مقالات وأراء

لا تراهِنوا على حربٍ مُنضَبِطة

2020 كانون الأول 10
مقالات وأراء النهار

#الثائر

كتب الوزير السابق سجعان قزي في "النهار":

منذ زيارةِ الرئيس المِصري أنور السادات أورشليم (19/11/77) وانطلاقِ السلامِ العربيِّ/الإسرائيليّ، تَعطّلت المواجهةُ العسكريّةُ بين الدولةِ العِبريّةِ والدولِ العربيّةِ، وانحصَرت بين إسرائيل ومنظّماتٍ مُسلَّحة: حصلت في لبنان حربُ 1982 ضِدَّ منظّمةِ التحريرِ الفِلسطينيّة، وحربُ 2006 ضِدَّ حزبِ الله، وتتواصلُ حاليًّا في سوريا غاراتٌ إسرائيليّةٌ منتظِمةٌ ضِدَّ تنظيمِ الحرسِ الثوريِّ الإيرانيّ، وتجري الآنَ استعداداتٌ ضِدَّ حزبِ الله في الجنوب. وبعد مصالحةِ منظمةِ التحريرِ وإسرائيل، انحصَرَ الصراعُ بين إسرائيل وإيران (القوّةِ الإسلاميّةِ الـمُضافة) وعَـمَّ السلامُ "الوَدود" تدريجًا بينها وبين العربِ (القوّةِ الإسلاميّةِ الأساسيّة). جوهرُ الصراعِ السابق كان مصيرَ فلسطين، وجوهرُ الصراعِ الجديد مصيرُ الهيمنةِ الإيرانيّة.

اليومَ، يعودُ الحديثُ عن الحربِ في لبنانَ والشرقِ الأوسط كأنَّ الحروبَ تتعلّقُ بفصولِ السنةِ لا بمصالحِ الأمم. مراكزُ الدراساتِ سَبقت أركانَ الجيوشِ في وضعِ سيناريوهات الحربِ العتيدةِ، والإعلامُ سَبق الاثنين. اختلَفت مراكزُ الدراساتِ حولَ أسبابِ الحربِ ومَداها وأهدافِها، وأجْمعَت على أنَّ جميعَ عناصرِها جاهزة. آخِرُ تقريرٍ في هذا الشأنِ أصدَره "معهدُ دراساتِ الأمنِ القومي الإسرائيلي" (04/12/20)، كاشفًا أنَّ الحربَ ستَشمُل، إلى جنوبِ لبنان، سوريا والعراق وإيران، وأعطى انطباعًا بأنَّ إسرائيلَ تَشكو من نقاطِ ضعفٍ وستُمْنى بدمارٍ هائلٍ وشامل. حين نُدرك أنَّ هذا المركزَ يَضُمُّ كبارَ جنرالاتِ إسرائيل المتقاعِدين حديثًا ويُنسِّقُ مع القيادةِ الحاليّة، نَميل إلى الظَنِّ بأنَّ إحدى وظائفِ التقريرِ هي إيهامُ إيران وحزبِ الله بقدرتِهما على الانتصارِ لتشجيعِهما على بَدءِ الحرب و... الوقوعِ في الفَخّ.

في مرحلةٍ سابقة، لا إيران ولا إسرائيل كانتا تريدان الحرب، لكنّهما اليومَ تَدجَّنتا مع احتمالِ حصولِـها رغمَ أنّهما تَـخشيان نتائجَها وتَتهرّبان من مسؤوليّتِها. الحربُ تُدغْدغ مخيّلةَ المسؤولين الإيرانيّين للأسبابِ التالية: 1) يَظُنُّ الجَناحُ المتطرِّفُ أنَّ الحربَ ستُلحِقُ خسائرَ كبيرةً بإسرائيل، فتعطي إيرانُ بذلك دليلًا للشعوبِ العربيّةِ على إمكانيّةِ زوالِ إسرائيل، وما كان يَجدُر، تاليًّا، بالدولِ العربيّةِ أن تَتصالحَ معها وتَعترفَ بها. 2) استعادةُ جُزءٍ من التأييدِ السُنّيِ والعربيِّ الذي فَقدَته إيران كليًّا في السنواتِ الأخيرة. 3) اجتياحُ حزبِ الله الحدودَ الإسرائيليّةَ نحو الجليل فيُحقِّقُ إنجازًا لم يَسبِقْه إليه أيُّ جيشٍ عربيّ. 4) محاولةُ طهران استعادةَ دورِها في تقريرِ مصيرِ الشرقِ الأوسط بعدما بدأ تَمدّدُها يَتقلّص. فإيران صارت مُستهدَفةً في سوريا، ومرفوضةً في لبنان، ومُزعِجةً في العراق، ومُضْطرِبةً في الداخل، ومعزولةً دوليًّا. 5) التملُّصُ من باقي التزاماتِها بشأنِ التخصيبِ النووي.

