#الثائر
كتبت راجانا حمية في "الاخبار" تقول:
على وقع المرحلة التي تمرّ بها البلاد، يحاول مصرف لبنان أن يسير بالوتيرة نفسها. تعاميم متلاحقة، بلا فواصل زمنية طويلة، يفرض من خلالها المركزي قراراتٍ، غالباً ما تأتي على حساب الناس. وكان لافتاً أخيراً صدور التعميم رقم 573 الذي فرض بموجبه مصرف لبنان على الشركات المستوردة سداد المبالغ المتوجّبة عليها للمصرف بالليرة اللبنانية نقداً، لا بموجب شيكات مصرفية أو حوالات. وهو هدف من خلال هذا التعميم العمل على خفض السيولة بالليرة اللبنانية بما ينعكس انخفاضاً في الطلب على الدولار. ولكن، ما لم يكن في حسبان القيّمين على المركزي، أو ربما كان في حسبانهم من دون أن يعيروه اهتماماً، أن يكون التعميم هو الفتيل الذي يشعل النار. فمنذ صدوره أواخر الأسبوع الفائت، انتفضت غالبية الشركات المستوردة على مضمونه، ومنها شركات النفط قبل أن تتبعها الشركات العاملة في مجال المستلزمات والأدوات الطبية ومن خلفها المستشفيات.
لم يكن هؤلاء ينتظرون تعميماً كهذا. جلّ ما كان يعنيهم تسهيل مصرف لبنان لتحويلاتهم إلى الخارج. هكذا، كان صدور التعميم بمثابة «المفاجأة غير المنتظرة»، على ما تقول نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية، سلمى عاصي. مفاجأة تفرض على هؤلاء تأمين «fresh money» لفتح اعتمادات الاستيراد من الخارج، وهذا يعني عملياً، بحسب عاصي، «نسيان الـ40 مليون دولار المودعة لدى مصرف لبنان ومعها أكثر من خمسين مليار ليرة تأمين مجمّدة وتنتظر تحويلها». ماذا يعني ذلك؟ يعني «أننا أمام كارثة جديدة»، تقول عاصي، لناحية استحالة السير في التعميم لسببين أساسيين، أولهما أن الأموال العائدة للشركات محتجزة في مصرف لبنان «منذ أكثر من 4 أشهر». وثانيهما أن الجهات التي تتعامل معها الشركات «تدفع فواتيرها بواسطة شيكات مصرفية لا نقداً»، وغالبيتها الجهات الضامنة (وزارة الصحة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والطبابة العسكرية) والمستشفيات. من هنا، تعتبر نقابة المستلزمات الطبية أن ما فعله المصرف المركزي هو أنه خطا «خطوة غير مدروسة»، إذ أن من يتقاضى شيكات مصرفية لا يمكنه الدفع «كاش».
من هنا، أعطت النقابة مصرف لبنان مهلة 48 ساعة، قبل «اتخاذ القرار الذي تراه مناسباً». وعلى الأرجح سيكون القرار «وقف الاستيراد لعدم توفر المال النقدي». يأتي ذلك ليزيد طين الأزمة بلّة. ففي المقام الأول، تؤكد رئيسة النقابة بأن ثمّة خوفاً من المخزون، خصوصاً أنه «يُراوح ما بين أسبوعين وأربعة أشهر بحسب كل شركة». أما في المقام الثاني، فهو مترتبات ذلك التوقف على القطاع الصحي، لناحية نتائجه السلبية على المستشفيات وعلى الناس، الحلقة الأضعف في كل كارثة.
بتحليل بسيط، من المفترض أن ينعكس هذا الأمر توقف بعض الخدمات في المستشفيات، غير القادرة على الدفع «كاش»، ما يعني حرمان المرضى منها. وفي هذا الإطار، يشير نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، إلى أن «المستشفيات بدأت منذ أول من أمس بإلغاء حجوزات عدد من العمليات بسبب مطالبة المستوردين بأن ندفع لهم نقداً». ويسأل هارون: «كيف يمكننا أن ندفع نقداً فيما فواتيرنا نقبضها بشيكات مصرفية؟ وكيف يمكننا أن ندفع للدولة إن كانت هي لا تدفع مستحقاتنا؟».
الأزمة إذاً على تلك الشاكلة: مصرف لبنان يريد تحصيل الأموال من المستوردين نقداً. المستوردون لا يملكون «الكاش». والنتيجة التوقف عن الاستيراد، والمستشفيات أيضاً لا تملك وقد بدأت بـ«تشحيل» خدماتها. وبسبب هذه المشكلة المثلّثة، تحلّ اللعنة على المواطنين الذين سيخسرون طبابتهم.