#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
حمل الرئيس المكلف مصطفى اديب كتاب الاعتذار معه منذ أسبوع عندما زار قصر بعبدا، لكنه تريّث بعد أن طلب منه رئيس الجمهورية ذلك، إفساحاً في المجال لمزيد من التشاور.
قدم الحريري مبادرة «تجرّع السّم» كما أسماها، وقضت بالموافقة على طلب حزب الله الذي تولى إعلانه الرئيس نبيه بري، بالتمسك بحقيبة المال للشيعة، واقترح الحريري أن تُسند المالية إلى شخصية شيعية يُسميها الرئيس المكلف.
اجتمع الرئيس المكلف أول أمس بالخليلين، وأبلغاه الإصرار ليس فقط على حقيبة المال ، بل على تسمية الوزراء الشيعة. فذهب أديب أمس إلى القصر الجمهوري وأعلن اعتذاره.
فماذا حصل؟
كان الإيرانيون ينتظرون موقفاً فرنسياً حاسماً من موضوع العقوبات، لكن الأميركي ليس في وارد مسايرة الفرنسي، وغير مهتم بانجاح مبادرته في لبنان، فحساباته الشرق أوسطية مختلفة عن الأجندة الفرنسية.
أعلنت الخزانة الأميركية، في الثامن من هذا الشهر، فرض عقوبات على وزير المالية السابق علي حسن خليل، اليد اليمنى للرئيس نبيه بري، وعلى وزير الأشغال العامة السابق يوسف فنيانوس، المحسوب على سليمان فرنجية، والذي تربطه علاقة وثيقة بوفيق صفا.
ثم جددت الولايات المتحدة الأميركية الأثنين الفائت، فرض العقوبات على إيران لمدة ثلاثين يوماً. وجاء الموقف الفرنسي مماهياً وليس على قدر الآمال الإيرانية. وكان تشكيل الحكومة في لبنان قد تأخر بعد موقف حزب الله، الذي أعلنه نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، عندما قال: «نحن نريد حكومة سياسية» فنسف بذلك المبادرة الفرنسية التي قامت على أساس تشكيل حكومة إنقاذ غير سياسية.
بعد العقوبات الأميركية ومنذ ثلاثة أيام، وصل وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف إلى موسكو، وهناك ناقش الرد على العقوبات الأميركية مع الروس، فطمأنه لافروف أن موسكو لن تسمح بتمرير قرار العقوبات على إيران في مجلس الأمن، كما أنها لن تتقيد بعد الآن بالعقوبات الأميركية التي طالت موسكو أيضاً.
في المؤتمر الصحفي المشترك ركّز ظريف على حل مشكلة اليمن وأفغانستان وسوريا، ولم يذكر لبنان، فيما أشارت الأنباء الواردة من موسكو إلى أن ظريف تحدث مع لافروف بشكل عرضي عن لبنان، فروسيا في الحقيقة منشغلة في سوريا وليبيا، ولبنان ليس في قائمة الأولويات لديها.
بعد الزيارة عرّج ظريف على لبنان في زيارة خاطفة، لم يجتمع خلالها مع أحد من المسؤولين الرسميين، وتم إبلاغ القرار الإيراني إلى من يعنيهم الأمر، وهو الاستمرار في المواجهة وعدم تقديم هدايا مجانية للأميركي، فسقط مشروع حكومة الإنقاذ الحيادية.
قال مصدر مسؤول للثائر: أن حقيقة الأمر أن مشكلة تشكيل الحكومة اللبنانية لم تكن في وزارة المال، بل حتى لم تكن لبنانية، فهي في الأصل مرتبطة بحسابات خارجية إقليمية ودولية، وهذا ما ألمح إليه أيضاً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في تغريداته على تويتر.
إن كل ما أثير من جدل حول التوقيع الثالث، وحق الطائفة الشيعية به، عبر وزارة المال، وعن الطائف والمثالثة وغير ذلك، كان من باب التلهي فقط، وبعيد عن حقيقة ما يجري، وتبين أن لبنان لا يحتاج إلى ثلث معطل في الحكومة، فشخص واحد قد يُعطل البلد بكامله.
