#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
عشرة أيام تفصلنا عن انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، واستلام الرئيس المنتخب جو بايدن الحكم رسمياً في البلاد. لكن وفي هذا الوقت المتبقي يخشى العديد من السياسيين والمراقبين، قيام الرئيس المنتهية صلاحيته دونالد ترامب ، بمغامرة عسكرية أخيرة، يقلب فيها الطاولة على الجميع، من خصوم الداخل والخارج.
إن مردّ هذا التخوف يعود إلى عدة أسباب: أولها طبيعة الرئيس ترامب المتهورة، والتي لا يمكن التكهن بتصرفاته. خاصة بعد كل ما اتخذه وفعله في الأعوام السابقة من قرارات وأعمال، تتوجت بدفع أنصاره لاقتحام مبني الكونغرس، وتعطيل جلسته، بهدف منعه من تصديق نتائج الانتخابات الرئاسية، التي ما زال يكرر أنه لم يخسرها، بل إن الفوز سُرق منه ومن حزبه. وانتشرت مؤخراً مقاطع فيديو، يظهر فيها الرئيس ترامب، وهو يراقب لحظة اقتحام أنصاره لمبنى الكابيتول، ويبدو واثقاً من أنهم سيتمكّنون من تعطيل عملية تصديق الكونغرس على نتائج الانتخابات، وفوز منافسه جو بايدن، لكنه فشل في تحقيق ذلك.
ثانياً: الرغبة الإسرائيلية الجامحة بالاستفادة من وجود الرئيس ترامب لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، بهدف القضاء على برنامجها النووي، الذي ترى فيه الخطر الأكبر على وجودها في المنطقة.
ثالثاً: الموقف الصعب الذي أصبح فيه الرئيس دونالد ترامب، بعد التهديدات الأخيرة التي تلقاها بالعزل، وتخوّفه من التعرض للمحاكمة بعد تركه السلطة، مما يجعله بحاجة ماسة لنفوذ اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، لإنقاذه من أي مأزق أو خطر قد يتعرض له. وهذا يجعله يُقدم على تنفيذ الرغبة الإسرائيلية، مقابل تلقي وعد بالمساعدة له لاحقاً.
رغم التعديلات الدستورية التي أجراها الكونغرس، لتعزيز دوره في رسم السياسة الخارجية، خاصة العسكرية، بقيت صلاحيته محدودة.
وشكّل إصدار «قرار سلطات الحرب» سنة 1974 أهم هذه القوانين. ولكن القرار بدلاً من أن يقيّد الرئيس، منحه صكًا للتدخل العسكري في أي مكان في العالم، ولمدة ستين يومًا، يحق بعدها للكونغرس إجباره على تغيير قراره، وسحب القوات العسكرية. لكن ذلك سيكون بعد هذه المدة أمراً متأخراً أو مرفوضاً شعبياً. وقد قاوم الرؤساء التقيد بمواد «قرار سلطات الحرب» باعتبارها غير دستورية، ورفضوا التخلي عن واحدة من أهم سلطات منصبهم، ألا وهي سلطة شن الحرب.
يُشكّل البنتاغون رمزاً للقوات المسلحة الأمريكية، التي تضم ثلاثة فروع رئيسية هي: القوات البحرية، القوات الجوية، والقوات البرية. ويتضمن هيكل وزارة الدفاع : مكتب وزير الدفاع، ورئيس الأركان المشتركة، وثلاثة أقسام عسكرية، وتسع قيادات، ومحقق عام، و١٥ وكالة دفاع، و٧ أقسام لمجالات النشاط.
إلى جانب وزارة الدفاع يوجد عدة مراكز ،أهمها مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية. وتلعب هذه المراكز دوراً مهماً في عملية صنع القرار في النظام الأميركي، وقد كانت بداية نشأتها في «مجلس العلاقات الخارجية فــي نيويورك»
ثم نشأت عشرات ومئات المؤسسات، والتي تحمل أسماء أصحاب أكبر المصالح (روكفلر ـ فورد ـ راند ـ كارنيجي.. وغيرهم). وتعزز دورها حتى أصبحت كل واحدة منها «شبه حكومة» تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي، وتمارس نشاطات غير محدودة، في مجالات؛ التفكير الاستراتيجي، ورسم السياسات، ومتابعة الأزمات، وكتابة التقارير، واقتراح الحلول، وأحياناً التفاوض.
