مقالات وأراء

يا عذرا…

2020 آب 15
مقالات وأراء

#الثائر

- " عبد الهادي راجي المجالي " *

… أمس كنت أتابع تسجيلاً للانفجار في بيروت وهو عبارة عن رجل يخبر زوجته عن الدخان المتصاعد من المرفأ ويتحدث إليها، وأثناء الحديث… ينطلق دوي صوت الانفجار المهول… ثم تبدأ الزوجة بالصراخ: (يا عذرا… يا عذرا… احمينا… احمينا).

الجملة ذاتها سمعتها أيضاً في حرب (2006)، حين كانت «إسرائيل» تقصف جسراً، في بيروت، ومن أسفل الجسر مرّت سيدة مع أولادها، وحين حدث الانفجار… صرخت بكلّ جوارحها: (يا عذرا احمي اولادي… يا عذرا).

أنا أنحاز إلى لبنان، أنحاز للعيون هناك وللجدائل وللبنات، أنحاز للشباب الذين حملوا دمهم والجراح ومضوا يسعفون الأهل… لأنّ هذا الانفجار بيّن لي حقيقة واحدة، وهي أنّ الأحزاب ليست هي الملتجأ في لحظة الموت والدمار، وأنّ الطوائف ليست هي عنوان الحياة السياسية… وأنّ السلاح لا يجدي نفعاً لحظة صعود الروح… وأنّ التكتلات والتوافقات ليست هي المخرج للقلق الذي أنتجته الحياة السياسية… في لبنان هنالك مخرج واحد وطريق واحد وهو: (العذرا)… التي انتصبت أيقونتها أو تمثالها على سفح جبل في بيروت… فقد كانت في قلب تلك الأمّ اللبنانية التي صرخت… هي المخلصة، وهي درب النجاة، وهي الحلّ الأوحد والأخير.

كم من أمّ لبنانية لحظة الانفجار صرخت بهذه الجملة: (يا عذرا احمينا)… لقد نادوها بالعربية اللبنانية الحنونة الجميلة، ولم ينادوا على العذرا بالفرنسية أو الإنجليزية، فالمسيحي اللبناني من بطرس البستاني وحتى أنطوان سعاده مرورا بجبران… حين كان يشعل شمعة بالقرب من أيقونة مريم، لم يكن يشعلها لأجل الصلاة فقط… وإنما لينير درب العروبة أيضاً، بالمعرفة والنضال… ولكي يصنع لنا بين الأمم مكاناً، لا نتصدّر فيه عبر الدم والقتل والذبح… بل نتصدّر فيه عبر الكتاب والتنوير وفضاءات التسامح والعلم…

انا لا يعنيني الانفجار، ولكن يعنيني العنوان… والنساء حين تبكين بدموعهن تصنعن عناوين المرحلة، والعنوان كان أمس في لبنان: (يا عذرا احمينا)… وأعرف أنّ تلك المرأة حين صرخت بهذه الجملة، أعرف أنّ النداء وصل مريم العذراء وأعرف أنها لم تكن تطلب النجاة من مريم للمسيحين وحدهم، بل كانت تطلب النجاة للدروز والأرمن… للشيعة والسنة، للاجئين والمقيمين… للعشاق الذين ابتدأوا لحظات الحب على رمل بيروت، وكان الرمل يصعد للخطى وليست هي الخطى من تؤسّس فيه أثر العشق… للتائهين، للحيارى… لبنان في لحظة الدم تتوحد فيه الأوردة كلها، ويصبح مصبّها واحداً…

