#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
لم تعد حكومة دياب قادرة على الصمود، وهي تتوالى استقالات الوزراء منها. وما حصل بعد استقالة وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي، من تعيين سريع للبديل، أصبح غير ممكناً الآن، لأنه يحتاج إلى انتحاريين يصعب إيجادهم، في مرحلة السقوط السريع لهذه السلطة. وبات مؤكداً أنها ستسقط بسحب الثقة منها في مجلس النواب، إذا لم يبادر رئيسها إلى الإستقالة قبل جلسة المجلس .
بالرغم من تمسّك رئيسي الجمهورية والحكومة باستمرار الحكومة وعدم استقالتها، لكن الضغط الشعبي والسياسي الداخلي، ورفع بعض الأطراف الأساسيين الغطاء عنها، إضافة إلى الضغوطات الخارجية، جعلا بقاء هذه الحكومة أمراً مستحيلاً. وما قاله الرئيس الفرنسي ماكرون خلال زيارته لبيروت واجتماعه مع الزعماء اللبنانيين، كان واضحاً: ستأتي المساعدات إلى حكومة مستقلّين تحظى بثقة الشعب، وحدد مهلة أسابيع حتى أوائل أيلول لإنجاز ذلك، وإلا سيُترك لبنان لمصيره الأسود .
أقنع ماكرون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوجهة نظره، وبأن العقوبات يدفع ثمنها اللبنانييون وليس حزب الله . وشاركت عدّة دول في مؤتمر المساعدات العاجلة إلى اللبنانيين، والتي تم وضعها تحت إشراف الأمم المتحدة، ولن تُسلّم إلى حكومة دياب .
استقال النائب مروان حمادة، وكرّت سبحة استقالات النواب، لكن هذه الاستقالات تختلف عن استقالة الوزراء وفقاً للقانون. فإذا كان يمكن قبول استقالة الوزير وتعيين بديل عنه من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة فوراً وفقاً للمادة ٦٩ من الدستور، إِلَّا أن استقالة النائب مختلفة تماماً .
تسقط الحكومة باستقالة رئيسها أو ثلث أعضائها وفقاً لما نص عليه الدستور، لكن المجلس لا يسقط باستقالة أي عدد من أعضائه، ولم يلحظ الدستور سوى حالة شغور المقعد النيابي .
نصت المادة ٤٩ من الدستور على أنه في حالة شغور المقعد النيابي، يتم إجراء انتخابات لملء الشغور خلال شهرين، على أن لا تتجاوز نيابة العضو الجديد أجل نيابة العضو القديم، الذي يحل محلّه، ولا يتم انتخاب الخلف إذا حصل الشغور خلال الستة أشهر الأخيرة لولاية المجلس. وكرّس قانون الانتخاب الأخير في المادة ٤٣ منه ما ورد في الدستور .
أوضحت المادة ١٦ من النظام الداخلي لمجلس النواب، أن الاستقالة هي حق للنائب ولا يمكن رفضها، لكن اشترطت أن تُقدّم بكتاب خطي إلى رئيس المجلس، وتُعتبر لاغية إذا اقترنت بشرط كما أوجبت المادة ١٧ على الرئيس أن يُعلم المجلس بالاستقالة، بأن يتلو كتاب الإستقالة في أول جلسة علنية تلي تقديمها، وتعتبر الإستقالة نهائية فور أخذ المجلس علماً بها .
يتضح من نصوص القانون أن إعلان استقالة النواب لا قيمة قانونية له، ما لم يتم بكتاب خطي يُقدّم إلى رئيس المجلس. كما لا تُصبح الإستقالة نافذة إِلَّا بعد تلاوتها في أول جلسة عامة. وهذا يعني أن استقالات النواب ما زالت من باب الاعتراض السياسي على السياسة العامة، وتقاعس المجلس عن القيام بدوره بمراقبة ومحاسبة الحكومة .
يمكن للمجلس أن يستمر قائماً حتى نهاية ولايته مهما كان عدد الأعضاء المستقيلين. وهذا ما حصل مع المجلس النيابي الثالث عشر الذي استمر من ١٥ أيار ١٩٧٢ حتى أيار ١٩٩١، ومارس مهامه، ومنها انتخاب رئيس للجمهورية .
وفقاً للمادة ٣٤ من الدستور لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه (أي النصف زائد واحد )، ولم يوضح الدستور ما إذا كان المقصود بأكثرية الأعضاء من العدد الأساسي للمجلس، أم المقصود هو عدد الأعضاء المتبقيين بعد حسم المقاعد الشاغرة، ويميل البعض إلى اعتماد العدد المتبقي فقط.
انطلاقاً من هذه المعطيات فأن استقالات النواب تدخل في خانة المزايدات والاعتراض السياسي، أو الخطيئة كما اعتبرها رئيس الحزب التقدمي الأشتراكي وليد جنبلاط، عندما قال: إن اللقاء الديمقراطي لن يستقيل ويُسلم المجلس للفريق الآخر .
كما تجدر الإشارة إلى أنه حتى في حال تقرر تقصير ولاية المجلس وإجراء انتخابات مبكرة، فإن ذلك سيتم الآن وفقاً للقانون الإنتخابي النافذ، ولهذا السبب تتريث بعض الكتل بتقديم استقالاتها، حتى يتم الإتفاق على قانون انتخاب جديد، كون القانون الحالي يلقى انتقادات واسعة. ولهذه الأسباب وإذا ما سقطت الحكومة كما هو متوقع وقبل جلسة المجلس النيابي قد نشهد عودة قسم من النواب عن استقالاتهم إذا لم يكن جميعهم، والعودة إلى ممارسة دورهم من داخل البرلمان .