وفي إطار هذه المراكز ظهر أبرز مفكري الاستراتيجية وصانعي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل: ماك جورج باندي (مستشار الأمن القومي في عهد كنيدي ـ من مؤسسة روكفلر)، وهنري كيسنجر (مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون ـ من مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك)، وزبجنيو برجينسكي (مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر ـ من مؤسسة بروكينجز)، وكوندوليزا رايس (مستشارة الأمن القومي للرئيس جورج بوش ـ من جماعة المشروع الأميركي).
بعد هجمات ١١ ايلول عام ٢٠٠١ أصبح موضوع الإرهاب هو القضية الأولى والشغل الشاغل للإدارة الأميركية، وأصبح التركيز على هذه القضية هو العامل الرئيسي، وأدّى ذلك إلى تزايد سلطة الرئيس في صناعة القرار، وارتفعت أهمية المستشارين الموجودين في البيت الأبيض، وأصبحت وزارة الدفاع صاحبة دور هام ومحوري في صناعة القرار، لأن قضية الحرب على الإرهاب أصبحت قضية أمن قومي، وقضية حرب وطنية. من هنا أصبحت القرارات وصناعتها مرتبطة بموافقة خبراء وزارة الدفاع.
لا يمكن لأية دولة أن تتخذ قراراً متهوراً بالحرب، فطبيعة الأعمال العسكرية تحتاج إلى دراسات، وتقييم للمخاطر، واستعدادات على عدة أصعدة. ويعلم أي رئيس دولة، أنه يحتاج إلى موافقة ودعم القادة العسكريين، لأي قرار يتخذه بالحرب. ولقد سبق لوزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر، أن رفض تنفيذ طلب الرئيس ترامب، بزج الجيش في قمع المظاهرات، ودفعه هذا الخلاف الى تقديم استقالته.
تُشير معظم المعلومات، أن القادة العسكريين في الجيش الأمريكي ودوائر البنتاغون، غير راغبين بشن حرب على طهران، كما أن مؤسسة الجيش والقوات المسلحة، قد لا تُنفّذ أي قرار بالحرب يصلها من الرئيس دونالد ترامب، خاصة بعد سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلسي النواب والشيوخ، اللذين سيعارضان بشدة أية مغامرة عسكرية، قد يلجأ إليها الرئيس المنتهية صلاحيته قبل موعد رحيله .
إن الجيش الأمريكي ليس فقط أقوى جيش في العالم، بل هو أكثر المؤسسات تنظيماً وتطوراً، ولا يمكن أن يقوم بأي عمل غير مدروس جيداً، كما أن جنرالات الجيش ليسوا أداة تنفيذية فقط، فهم أصحاب تأثير كبير في قرار السلم والحرب. ورأينا كيف لم يتم تنفيذ قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، أو غيرها من مناطق النزاع في العالم.ولقد أثبت البنتاغون، أنه مؤسسة قوية، وليس لعبة بيد الرئيس.
وبالرغم من كل هذه الوقائع والاحتياطات، فقد يكون البنتاغون مجبراً على الدخول في مواجهة عسكرية، وذلك في حال تعرّض القوات الأمريكية لهجوم مباشر، في أي مكان في العالم، أو في حال تعرّض إحدى الدول الحليفة لهجوم عسكري، خاصة إذا كانت هذه الدولة هي إسرائيل .
لقد أصبح احتمال أن يُدخل دونالد ترامب الولايات المتحدة الأمريكية في حرب مع إيران، أو أية دولة أُخرى ضعيفا جداً، ولكنه يبقى احتمالاً قائماً، طالما أنه ممكن بسبب عامل أو هجوم خارجي، قد تفتعله منظمة إرهابية أو إسرائيل وأدواتها .