#الثائر
- الاب ميشال عبود الكرملي
لم يأتِ المسيح إلى الأرض في رحلة مدّتها ثلاثة وثلاثين سنة، ولم يأتِ بزيارة تفقديّة لأشخاص كان قد خلقهم ليعرف أين أصبحوا من سر الخلق ويحاسبهم، بل أتى ليعيش إنسانيتنا بملئها ويعطينا إلوهيته لنحيا معه وعلى مثاله.
المسيح ولد مثلنا، عاش مثلنا، شاركنا بكل شيء ما عدا الخطيئة، واعتمد مثلنا كبشر. شارك البشر، تضامن معهم، نزل إلى نهرٍ نزلوا هم إليه، واعتمد كباقي الناس على يد إنسان مخلوق من يده. عندما وصل الى يوحنا المعمدان تعجّب هذا الأخير ومانعه، "أأنت الآتي إليّ، أأنت الّذي تعتمد على يدي، أنا المحتاج إليك...."، فما كان منه إلّا أن أوضح له عمق هذا السر: "دعنا أن نتمّ كلّ برّ"، اي دعنا أن نتمّ مشيئة الله... دعنا أن نتمّ سرّ الخلاص... وفي العماد، فهم المعمدان، ان هذا هو ابن الله، بسماع صوت الاب، ورؤية الروح القدس، انه الظهور الكبير، سر الثالوث الاقدس يغمر وجه الارض، وسر الابن يُبهر العيون "طوبى للعيون التي ترى ما انتم ترون". أدرك المعمدان بأن القدوس كخاطىء يعتمد، لا، إنه ليس كذلك، "إنه حامل خطايا العالم..."، تعمّد باسمهم، ومات من أجلهم، وقام وعاش بينهم، وهو الحي فيهم، وعمّدهم بالروح القدس والنار... وعندما سيسألوه: يا معلّم أين تقيم؟ سيكون الجواب، تعالوا وانظروا، تعالوا الى قلوبكم، تعالوا الى القربان، تعالو الى وجه كل فقير ومحتاج ومعوز... إني هناك...
المسيح هو نور الحياة المزعج الّذي أتى الى العالم، ما أغربه كلام. نعم، هو الحياة ومنه كانت الحياة، والحياة نور الناس... هو مزعج لأنّه هو نور، والنور يزعج من هم في الظلام ولا يريدوا ان تتأقلم عيونهم بهذا النور...فلا نخاف ان نزعج .من "ملئه نلنا نعمة على نعمة". ونحن الّذين قبلنا المسيح ودخل إلى حياتنا وآمنّا بأنّه هو ابن الله المتجسّد واعتمدنا بالماء والروح، مكّننا أن نصبح أبناء الله، مكّننا أن نرث ملكوت السموات، لأنه "إن لم يولد الإنسان من الماء والروح لا يدخل ملكوت السموات". فقد غيّرنا وبدّلنا فلم نعد نعيش لنكون تراباً في القبور بل أصبحنا أولاداً لله، غايتنا السماء. ما قبل المسيح كان يُكتب على باب القبور "هنا يرقد في ظلمة الموت"، وبعد المسيح أصبح يُكتب: "هنا يرقد على رجاء ونور القيامة". بالمسيح، فتحت ابواب السماء، "لانه لم يصعد الى السماء، إلا الذي نزل من السماء، وهو ابن الانسان. فهناك اصبحت أسماؤنا مكتوبة : "افرحوا لأن اسماؤكم مكتوبة في السماء..."
لسنا ميسحيين، على هامش الحياة، "ونص على نص"، كثر هم الناس الّذين يدخلون الكنائس وتكتظ بهم في الأعياد والمناسبات، كثر هم الّذين يحاولون الدفاع عن كنائسهم وعن صليبهم ومسيحيتهم بتعصّب مندفع إلى حدّ العمى. المطلوب هو تغيير جذري ندخل به في عمق الأرض كحبة الحنطة الّتي تقع في الأرض، نموت عن ذواتنا لنحيا في المسيح، نضحي بكياننا لنعيش معه، فتثمر أعمالنا ويتمجّد اسم الآب،" إنما يتمجّد به أبي وأن تثمروا ثمراً كثيراً وتكونوا تلاميذي"،
نعم، تغيّرنا بالمعموديّة فأصبحنا أبناء الآب، امتلأنا منه، هلمّوا فلنغيّر العالم، نحن مدعوون لنكمل الرسالة. لا نخجل به، لا نخجل بكلمته بل لنُعلم بكل شجاعة انها هو ابن الله، لقد آمنّا به وجئنا نبشركم، لا ندلّ على ذواتنا إنّما ندلّ عليه هو المسيح الحي له المجد آمين.