#الثائر
يعتبر اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، الذي انضم اليه لبنان منذ عام 2009، أن "استرداد الموجودات" هو ركن من أركان مكافحة الفساد، وقد كرسته في المادة 51 منه كمبدأ أساسي من مبادئ الإتفاق. وأفردت له فصلها الخامس، وضمّنته الكثير من الأحكام التي تدعو الدول الى تعزيز منظوماتها القانونية الداخلية وتطوير التعاون في ما بينها في هذا الشأن.
يأتي ذلك في وقت يتنامى الاهتمام العالمي بموضوع "استرداد الموجودات" على مستوى الحكومات والشعوب في دول عدة حول العالم، بما فيها ـلبنان حيث برز عنوان "استرداد الأموال المنهوبة" في الخطابين الرسمي والشعبي، وتحوّل الى مطلبٍ إصلاحي تُعلّق عليه الآمال.
في المقابل، تبين الدراسات الصادرة عن المنظمات الدولية المختصة إشكاليات مفاهيمية وقانونية وتطبيقية عدة تحول دون تحقيق نجاحات كبيرة في مجال "استرداد الموجودات"، ما يجعل الفجوة شاسعة ما بين الآمال المعقودة على هذا الأمر من جهة والنتائج المتحققة على الأرض في مختلف أنحاء المعمورة من جهة أخرى، وتاليا يستوجب من أي دولة راغبة في تحقيق إنجازات أفضل في هذا المجال أن تضاعف جهودها وتتخذ جميع التدابير الآيلة الى ذلك، بدءا بالتدابير التشريعية إذا لزم الأمر.
يمتلك لبنان عددا من القوانين التي تتفق مع أحكام الإتفاق المذكور، وتساعد على "استرداد الموجودات"، ولكنها تحتاج إلى جهود تطبيقية حثيثة على أرض الواقع من جهة، وإلى نصوص تشريعية مكملة من جهة أخرى، لذا كان اقتراح قانون "إستعادة الأموال المتأتية من جرائم الفساد" الساعي الى "إضافة مكون رئيسي الى منظومة مكافحة الفساد في لبنان ومنع الفاسدين وشركائهم من التمتع بالأموال المحصّلة بسبب جرائمهم"، وفق ما جاء في الاسباب الموجبة لاقتراح القانون، وذلك من خلال:
- إزالة الإلتباس المفاهيمي السائد حول ما يسمى شعبويا "إسترداد الاموال المنهوبة" وإرساء مفاهيم وتعريفات واضحة في هذا الشأن تنسجم مع المعايير الدولية والقوانين اللبنانية.
- إنشاء آلية للتخطيط والتنسيق والمتابعة تجمع الجهات الرئيسية صاحبة الإختصاص التي تترتب عليها مسؤولية العمل على استعادة الأموال المتأتية من جرائم الفساد وجرائم تبييض الاموال الناتجة منها وإعطائها أيضا صلاحية اقتراح ما يلزم من مصالحات ولتيسير الإستعادة.
- إنشاء صندوق وطني مستقل لإدارة الأموال قيد الاستعادة والمستعادة وجعله منسجما مع "مبادئ سانتياغو" لصناديق الثروة السيادية والتوصيات المتعلقة بتطبيق اتفاق الأمم المتحدة في شأن إدارة الموجودات ومتطلبات تفعيل التعاون الدولي في هذا الشأن.
وقد جاء اقتراح القانون هذا بعد دمج اقتراحَي قانون تقدم بهما تكتل "لبنان القوي" والنائب سامي الجميل، وأقر بعد 4 اجتماعات عقدتها اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة خلال الفترة الواقعة ما بين 30/4/2020 و19/5/2020 برئاسة النائب ابرهيم كنعان ، وحضور عدد من اعضاء اللجنة التي بحثت بصورة معمقة في موضوع المصادرة المدنية للأموال وما يعادل قيمتها، وهي "فكرة جديدة لم تكن موجودة في الاقتراحين، حيث قد تتوافر لدى القاضي ادلة عن اموال تأتّت من جريمة فساد، او اموال استُخدمت في ارتكاب الجريمة، لكن من دون حسم كامل، وهذا سيتطلب نقاشا مستفيضاً، ولذلك تم الاتفاق على تحويل هذا الفصل الى اقتراح قانون خاص للبحث به في اللجنة لاحقا"، وفق ما أكد كنعان لـ"النهار".
