#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
يحقُّ لنا نحن الشعب الذكيُّ أن نسألَ باستغرابٍ: هل فعلاً قررتمْ الرضوخَ للصحِّ والصحيحِ في النهايةِ، ووافقتم على رفعِ السرِّيةِ المصرفيّةِ عنكم، أم هي حلقةٌ جديدةٌ من مسلسلِ مناوراتكم الذي لا ينتهي؟
جميلٌ جداً أن توافقوا أخيراً على كشفِ المستورِ في حساباتكم وحساباتِ مصرفِ لبنان والإداراتِ والوزاراتِ، من أجلِ تسهيلِ التدقيقِ الجنائي، ولكن… اعذرونا، لا نستطيعُ أن نصدِّقَ أن نيّاتِكُمْ حسنةٌ؟
طبعاً، أنتم تعرفون. هناك سنةٌ لنتأكد. ومن الآنِ وحتى نهايةِ هذهِ السنةِ سيكون "مَن ضَرَبْ ضَرَبْ ومَن هَرَبْ هَرَبْ"..
وعلى الأرجحِ، عندما يكتملُ الانهيارُ ويهترئُ كلُ شيءٍ ولا يبقى أحدٌ "واقفاً على رِجليهِ"، لن يكونَ هناكَ بلدٌ ولا مؤسساتٌ للتدقيقِ فيها، فمَن سيكونُ بالُهُ في السؤالِ عن السرِّيةِ والتدقيقِ حينذاك؟
***
تعالوا نتكلم بهدوء، وبعيداً عن الشعبوية.
أولاً، وللتذكير، إذا أردنا أن ننجزَ معاملةً بسيطةً لمواطنٍ عاديٍ، فالأمرُ يستغرقُ أسابيعَ وأشهُراً وأحياناً سنواتٍ. فكيف نصدِّقَ أن كل أعمالِ التدقيقِ ستنجز في كلِ المؤسساتِ والإداراتِ، وسيكشفونَ الموبقات، خلال عامٍ واحدٍ فقط؟
ثانياً، هل تريدوننا أن نصدِّقَ أنَ نعمةَ الله وإرادةَ الخير قد انتصرتا فجأةً، فيما أنتم تستبيحونَ ودائعَ الناسِ وأموالَ الدولةِ، وتعطّلونَ "الكابيتال كونترول"، وتمارسونَ أنواع "الهيركات" لأخذِ ما تبقّى والتهرّبِ من المسؤوليةِ؟
ثالثاً، خلال عامٍ من رفعِ السرِّيةِ المصرفيّةِ، أين سيجري التدقيقُ الجنائيُّ المطلوبُ، هل في مصرفِ لبنانَ وحدهُ أم في الكهرباءِ والنفطِ والصناديقِ والاتصالاتِ وسواها أيضاً، وفجأةً صرْتم توافقون؟
رابعاً، والأهمُ: أين هي الشركاتُ التي ستقومُ بمهمّةِ التدقيقِ بعدما جرى "تهشيل" شركة "ألفاريز إند مارشال" ومنعها من القيامِ بمهمتها في مصرفِ لبنان؟ وطبعاً، إذا قرَّرتم تكليفَ شركاتٍ للتدقيقِ في الإداراتِ والمؤسساتِ والوزاراتِ والمرافق الأخرى، فعلينا أن ننتظرَ سنواتٍ وسنواتٍ للإقرارِ وإظهارِ النتائجِ!
***
يعزُّ علينا أن نصدّقكمْ ، ولكنَ المنطقَ وتجاربنا المريرةَ معكم تمنعنا من ذلك.
المنطقُ يقول: لو كنتم تريدونَ فعلاً رفعَ السرِّيةِ، بِنِيّةٍ سليمةٍ، وكشفِ "الصندوقِ الأسودِ"، بل الصناديقُ السودُ التي أوصلتْ البلدَ إلى الكارثةِ، لكنتم بدأتمْ بخطوةٍ واحدةٍ محدّدةٍ وعمليةٍ وتوصلُ إلى نتيجةٍ، ثم تتابعون الباقي تدريجاً.
وتجاربنا معكم تقول: إنكم جمعتم "بقايا" قوانينِ رفع السرِّيةِ في قالبٍ واحدٍ، و"كبَّرتمْ الحجرَ" حتى صار صخرةً هائلةً لا يمكنُ لأحدٍ أن يحملها ويرميها. وهكذا، سيبقى كلُ شيءٍ في مكانهِ… والفسادُ في مكانهِ أيضاً!
***
نقولُ عادةً: "عَيِّشْني لبكرا". فكيفَ تريدوننا المراهنةَ على مدّةِ سنةٍ؟
الظاهرُ أنكم تعرفونَ جيداً ما تفعلون، وما سيكونُ عليهِ الحالُ بعدَ سنةٍ.
آنذاك، ستكونونَ أنتمْ والفسادُ أحياءً و"تُرزَقونْ".. ولكن لا بلدَ ولا ناسَ ولا شركاتِ تدقيقٍ ولا مَن يدقِّقونْ.
إنها مسألةُ رفعٍ للعتبِ لا رفعٌ للسرِّيةِ المصرفيّةِ.