أما إسرائيل، التي تبدو مستعدّةً لحربٍ تسعى إلى تحاشيها منذ سنوات، فتَعتقد أنَّها، عدا انتصارِها عسكريًّا، قادرةٌ على تحقيق ما يلي: 1) إسقاطُ مَقولةِ أنَّ إسرائيل فَقدت التفوّقَ العسكريَّ وصارت عِرضَةً إلى الهزيمة، فتُحْيي ثقةَ شعبِها بوجودِه الثابِت. 2) القضاءُ على الآلةِ العسكريّةِ لحزبِ الله الذي تعاظَم وتَحوّلَ جيشًا يُثير قلقَها. 3) تَغييرُ معادلةِ مفاوضاتِ ترسيمِ الحدودِ مع لبنان وفرضِ اتّفاقِ سلام. 4) ضربُ التمدّدِ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان وإعطاءُ دَفعٍ للحلولِ النهائيّةِ في هذه الدول. 5) ضَربُ المشروعِ النوويِّ الإيرانيِّ ووضعُ الإدارةِ الأميركيّةِ الجديدةِ أمام معادلاتٍ جديدة تَحِدُّ من خِياراتِها في التعاطي مع إيران. 6) تسليفُ روسيا خِدمةً في سوريا من خلالِ إراحَتِها من الوجودِ العسكريِّ الإيرانيِّ هناك. 7) بروزُ إسرائيل في موقِعِ القوة الإقليميّةِ القادرةِ على حمايةِ الأمنِ العربيّ، لاسيّما في الخليجِ، الذي يَشكو ضُعفَ الضماناتِ الأميركيّة. وهكذا، تَتشجَّعُ الدولُ العربيّةِ الأخرى على التطبيعِ مع تل أبيب. 8) الحصولُ على مساعداتٍ ماليّةٍ عربيّةٍ وتثبيتُ الشراكةِ الاقتصاديّةِ والنفطيّةِ مع دولِ الخليج. 9) تنفيذُ البنودِ الباقيةِ من "صفقةِ العصر"، كضمِّ المستوطناتِ والتوسّعِ في أراضي الضِفّةِ الغربيّة. 10) اختبارُ جيلِ الأسلحةِ الجديدةِ، الإسرائيليّةِ والأميركيّةِ، وبخاصةٍ طائراتُ إف ـــ 35 القادرةُ على بلوغِ إيران مباشَرة.

كل هدفٍ من هذه الأهداف، الإيرانيةِ والإسرائيليّة، يكفي لشنِّ حربٍ، لكنَّ مجموعَها يبقى ناقصًا لأنَّ أهدافَ الحربِ، حين تَتعدّدُ، يَضيعُ هدفُها الأساسيُّ وتَتضاءلُ فُرصُ وقوعِها. واللافتُ أنَّ عددًا من هذه الأهدافِ والأسبابِ يُمكِنُ أن يَجِدَ حلولًا سلميّةً في حالِ تَحلّى "أهلُ الصراع" بالمسؤوليّةِ الحضاريّةِ والإنسانيّةِ التي تُختَصرُ بإعطاءِ الأولويّةِ للتفاوضِ على القتالِ وللتعايشِ على الإلغاء. غير أنَّ طبيعةَ الصراعِ الوجوديِّ والراديكالي في لبنانَ والشرقِ الأوسط صارت عصيّةً على الحلولِ السلميّة، كما أنَّ تسوياتِها السلميّةَ السابقةَ نَفَدَ تاريخُها ولم تُحترم. وفي هذه الحال، يُشكِّل التغاضي عن معالجتِها فوضى أمنيّةً مُستدامةً تَفوق خسائرُها خسائرَ الحروب.