وعرضت اللجنة في الفصل الرابع موضوع الصندوق الوطني، وبعد البحث والمناقشة تبين ان الدول تشترط وجود الصندوق لكي يتم استرداد الاموال من الخارج، واستعمالها لغايات تنموية محددة، ومشاريع متخصصة، ولذلك تم التوافق على وضع اطار عام للصندوق من دون الدخول في التفاصيل، ومن دون إثقاله بأعباء وتكاليف اضافية، على ان تصدر الآليات والحوكمة في مراسيم تطبيقية لاحقة عن مجلس الوزراء.
وبعد النقاش المعمق، اقرت اللجنة اقتراحَي القانون معدَّلين بإجماع الاعضاء الحاضرين واحالتهما على اللجان النيابية المشتركة لإقرارهما. وبإقرار هذا القانون، يصبح الأمل معقودا على جهود تطبيقه ووعي الجميع بأهميته وضرورة مساءلة القيّمين على تلك الجهود، وفق ما يقول كنعان "لأن من شأن ذلك أن يسهم بشكل فعال في جهود مكافحة الفساد على درب تحقيق التنمية المستدامة، وتلبية تطلعات اللبنانيات واللبنانيين في هذا الشأن، والتعبير عن انفتاح لبنان على التعاون الدولي ورغبته في بناء الثقة المتبادلة مع الدول الصديقة، بما يتماشى مع مقتضيات المعايير العالمية والممارسات الجيدة، ويتماهى مع مبادئ "المنتدى العالمي لاسترداد الموجودات" المتمثلة بـ "الشفافية والمساءلة، وتحقيق مصلحة الشعب المتضرر، واستخدام الموجودات في دعم مكافحة الفساد ومعالجة آثاره وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وإشراك الأطراف غير الحكوميين في الجهود ذات الصلة".
ووفق اقتراح القانون تنشأ "لجنة استعادة الأموال العامة المتأتية من جرائم الفساد وجرائم تبييض الأموال الناتجة منها"، ويشار إليها بـ "لجنة استعادة الأموال"، وتتولى المهمات الآتية:
- إعداد الاستراتيجيات والخطط بشأن استعادة الأموال عموما وأي مسألة أخرى ذات صلة معروضة عليها خصوصا.
- تنسيق ومتابعة أعمال استعادة الأموال بما في ذلك الطلبات الواردة في هذا الشأن من دول ومنظمات أجنبية أو تلك الموجهة اليها من لبنان.
- اقتراح استراتيجيات وآليات التفاوض، لا سيما الى هيئة القضايا لدى وزارة العدل والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بشأن التسويات والمصالحات والاتفاقات التي من شأنها أن تعجّل وتفعّل جهود استعادة الأموال من دون اللجوء بالضرورة الى المقاضاة، واقتراح الإجراءات الآيلة الى ذلك.
ويمكن اللجنة الإستعانة، عند الاقتضاء، بمن تراه مناسبا من أشخاص طبيعيين أو معنويين، لبنانيين أو أجانب، من أصحاب الإختصاص والخبرة والمشهود لهم بالكفاية والنزاهة بناء على سيرة ذاتية موثّقة، وتحديد اتعابهم. كما يمكنها أن تطلب من الادارة ما تحتاج إليه من معلومات ومستندات موجودة لديها، وعلى الاخيرة أن تمدها بها في مهلة 15 يوما من تاريخ تقديم الطلب، مع جواز تمديد هذه الفترة لمرة واحدة فقط، ولمدة لا تزيد عن 15 يوما، اذا دعت الحاجة.
