#الثائر
كتب . د. ناصر زيدان في الأنباء:
يجهد رئيس مجلس النواب، نبيه بري ، على تجنُّب أي خطوة مجلسية قد تفسّر على أنها تمسّ بالميثاقية، وعلى وجه التحديد من خلال حرصه الدائم على مشاركة، ولو نسبيّة، لممثلين عن المكوّنات الطائفية في التصويت على التشريعات التي تصدر عن المجلس. وهو بهذا الموقف كرَّس بعض الأعراف التي أضرَّت بالديمقراطية، ولكن بعض هذه الأعراف كان مفيداً، وجنَّب البلاد الانقسام، ومنها ما كانت نتائجها وخيمة، وأدّت إلى تعطيل حياة الدولة، وسمحت للانتهازية السياسية أن تتسلَّل إلى أروقة المجلس الضامن للنظام الديمقراطي.
نجح بري في إنقاذ ميثاقية الجلسة التشريعية نهار الجمعة الماضي. ويبدو أنه ربط خيط تواصلٍ مع تكتّل التيار الوطني الحر، بعد أن كان قد ربط النزاع معه بموقف التيار المُعطِّل لمبادرته التي هدفت إلى الإسراع في تشكيل الحكومة من دون وجود ثلث مُعطل لأحد فيها.
وقد وعدَ بري التيار ضمناً بترتيب تسوية حول اقتراح قانون منح سلفة لوزارة الطاقة بقيمة مليار دولار. وموقف بري، بالتأكيد، غير شعبي وسيحمِّله جزءاً من وزر المساهمة أكثر فأكثر بالكارثة المالية التي تعيشها الدولة من جراء الإخفاق في معالجة عجز الكهرباء. لكن مقاطعة كتلة نواب القوات اللبنانية فرضت عليه التواصل مع التيار لكي لا تكون جلسة التشريعات الضرورية التي انعقدت في 12 آذار 2021، في قصر الأونيسكو غير ميثاقية إذا ما قاطعها النواب المسيحيّون في تكتل التيار أيضاً.
وجرت العادة أن يُبقي بري قنوات تواصل مع القوى المختلفة – حتى مع الذين يناصبونه العداء – لكي لا تتهدَّد الوحدة الوطنية ويزداد الانقسام العمودي، لأن موقع رئاسة الجمهورية الجامع لكل اللبنانيين انزلق في عهد الرئيس الأسبق أميل لحود إلى موقع الخصم ضد قوى ثورة الأرز. والرئيس الحالي، ميشال عون، استثمر الموقع لمصالح حزبية وفئوية من خلال تحكُّم صهره النائب جبران باسيل بغالبية مفاصل القرار. وقد استخدم بري دوره التواصلي لإنقاذ البلاد من حربٍ أهليةٍ مُحتَّمة عندما دعا إلى طاولة الحوار عام 2006، وعندما ساهم بإخماد حرب أيار 2008، وفي رعايته لحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، وبين هذا الأخير والحزب التقدمي الإشتراكي في أوقات كان التوتر بين هؤلاء يهدّد الاستقرار.
لكن الرئيس نبيه بري الذي يراعي شريكه في الثنائية الشيعية، حزب الله، إلى أبعد الحدود كان الوحيد الذي لم يصوَّت للعماد ميشال عون في جلسة انتخابه رئيساً بعد تعطيل النصاب لأكثر من عامين ونصف العام بقرار من الحزب والتيار. وبصرف النظر عن الطرف الذي يتحمّل مسؤولية الانهيار أكثر من غيره، فإنّ المراقبين يُنصفون بري كونه نبَّه مسبقاً إلى عدم ملاءمة شخصية عون لتولي الرئاسة، رغم أن الرجُلين ينتميان إلى محورٍ سياسيٍ واحد. وقد تأكّد لبري صوابية هذا التشخيص، لأن تجارب عون أثبتت أنه لا يراعي أياً من الالتزمات التي غالباً ما يجب أن يحترمها رجل الدولة، حتى مع أخصامه، لأن مصلحة الدولة تقتضي أحياناً الخروج عن الأنا الشخصية، وهذا ما لم ينجح فيه عون الذي خاصم الجميع، وهو ليس لديه أي ثقة، لا بحلفائه ولا بأخصامه، وهذا سببٌ رئيسي من أسباب انهيار الدولة في عهده.
وإذا ما اكتملت عناصر الصفقة بمنح كهرباء لبنان مليار دولار من خزينة مفلسة على دفعات تبدأ بسلفة 200 مليون دولار، سيكون الأمر كارثةً إضافية على المالية العامة، لأن المبلغ سيُدفع من احتياطي أموال المودعين في مصرف لبنان، وهو بمثابة رمي حجرةٍ ثقيلة على نعش الدولة تحت حجة الميثاقية.
الطريق إلى حل مُعضلة الكهرباء، كما لتخفيف آلام الناس، هي في تشكيل حكومة مهمة تستعين بأصدقاء لبنان وأشقائه لمساعدته على النجاة من الغرق المؤكّد. وإذا ما كانت الحكومة العتيدة محسوبة على عون وحلفائه، فلن يستقبلها هؤلاء الأشقاء ولا الأصدقاء، وستعيد تجربة حكومة حسان دياب المعزولة، والتي باعتراف رئيسها أنه طلب مواعيد من رؤساء دول عربية وأجنبية قادرة على المساعدة ولم يستقبله أحد. وهذا الأمر ينطبق على رئيس الجمهورية أيضاً. وما صُرف من سلف خزينة على الكهرباء منذ 10 أعوام كفيلٌ بتأمين الطاقة لخمس دول بحجم لبنان. فالحل بتفعيل الجباية بأسعار مدروسة، ووقف الهدر، وبناء معامل إنتاجٍ جديدة كافية عن طريق مساعداتٍ أو قروضٍ تقدّمها الصناديق العربية الشقيقة، وهي طريقة أكثر موضوعية ونجاعةً من التسويات التي تخنق مالية الدولة، وتستبيح أموال المودعين. ومن الاقتراحات التي تقدّم بها المنتفضون في الشارع أن يعمل مجلس النواب على إصدار قانون يقضي بمصادرة أموال وأصول كلّ مَن تولّى وزارة الطاقة وفروعها منذ 10 سنوات. ويُمكن أن تُعاد المصادقة على هذا القانون مرةً ثانية إذا ما ردّه رئيس الجمهورية، فيصبح نافذاً حكماً. إن إنقاذ البلاد يفرض اعتماد تسويات شُجاعة.