لقد تَخطّى أطرافُ الصراعِ خطوطَ التسوياتِ ووضعوا لبنانَ والشرقَ الأوسطَ أمام خِيارِ الحلولِ العسكريّة. إسرائيلُ قَضَت على الحدِّ الأدنى من الحقوقِ الفِلسطينيّة. القيادةُ الفِلسطينيّةُ تخلّت عن الحدِّ الأدنى من دولةِ فلسطين. العربُ تناسَوا الحدَّ الأدنى من ذاكرةِ القضيّةِ الفلسطينيّة. إيران أطاحَت الحدَّ الأدنى من سيادةِ دولِ الـمِنطقة. وحزبُ الله نَسفَ الحدَّ الأدنى من سلطةِ الدولةِ اللبنانيّة وعَرّضَ البلدَ إلى الانهيار. وحين تَتخطّى الأطرافُ الحدَّ الأدنى السلميَّ تجدُ نفسها أمامَ الحدِّ الأقصى العسكريّ.

ما يُقلِقُ هو أنَّ أطرافًا "مرشَّحين" للمشاركةِ في الحربِ يُراهنون على محدوديّتِها في الزمان والمكان ليُفْسِحوا في المجالِ لاحقًا أمام مفاوضاتٍ تُكرّسُ المعادلاتِ العسكريّةَ والمعطياتِ السياسيّةَ الجديدة. إنما لا أحدَ يَضمَنُ هذا الرهانَ، خصوصًا إذا شَملَت الحربُ الإسرائيليّةُ إيرانَ أيضًا. في الحروبِ المتعدّدةِ الأطراف، لا توجد رصاصةٌ منضبِطةٌ. لذلك خيرٌ ألّا تَنطلقَ الرصاصةُ الأولى ويلتزمَ جميعُ الأفرقاءِ الانضباطَ السياسيّ.

في كل الأحوال، حريٌّ بالشرعيّةِ اللبنانيّةِ أن تتّخِذَ الإجراءات الدستوريّةَ والسياسيّةَ والأمنيّةَ التي تَقي لبنان أيَّ حربٍ. وبَدءُ هذه الإجراءات: تأليفُ حكومةِ إنقاذٍ فورًا، التزامُ الحِياد، ودعوةُ حزبِ الله إلى إعفاءِ لبنان من مصائبَ جديدة.

اخترنا لكم
الرئيس سليمان: لم تمنع الدول تسليح الجيش لا بل عمل الداخل على الحؤول دون فرض سيادة الجيش على كامل الاراضي اللبنانية
المزيد
باسيل: نحن مع وقف النار ولسنا حلفاء حزب الله في بناء الدولة لكننا معه في مواجهة إسرائيل
المزيد
ذكرى الاستقلالِ وبورصةُ القرارِ 1701!
المزيد
جنبلاط: الوضع سيستمر بالتدهور بسبب الموقف الغربي.. وإيران من يتولّى المسؤولية في الحزب
المزيد
اخر الاخبار
الهيئات الاقتصادية وكنعان يطالبان باسترداد مشروع موازنة 2025
المزيد
الرئيس سليمان: لم تمنع الدول تسليح الجيش لا بل عمل الداخل على الحؤول دون فرض سيادة الجيش على كامل الاراضي اللبنانية
المزيد
نتنياهو يخطط لدخول العمق اللبناني إذا لم يقبل الحزب وقف النار
المزيد
المواجهات بين اسرائيل و"الحزب" متواصلة.. وإقامة مناطق عازلة في الجنوب؟
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
كرم: المستغرب مبادرات ظاهرها حضاري وباطنها انبطاحي ونتيجتها الغائية
المزيد
الراعي التقى ابراهيم والخازن ووفد الرابطة المارونية
المزيد
شهيب: كل الدعم والاحترام للجيش الابيض عنوان التضحية
المزيد
أبيض: من دون الأوكسجين سوف نخسر أرواحا عزيزة
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
راصد الزلازل الهولندي يحذر
علماء المناخ يحذرون من أن انبعاثات الوقود الأحفوري ستبلغ مستوى مرتفعا جديدا
مؤشرات علمية.. 2024 العام الأشد حرارة في التاريخ
روسيا.. ابتكار مواد جديدة تحارب جفاف التربة
الأمم المتحدة: نقص التمويل يعيق جهود التكيف مع تغير المناخ
روسيا.. ابتكار خبز خاص لمرضى السكري بمكونات بيولوجية نشطة