تعقد "لجنة استعادة الأموال" جلسة علنية كل 3 أشهر حدّاً أقصى، مع المدعين ومقدمي الإخبارات في جرائم الفساد وممثلي الجمعيات المعنية بمكافحة الجرائم بغية إطلاعهم على أقصى قدر ممكن من المعلومات بشأن الملفات التي تعمل عليها اللجنة، والتشاور معهم في سبل تعزيز التعاون بشأن تطبيق هذا القانون.
صندوق لاستثمار الاموال المستعادة
وبالعودة الى إنشاء "الصندوق الوطني للأموال قيد الإستعادة او المستعادة"، فهو يتمتع بالشخصية المعنوية وبالإستقلالين المالي والإداري، ويرتبط بـ "وزارة المال" أو "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" لجهة الموازنة الخاصة بالصندوق، فيما يتولى هذا الصندوق إدارة واستثمار الأموال المتأتية من الجرائم المحددة في هذا القانون وسائر الجرائم الأخرى التي تمت استعادتها أو هي قيد الإستعادة، إضافة الى ما ينتج منها أو بمناسبتها من مداخيل وأرباح بحسب الأحوال، ويسهر على حفظ قيمتها وزيادتها عند الإمكان، الى حين صرف هذه الأموال: للمساهمة في تغطية نفقاته ونفقات "لجنة استعادة الأموال" و"الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" ومكافأة كاشفي الفساد وحمايتهم؛ ولتقديم ما يزيد من هذه الأموال، بشكل هبات، الى مشاريع الدولة الرامية الى مكافحة الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.
ويتمتع الصندوق بجميع صلاحيات إبرام العقود واتخاذ التدابير اللازمة على أنواعها مع أي جهة كانت، سواء في القطاع العام أو الخاص، في لبنان أو خارجه، بغية أداء المهمة الموكولة إليه بموجب هذا القانون بشكل فعال. وله تلقّي هباتٍ او مساعداتٍ من جهاتٍ داخليةٍ او خارجيةٍ، شَرط النشر والافصاحِ عن هويةِ الواهبين، ومع تحاشِي أي تضاربٍ للمصالحِ أو تأثيرٍ على سَيرِ عمَلِهِ.
ويمارس الصندوق في ما خص الأسهم والحصص في الشركات التي تكون قيد الإستعادة أو تمّت إستعادتها صلاحيات الشركات القابضة وفقاً لأحكام المرسوم الإشتراعي الرقم 45/1983 وتعديلاته، على ان تعفى جميع عمليات إدارة واستثمار ونقل ملكية الاموال قيد الإستعادة والمستعادة التي يجريها الصندوق، إضافة الى ما يرتبط بتلك الاموال من حقوق وما ينتج منها أو بمناسبتها من مداخيل وأرباح بحسب الأحوال، من جميع الرسوم والضرائب المستوجبة.
يرفع الصندوق تقريره السنوي الى مجلس النواب، فيما تخضع أعماله لرقابة ديوان المحاسبة اللاحقة، كما يكلف وزير المال، بناء على إنهاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وعملا بأحكام المادة 73 من القانون الرقم 326/2001، مدققا خارجيا مستقلا معترفا به دوليا لمراقبة حساباته.
ينظم الصندوق ونظام حوكمته، بما في ذلك شروط عضوية مجلس الإدارة وطريقة تسمية وتعيين أعضائه ومخصصاتهم وإدارته والقواعد المالية ونطاق الإستثمارات والمحظورات والمساءلة والشفافية، بما ينسجم مع "مبادىء سانتياغو" بشأن صناديق الثروة السيادية، وذلك بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزيري المال والعدل، وبعد إنهاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عند انشائها، وذلك في مهلة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ نشر القانون.