#الثائر
- " د. ميشال الشمّاعي "
بدت لافتة كلمة رئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع في قدّاس شهداء المقاومة اللبنانيّة الأحد 6 أيلول، إضافة إلى ما واكب هذا القدّاس من تحضيرات لوجستيّة وإعلاميّة أثارت إعجاب الجميع. لتأتي كلمة " الرّجل" هذه السنة حاملة أبعادًا مختلفة في ال Micro وفي ال Macro. ولم ينسَ جعجع في كلمته هذه أيّ فاصلة من تفاصيل المشهد السياسي اللبناني، لا سيّما التّفاهمان: الشؤوم والمطعون.
ولا بدّ من الاشارة في السياق عينه إلى شعار قدّاس هذه السنة حيث تمّ اختصاره بكلمة واحدة :" باقيين". فهذه العبارة تحمل دلالات وجوديّة خاصّة بالمكوّن المسيحي الذي بيعتبر جعجع اليوم ممثّل القسم الأكبر منه، بعد تراجع شعبيّة التيّار على أثر ما نجم من ممارسات فاسدة في الحكم. فهذه العبارة تختصر حضارة شعب قرّر المقاومة والصّمود وعدم الرّحيل، لذلك الدّعوات التي أطلقت سابقًا لهجرة من لا يعجبه الواقع السياسي اليوم أسقطها جعجع بالضربة القاضية في اختياره وفريق عمله هذه العبارة الشعار لما حملته من دلالات سياسيّة واضحة المعالم.
إلى ذلك، حملت أيضًا هذه العبارة دلالات واضحة إلى كلّ من تسوّله نفسه لضرب المكوّن المسيحي لحساب أيديولوجيّة لا تمتّ بصلة إلى الكيانيّة المسيحيّة بشيء. فتاريخ الوجود المسيحي في هذه الأرض يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالحريّة التي نجحت المجموعة الحضاريّة المسيحيّة بجعلها حريّة كيانيّة ارتقت بها من المفهوم المسيحي الوجودي البحت إلى المفهوم الكياني الوطني اللبناني العام، حتّى صارت الحريّة توأم لبنان الوجودي. فلا تستطيع أن تكون لبنانيًّا صميمًا وتستغني عن حريتك لصالح أيديولوجيّتك.
من هنا نفهم لماذا جعجع تطرّق في خطابه إلى التفاهمين. ففي مار مخايل تنازل قسم من المسيحيّين عن هذه الحريّة الكيانيّة الشخصيّة لصالح أيديولوجيّة ولاية الفقيه، وأخذوا معهم قسمًا كبيرًأ من جمهورهم الذي استفاق بعد مضي أكثر من عقد على هذا التفاهم. لم يتنبّه وقتها هؤلاء إلى أنّ أي ضرب لوجوديّة الدولة اللبنانيّة سيعني حتمًا ضربًا لوجودهم الكياني. وهذا ما تجلّى في البند العاشر من التفاهم الذي يحمل عنوان حماية لبنان وسيادته ولا يأتي إطلاقًا على أيّ ذكر للجيش اللبناني، لكأنّه غير موجود في أجندة هؤلاء. مع الاشارة إلى تغييب هذا البند لكلمة مقاومة التي يتغنّون بها، واستعماله حصرًا عبارة " سلاح حزب الله" للدفاع عن لبنان إلى أن يزول خطر إسرائيل. فبغموض هذا البند صار سلاح الحزب سلاحًا أبديًّا.
أمّأ في معراب فالأمر مختلف تمامًا حيث ظهّر جعجع حقيقة الهدف الوصولي الذي تمّ من ورائه استخدام هذا التفاهم؛ لكن بدا جليًّا تركيز اهتمام الرجل على المصالحة الوجدانيّة بحدّ ذاتها على قدر تركيزه على الشقّ السياسي من هذا التفاهم. فبدا جعجع الحريص على طيّ صفحة الخلاف المسيحي – المسيحي إلى الأبد. وهذه مسألة يشهد له فيها للتاريخ، فإرث الدّم ثقيل جدًّا، ولنا في التاريخ أمثلة كثيرة بلغت من العمر أكثر من ألف سنة، وما زالت حتى يومنا هذا تتأجّج عند كلّ مفصل سياسي أو حتّى اجتماعي بسيط. فهذا ما لا يريده جعجع للمجتمع المسيحي.
أمّا ما خسره بالسياسة من جرّأء هذا التفاهم، فهو سخيف جدًّا ولا قيمة لديه في حسابات الرّجل لأنّه يعوّض في أيّ لحظة يتلقّفها الشارع المسيحي الذي يجدّد نفسه بنفسه في كلّ مرّة. وهذا ما يعوّل عليه القوّات لا سيّما في الانتخابات المرتقبة، أكانت نيابيّة أم رئاسيّة؛ فالكلمة الفصل ستكون له لأنّه استطاع أن يصوّب المسار الكيانيّ للمكوّن المسيحي ويعيده إلى ريادة الكيانيّة اللبنانيّة، لا سيّما بعد المواقف التي صدرت من حلفائه الاستراتيجيّين الذين عادوا اليوم بفضل القوّات إلى صلب الكيانيّة اللبنانيّة. ويبقى الانتظار سيّد الموقف في مرحلة ما بعد خطاب جعجع في السادس من أيلول.