التفاوض بعد تأكدها من التعنت والمماطلة وكذلك رفض الجانب الإثيوبي للمقترحات المصرية والسودانية.
بعد فشل المفاوضات الأخيرة لم يعد امام القاهرة سوى حديثها عن العديد من الخيارات ، تحدث عنها الرئيس المصري في أخر حديث له عبر وسائل الإعلام، كما كان حواره صريحا للمرة الأولى عن توتر سوف يصيب المنطقة بأكملها اذا ما لحق بمجرى النيل أي ضرر جراء الملء الثاني الذي تسعى أثيوبيا لتنفيذه بعد أسابيع قليلة ..
خيارات عديدة ومفتوحه تسعى القاهرة لتنفيذها ليبقى أهم هذه الخيارات هو الحرب والذي سعت القاهرة إلى تجنبه لكنها أدركت أنه ربما يكون السبيل الوحيد للحفاظ على حقها التاريخي في مياه النيل، والذي هو بمثابة حضارة تاريخية وحاضر ومستقبل …
ويبقى السؤال الأهم هل تستطيع القاهرة تنفيذ حديثها عن خياراتها المفتوحة وخاصة الحل العسكري ؟ اعتقد ان الجيش المصري يمتلك ما يمكنه من السيطرة على سماء القارة الأفريقية. فبحسب تصنيف سبوتنك الأخير يأتي ترتيب الجيش المصري في المرتبة 13 عالمياً والأول أفريقيا بما يمتلكه من أسلحة ومعدات وقدرات بشرية، مما يجعل له ذراع تطول اقصى حدود القارة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا .. ولكن مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد في الوقت المناسب وبالطريقة التي تجعل أعدائها يصمتون أبد الدهر … وعن مصر النيل يقول الراحل حافظ ابراهيم رحمة الله عليه..
أنا إن قدر الإله ممـــــــــاتي .. لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
ما رماني رام وراح سليمـــــاً .. من قديم عناية الله جنـــــــــــــدي
كم بغت دولة عليّ وجــــارت .. ثم زالت وتلك عقبى التحــــــــدي
**رئيس المرصد الإعلامي لبحوث ودراسات الشرق الأوسط