#الثائر
- " د. ناصر زيدان "
إن اتفاقية فيينا للعام 1966 وملحقاتها (قانون المعاهدات الدولية) أشارت في المقدمة إلى أن كل اتفاق مكتوب وموقَّع أصولاً بين أشخاص دوليين - سواء كانوا منظمات أو دولاً - يعتبر معاهدة دولية، وبالتالي يفرض على المتعاقدين تسجيلها في مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، وباللغات التي يتم الاتفاق عليها بين أطراف العقد. ولم يرِد في اتفاقية فيينا أية إشارة إلى سرية المعاهدات، ومن الطبيعي أن تُنشر لكي تأخذ الدول الأُخرى علماً بها، وبالتالي مراعاة مضمونها، وللتأكّد من عدم تعارض هذا المضمون مع القوانين الدولية المرعية الإجراء في حالة وجود حقوق للغير، كي لا تتكرَّر الأخطاء التي وردت في الاتفاقية التي وقعتها الحكومة التركية مع حكومة «الوفاق» الليبية عام 2019، وتمنعت الأمم المتحدة عن تسجيلها والاعتراف بها.
الاتفاقية التي وقَّع عليها وزيرا خارجية الصين وانغ يي ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف في طهران بتاريخ 27 مارس/آذار 2021، تبدو على قدر كبير من التأثير، وظهرت في توقيت سياسي دولي بالغ التعقيد، رغم أن المفاوضات التي سبقت التوقيع الرسمي عليها بدأت منذ العام 2016 إبان زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى إيران، وتمَّ تكليف رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني بمتابعة الحوار حولها مع الجانب الصيني، وحفل التوقيع بالعرف الدبلوماسي هو إعلان عن ولادة المعاهدة، وإعلام الأوساط السياسية والشعبية بمندرجاتها.
من المؤكد أن الاتفاقية الصينية – الإيرانية لها أهمية خاصة في الجانب الاقتصادي؛ لأن قيمة الالتزامات فيها فاقت 400 مليار دولار أمريكي، خصوصاً في مجال الاستثمارات الصينية في حقلي النفط والغاز، وفي قطاعي النقل والطاقة النووي، علماً أن الصين شاركت في المعاهدة التي وقعتها إيران مع الدول الخمس الكبرى + ألمانيا في العام 2015 حول ملفها النووي.
أما في السياسة فقد كان لتصريح الناطق باسم الخارجية الإيرانية سعيد الخطيب دلالة واضحة، عندما أشار إلى أن الاتفاقية هي بمثابة خريطة طريق كاملة للمستقبل، والجانب الصيني اعتبر أن التفاهم مع إيران ضروري لتوسيع دائرة تأثير مبادرة «الحزام والطريق»، التي أطلقتها بكين منذ عامين، وإيران تقع على تقاطع جغرافي مهم.
والاعتبارات السياسية التي تحملها هذه الاتفاقية أوسع مما أُعلن عنه من قبل الفريقين، ومن الواضح أن للطرفين أهدافاً استراتيجية وسياسية بعيدة المدى، لا سيما أن مدة سريان مفعول المعاهدة 25 سنة.
الصين توازن بين علاقاتها مع دول المنطقة، ولا يبدو أنها تُعطي مفاضلة لإيران على حساب الدول الأخرى المجاورة، وقد أكد وزير الخارجية وانغ يي في أبوظبي التي وصل إليها بعد زيارته لطهران «أن علاقة الصين مع الإمارات العربية المتحدة تزداد قوة ومتانة، والصين صديقة للدول العربية، وتتطلع لزيادة التعاون معها في المجالات المختلفة، لا سيما في مواجهة جائحة «كورونا»؛ حيث ستبدأ صناعة الدواء في الإمارات بإنتاج لقاح سينوفارم الصيني المضاد للجائحة». وانغ حرص على التأكيد أن الاتفاقية مع إيران ليست موجهة ضد الدول المجاورة، ولكنها تبدو بطبيعة الحال كرة صينية في المرمى الأمريكي، ضمن مباراة السباق الجاري بين الطرفين، خصوصاً في المجال التجاري، وفي صناعة التكنولوجيا الذكية الحديثة.
أما إيران التي تشتبك مع واشنطن حول ملفها النووي وفي قضايا إقليمية ودولية أخرى؛ فهي تحاول استثمار الاتفاقية مع الصين في مجالاتٍ متعددة، منها فك العُزلة المالية والتجارية، والتخلص من العقوبات الأمريكية عليها، خصوصاً في قطاع النفط والغاز.
عدم نشر بنود المعاهدة غالباً ما يُفضي إلى ضبابية حول المقاصد المرجوة منها، لكن المتابعين لا يرون في الأمر شيئاً جديداً، وعادةً ما يلجأ المسؤولون في طهران إلى مثل هذه الطريقة؛ لأن جزءاً كبيراً من نشاطاتهم الخارجية غير مُعلن، ولديهم قدرة واضحة على الاستثمار في ملفات سياسية خارجية لتحقيق مردود داخلي. والإشارة إلى وجود بنود للتعاون في مواضيع عسكرية وأمنية في المعاهدة، لا تعني بالضرورة التوافق على الملفات الإقليمية، أو أن هناك ما يُضر بالدول المجاورة التي تربطها صداقات مع الصين خصوصاً.