ويستشهد المصدر بالقول: ماذا لو اتخذ مجلس الوزراء قرارا بأكثرية الثلثين؟ فهل يحق عندها لوزير المالية رفض القرار وعدم التوقيع؟ بالطبع وفقاً للدستور وتطبيقاً للديمقراطية يكون وزير المالية ملزم بالتوقيع على قرارات مجلس الوزراء، ويحق له تسجيل اعتراضه في محضر جلسة مجلس الوزراء فقط، لكنه ملزم بتوقيع القرار وتنفيذ، ولا يمكنه رفض التوقيع، وإلّا يكون قد خالف النظام الداخلي لمجلس الوزراء، وخرق الدستور، وهذا يُعرضه للمساءلة القانونية. وانطلاقاً من ذلك فإن التمسك بوزارة المال باعتبارها التوقيع الثالث على قرارات الحكومة، هو غير صحيح ولزوم ما لا يلزم.
ويتساءل المصدر هل فعلاً كان الرئيس المكلف مستقلاً؟ ألم تتم تسميته من قبل تيار المستقبل ورؤساء الحكومات السابقين؟ ولماذا كان هذا الإصرارعلى تشكيل حكومة دون التشاور والتوافق مع الكتل النيابي؟ وهل كان المقصود من وراء ذلك فرض أمر واقع على الأطراف الأخرى بحجة الأزمة المالية؟
أولم يكن سعد الحريري يتدخل في تشكيل الحكومة، وهو من اقترح الحل بتسمية شيعي لوزارة المال من قبل الرئيس المكلف؟؟؟ ألم يتجاوز سعد الحريري صلاحيات الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ؟ وإذا كان يحق له ذلك فلماذا هذا ممنوع على باقي الطوائف والأحزاب؟
إن الثابت من كل ما حصل أمران:
الأول أن الأطراف السياسية اللبنانية كما وصفهم المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش، بأنهم غير مهتمين بمصالح شعبهم وبلدهم، ويقدمون مصالحهم الشخصية ومصالح الدول الخارجية على مصلحة الوطن.
الثاني أن لبنان دخل في لعبة الأمم، وأن أي استحقاق دستوري فيه سوف يحتاج إلى توافق دولي، يبدو أنه متعذراً حتى الآن.
كل الحلول في المنطقة مؤجلة بانتظار ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية، وقد أعلن الرئيس الحالي دونالد ترامب، أن نتائج الانتخابات قد لا تُحسم في وقت قريب. وتُرجّح مصادر أميركية، أن ترامب لن يغادر البيت الأبيض قريباً، فبالرغم من أن استطلاعات الرأي تعطي تقدماً لبايدن بحوالي عشر نقاط، إِلَّا أن التجارب أثبتت أنه لا يمكن الركون إلى هذه الاستطلاعات، كونها جزء من المعركة الانتخابية أكثر مما هي حقيقة، كما أنها قد تلعب دوراً عكسياً، بحيث تُحفّز أنصار ترامب على المشاركة بكثافة في الانتخابات، فيما يتراخى أنصار بايدن.
كما يقول المصدر الأميركي: أن الحزب الديمقراطي تراجع في السنوات الأخيرة في أميركا، وبات الجمهوريون يسيطرون على مجلسي الشيوخ والنواب، كما أن بايدن شخصية أضعف من أن يواجه ترامب، الذي فاز برضى إسرائيل والجالية اليهودية، خاصة بعد الإعلان مؤخراً عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتين عربيتين.
ويضيف المصدر: أن الإدارة الأميركية لن تبدّل سياساتها الخارجية في الشرق الأوسط، في حال فوز بايدن، لذا من الأفضل عدم الرهان على ذلك. وبالنسبة للبنان الوقت يضيق، والبلد على شفير الأنهيار التام، والتحول إلى النموذج الفنزويلي، وعندها لن ينفع اللبنانين من يسمي الوزراء، أو من يحصل على هذه الحقيبة أو تلك، لأن البلد سيغرق في دوامة صراعات متعددة، سيصعب انتشاله منها، سوى بأثمان باهضة، سيدفعها الجميع دون استثناء.