لا تقرأوا لبنان الكبير، الحبيب، العظيم… من زاوية (أليسا)، ولا من زاوية (نانسي عجرم) ولا من زاوية (فاتنات الشاطئ) بل اقرأوه… من زاوية بكاء أمّ نادت مريم العذراء في لحظة دم… وصرخت في حضنها بكلمة: (احمينا)… تلك الأمّ بالأمس كانت أبلغ من كلّ إذاعات العرب، من كلّ محطات التلفزة لديهم… من كلّ وزراء الإعلام، وأوجعت قلبي إلى الحدّ الذي تمنّيت، لو كنت هناك… وأصلي على شاطئ البحر، وأطلب منه أن يكون حنوناً على بيروت، فهي العاصمة العربية التي قسونا عليها كثيراً… ورفضت أن تقسو على العرب، بل حملتهم على كفها… وعلمتهم اللحن والحرف والحياة… وعلمتهم كيف تكون العروبة منهجاً وعقيدة ودرب حياة…

أنت لبنان المتفرّد في الحب، وأنت لبنان… الذي تستعذب الروح طعم الوجع فيه… نعم لبنان هو الوطن الوحيد في الدنيا الذي للوجع فيه حلاوة، وأنت لبنان الذي علم الدنيا الوتر واللحن… وعلمها الثورة والطلقة والنضال… وأنت لبنان الذي كلما قدّم ضحية، أصرّت الأرض أن تنتج ألف وردة، وأنت لبنان… الذي يمشي وينزف ومع كلّ قطرة دم، يطلق ألف ابتسامة… وأنت لبنان… الذي أنتج لنا فيروز… وفيروز كانت أجمل من كلّ صباحات العرب… وأنت لبنان… يكفيك شرفاً أنّ اسمك وحده، حين يُذكر على مسمع الرجال… تهتز فيهم الأوردة… حتى في الحزن أنت عملاق… ماذا أبقيت لنا أيها العملاق؟

- " انفجار بيروت "

- " بيروت مدينة منكوبة "

*صحافي وكاتب أردني

اخترنا لكم
"عملية الزر الأحمر".. عميلان للموساد كشفا تفاصيل مثيرة
المزيد
ماذا أهدى وليد جنبلاط إلى أحمد الشرع؟
المزيد
هل يحتاج انتخاب قائد الجيش إلى تعديل الدستور؟
المزيد
أرز الشوف: إنجازات رغم الصعوبات ورؤية واعدة للمستقبل
المزيد
اخر الاخبار
"ويخلقُ اللهُ ما لا تعلمونَ"!
المزيد
"عملية الزر الأحمر".. عميلان للموساد كشفا تفاصيل مثيرة
المزيد
جعجع: العيد هذا العام يحمل طابعاً مختلفاً.. افرحوا!
المزيد
"حزب الله": نكثّف جهودنا جنوباً في ملف التعافي من آثار الحرب
المزيد
قرّاء الثائر يتصفّحون الآن
الفرزلي: الاحتياط الالزامي لأصحاب الودائع والمس به مرفوض
المزيد
فرنجيه من بكركي: اقوم بما يمليه علي ضميري وعروبتيي ومسيحيتي ووطنيتي
المزيد
فرنجيه امام وفد نقابة محرري الصحافة: يختلفون على كلّ الامور ويتّفقون ضدّي.. هل يخافون من رئيس ينجح؟
المزيد
إسرائيل مردوعة أم… تراوغ؟
المزيد
« المزيد
الصحافة الخضراء
أرز الشوف: إنجازات رغم الصعوبات ورؤية واعدة للمستقبل
كشافة البيئة نظمت في عيّات ورشة "تنمية مهارات العرض والإلقاء والتقديم"
إحذروا هذه الأشياء قد تكون خطر للغاية، ملكي: لألزام المؤسسات الزراعية، بالحصول على رخصة باشراف ورقابة مهندسين زراعيين!
رصد ظاهرة غامضة في قاع البحر الميت.. ما هي المدخنات البيضاء؟ (فيديو)
البنك الدولي يشيد بجهود الإمارات في معالجة التحديات المناخية
لماذا ينصح بشرب كوب من الماء الدافىء قبل تناول الطعام؟