#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
تَدْمَعُ عيونُنا وتتمزَّقُ القلوبُ، ونحنُ ننظرُ إلى مشاهدِ الحريقِ المستعادةِ في الشوارع، وهنا وهناك.
كم كانَ جميلاً وراقياً لو وفَّرتمْ على أبنائنا الأنقياءِ الغاضبينَ هذا الخيارَ الصعبَ؟
كم كانَ جميلاً لو أعدتمْ إليهم أحلامهم التي سرقتموها في ليلِ الفسادِ. حينذاك، لكانوا اتكَلوا على الله وانصرَفوا إلى جامعاتهم ومكاتبهم وصناعةِ المستقبلِ بأمانٍ وسلامٍ، كما في دولِ العالمِ المتحضّرةِ.
ولكن، ماذا يفعلونَ وأنتم رفعتمْ فوقَ البلدِ "يافطةً" عريضةً، وكتبتم عليها:
أهلاً بكم في جهنم؟
***
في الحقيقةِ، لا يَليقُ بكم إلا هذا الشعارُ: جهنمٌ!
ألستم أنتم مَن أحرقَ البلدَ بنارِ الفسادِ، منذ سنواتٍ وسنواتٍ، ولا يزال؟
ألستمْ أنتم مَن يُحرقُ الناسَ بدولارِ الـ 10 آلاف، وبحدٍّ أدنى للأجورِ لا يصلُ إلى 65 دولاراً في الشهرِ... وفي مرتبةٍ تُوازي الصومال وغينيا؟
أيها السادةُ، ساديّونَ أنتم، والساديّةُ عندكم بلا حدودٍ.
وهل مِن ساديَّةٍ أقوى، عندما تصرخُ الأفواهُ الجائعةُ في الشارعِ، ويبكي الأطفالُ جوعاً والأمهاتُ والآباءُ قهراً، فيما أنتم تتلهّونَ، وبمتعةٍ، بالصراعِ على وزيرٍ وحقيبةٍ هنا وعلى غنيمةٍ دسمةٍ هناك؟
بصريحِ العبارةِ، لا شيءَ يُشبِهكمْ وتُشبِهونهُ أكثرَ من نيرون!
***
والأنكى، عندما نسمعكم تقولون: نريدُ أن نصارحَ الشعبَ!
تتحدثونَ عن المصارحةِ… ولا نرى منكم إلا المصارعةَ.
فكُفّوا عن الكلامِ الـ"بلا معنى".
***
هذه الدواليبُ القليلةُ المشتعلةُ اليومَ، تعبيراً عن غضبِ الشعبِ، أينَ منها حرائقُ القهرِ المتماديةِ منذُ عشرينَ عاماً… والطرقُ القليلةُ التي تُقفَلُ اليومَ احتجاجاً، أينَ منها طرُقُ البلدِ ومنافذُ الضوءِ والهواءِ التي أقفلتموها عليه حتى اختنق؟
فعلاً أنتمْ "نَيرونَاتُ عصرِكم".
منذُ عشرينَ عاماً، هناكَ نيرونُ الكهرباءِ، ونيرونُ المصارفِ والأموالِ المنهوبةِ، ونيرونُ التهريبِ، ونيرونُ الاتصالاتِ والنفاياتِ، ونيرونُ الاستيلاءِ على القروضِ والمساعداتِ والتلزيماتِ، ونيرونُ التوظيفاتِ الخبيثةِ والمحسوبياتِ التي أكلتِ الدولةَ وأسقطتها، وهناكَ نيرونُ النفوذِ والسيطرةِ على كلِّ شيءٍ… وتسألون:
لماذا نحنُ في جهنَّم؟
***
الناسُ يزدادونَ وجعاً وقلقاً، وأنتمْ تزدادونَ وقاحةً ولا مبالاة.
الناسُ مسموعٌ بكاؤهم داخلَ الجدرانِ الأربعةِ، وأنتم مسموعةٌ ضحكاتكم داخلَ القاعاتِ وخارجها.
الناسُ قلقونَ على لقمةٍ وحبَّةِ دواءٍ وبضعة دولاراتٍ جمعوها كـ"قرشِ الأرملةِ"، وأنتم مرتاحونَ على أوضاعكم ونائمون على ملياراتكم المنهوبة والمهرَّبةِ إلى مصارفِ سويسرا وسواها.
الناسُ يُذلّونَ للحصولِ على دولارٍ من تعبهم، من أجلِ دفعِ قسطٍ للجامعة في الداخلِ أو الخارجِ، وأنتم تعيشونَ مع أولادكم وأحفادكم وذريَّتكم ومحاسيبكم حياةَ الأباطرةِ الفاسدين…
أو بالأحرى حياةَ نيرون!
***
ولكن، وللتاريخِ سجِّلوا عندكم "كمالة القصة":
إن نيرونَ روما بعدما قمعَ كلَّ انتفاضةٍ ضدَّهُ في روما، وأشعلَ النارَ في مدينتهِ، وجلسَ يتلذَّذُ بإبادةِ أهلها وإندثارِ تراثِها العظيم...
بعدَ هذا كلِهِ، وبعدما أنجزَ المهمَّةَ المجبولةَ بدهان الحرائقِ والدماءِ... أصابه الجنونُ، وقامَ بقتلِ العديدِ من المحيطين بهِ، من عائلتهِ ومساعديهِ، ثم انتحر!
***
يا "نيروناتِ" لبناننا الحبيبِ اتَّعِظوا…
إن كنتمْ تقرأونَ قِصصَ التاريخِ.