#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
منذ قرابةِ الشهرِ نشر أحدُ أمهرِ الأطباء ، وهو في المناسبة رئيس مجلس إدارة أشهر المستشفيات في بيروت ، صورةً له في دبي وهو في مرحلةِ استعدادهِ لأنشاء فرع لمستشفاهُ في دبي .
***
منذ اسبوعين وصل إلى بيروت رئيس إحدى الدول الافريقية ليُعالَج من فيروس كورونا في أحد مستشفياتها على يد طبيبٍ لبناني ذائعِ الصيتِ ، هذا الطبيب نشر صورة لابنه بعدما تخرج طبيباً في جراحة الاعصاب في إحدى اهم جامعات أميركا .
***
ما سبق هو عيِّنةٌ عن الواقع الطبي والاستشفائي في لبنان قبل الإنهيار الكبير :
الواقع هو أن لبنان كان مستشفى الشرق الأوسط وأن أطباءه من أمهر الأطباء في الشرق وحتى في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية .
لكن اليوم بدأ هذا الواقعُ يتغيَّرُ :
مئاتُ الأطباءِ يُحضِّرون ملفاتهم وإفادات استعداداً لمغادرة البلاد، بعدما تسابقت الدول العربية ولاسيما الخليجية منها وكذلك دول افريقية واوروبية واميركية ، على توظيف الأطباء والممرضين اللبنانيين، وكل العاملين في القطاع الاستشفائي، بالنظرإلى مستوياتهم العلمية وخبراتهم الكبيرة، فالطبيب اللبناني مثله مثل أي اختصاصي يعاني أزمةً ماليةً وأزمةً مع المستشفيات في ظل واقعها الحالي وأزمة مع المرضى في ظل عدم القدرة على سدادِ أتعاب الطبيب ، كما انه واقع في شبه حصارٍ حيث انه كان يسافر أكثر من مرة في السنة للمشاركة في مؤتمراتٍ علميةٍ وطبيةٍ وعلاجيةٍ ، لكن هذه السفرات توقفت لأن الشركات التي كانت تتولى تمويلها قد توقفت بدورها وتستعد للمغادرة إلى بلدان أخرى .
***
الخطيرُ الخطيرُ في الموضوع أن الهجرة هي للأطباء ذوي الشهاداتِ العاليةِ من أهم جامعاتِ العالم ومن أهم الإختصاصات، يكفي ان نذكر ثلاثةَ مستشفياتٍ عريقةٍ ليعرف القارئ حجمَ الكارثةِ:
مستشفى الجامعة الأميركية ، مستشفى الروم ، مستشفى أوتيل ديو بالإضافة إلى غيرها من المستشفيات .
الأطباء الذين يستعدون للهجرة يعلّلون الأسبابَ التي تبدو مقنعةً :
لا حقوقَ مؤمنةً لهم .
أحياناً يتم تقاضي بدل الأتعاب بعد فترةٍ طويلةٍ .
لا نظامَ تقاعدٌ يكفي الطبيب .
***
وفي الأرقام المخيفة ان قرابة الخمسةِ آلاف طبيبٍ هاجروا من لبنان في السنوات الاربع الاخيرة ، منهم خمسمئة طبيب هاجروا منذ مطلع هذه السنة .
وكثيرون من الأطباء يعلّلون سبب الهجرة إلى ان اموالهم محتجزةٌ في المصارف ولا يستطيعون التصرف بها وسحبها ، فلماذا يبقون؟ وماذا ينتظرهم بعد ؟
***
إلى مَن ستُخلى الساحةُ ؟
الخطيرُ في الموضوع أنها ستُخلى إلى اطباءٍ تخرجوا من جامعاتٍ غير معروفةٍ إلى درجةٍ ان طلبات انتسابهم إلى نقابة الأطباء قد رُفِضَت ، فهل مع هجرةِ أشهر الاطباء من أعرقِ الجامعات والمستشفيات، تُخلى الساحة لهؤلاء؟
***
لا يقتصرُ الامر على الأطباء ، بل يتجاوزه إلى الممرضين والممرضات . في لبنان ما يناهز الــ 16 ألفاً بين ممرضٍ وممرضة، يواجهون المعاناة ذاتها ، لا بل اكثر ، التي يواجهها الاطباء ، فلماذا يبقون ؟
أن هجرة العاملين في قطاع التمريض بلغت مستوياتٍ غير مسبوقةٍ نتيجةَ الرواتب المنخفضة، أو عدم تقاضي الرواتب، والإجازاتِ غير المدفوعةِ إضافة لظروف العمل غيرِ الآمنةِ والسليمةِ .
في المقابل تزداد طلبات التمريض في العالم بعد تفشي كورونا ، والممرضون والممرضات في لبنان أثبتوا كفاءاتً عاليةً .
***
إزاء هذا الواقع ، نحن امام نزيفٍ حقيقيٍ في هذه القطاعات الحيوية،لا احد يريد ان يعمل في لبنان .
أحدُ المعِ الأطباء اللبنانيين في فرنسا تلقى اتصالًا من بيروت يعرض عليه حقيبة وزارة الصحة ، لكن الطبيب اللامع رفض بلباقةٍ مبدياً استعدادهُ للمساعدةِ في القطاع الطبي لكن من دون ان يتبوأ وزارة الصحة .
حين يصل الأمر ببعض اللبنانيين المغتربين أن يرفضوا مناصبَ عليا في البلدِ ، نعرف في أي هاويةٍ سحيقةٍ نحن .