#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
من الوضع المتوتر جنوباً على الحدود مع إسرائيل، إلى قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان المنتظر في السابع من آب، إلى الأزمة المعيشية الخانقة، وشكوى رئيس الحكومة وامتعاض بعض الوزراء والمسؤولين والشعب من عدم إنتاجية الحكومة، بات ينتظر اللبنانيون بقلق، ما ستحمله الأيام القادمة .
وكان الرئيس دياب ارتكب جملة أخطاء دفعة واحدة في الآونة الأخيرة. فاطلق النار على زيارة وزير الخارجية الفرنسية لبيروت جان إيف لودريان، متهماً إياه بنقص المعلومات عن إنجازات الحكومة الإصلاحية. ثم استكمل هجومه على نفسه بتغريدة بتراء قال فيها حرفياً: "البلد عم يواجه تحدّيات استثنائية، وهناك تفلّت السلاح واعتداء ع مراكز الأمن وكأن الأمور مش تحت السيطرة. وين الأجهزة الأمنية؟ وين القضاء؟ شو دورهم بفرض هيبة الدولة؟ كيف فينا نفرض الأمن بمنطقة وما فينا نفرضه بمنطقة تانية؟ يلي عم بصير ما بدّه توافق سياسي، بدّه قرار أمني جدّي وحازم".
استدعت مواقف دياب جملة ردود أولها من داخل البيت. فقالت نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر: نحن علينا أن نُجيب وليس أن نسأل. وفي حين انتقد الكثيرون نرجسية الرئيس دياب، ووصفوه بأنه غرّد كطالب جامعي ممتعض مما وصلت إليه البلاد، تساءل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن وجود رئيس للحكومة. وصرّح رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، المعروف بقربه من حزب الله، الراعي الرسمي للحكومة، مطالباً دياب بالإستقالة.
وبالعودة إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، والتي أنشئت في ٣٠ أيار عام ٢٠٠٧، بقرار من الأمم المتحدة حمل الرقم ١٧٥٧، أدرج تحت الفصل السابع، وشكّل سابقة في تاريخ القضاء الدولي، كونها أول محكمة تختص بقضايا إرهاب، واقعة خارج النزاعات المسلحة .
باشرت المحكمة عملها عام ٢٠٠٩، وفي ٢٠١١ سلمت لبنان مذكرات توقيف بحق خمسة لبنانيين، تم اتهامهم بالتخطيط وتنفيذ عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهم: مصطفى بدر الدين، الذي أسقطت المحكمة الادعاء عنه عام ٢٠١٦، بعد اعتباره متوفياً، مع الاحتفاظ بحق الإدّعاء عليه اذا تبين لاحقاً أنه حي، وأربعة آخرين تمت محاكمتهم غيابياً هم :
سليم جميل عياش، الذي اتُّهم بالتخطيط والتنفيذ لعملية الأغتيال بالإشتراك مع مصطفى بدر الدين، وحسين حبيب مرعي (متدخل في ارتكاب الجريمة ) وحسين حسن عنيسي و أسد حسن صبرا، اللذين تم الإدّعاء عليهما بجرم الإشتراك في تنفيذ عملية الإغتيال، وجريمة اختيار أحمد ابو عدس، قبل عملية الأغتيال، لإعلانه المسؤولية زوراً عن العملية واختفائه أو إخفائه، وأنهما قاما بعد تنفيذ العملية، بتوزيع شريط الفيديو، وسلماه إلى مكتب تلفزيون الجزيرة في لبنان.
لا يمكن للمحكمة أن تحكم وتُصدر حكماً وفقاً للقانون، سوى على الأشخاص الذين تم الإدّعاء عليهم أمامها. أي أن قرار المحكمة لن يصدر بحق أية جهة سياسية بشكل مباشر، إِلَّا أنه قد تتم الإشارة في متن القرار إلى انتمائهم السياسي إلى حزب الله، مما جعل بعض المراقبين يتخوفون من عواقب ذلك، وامكانية الإستخدام السياسي للقرار، لتفجير الداخل اللبناني المتوتر أصلاً، خاصة في ظل التضييق الأميركي والغربي على حزب الله .
في إطلالته الأخيرة طمأن الرئيس سعد الحريري ، الذي سيحضر جلسة النطق بالحكم المحددة في السابع من آب، إلى ضرورة العقلانية، وتمنّى أن لا يزايد عليه أحد، خاصة من المقرّبين. وهذا يوحي طبعاً، بأنه غير راغب في توتير الأجواء على الساحة اللبنانية .
في المقابل فإن حزب الله الذي فرمل الإندفاعة التي انطلقت مؤخراً لإسقاط الحكومة، وأُشيع أنه رفض الشروط التي وضعها سعد الحريري للعودة إلى رئاسة الحكومة، كان يرغب في أمرين :
أولاً التأكد من ردة فعل الرئيس الحريري وتيار المستقبل بعد صدور حكم المحكمة، وثانياً عدم الإستعجال في إسقاط الحكومة قبل الإتفاق على البديل .
لم يبدِ الرئيس دياب أية رغبة في الإستقالة، وهو متمسك برئاسة الحكومة حتى الرمق الأخير، فيما يتأرجح موقف رئيس الجمهورية، بين رغبة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بالتبديل الحكومي، وعدم رغبته هو بعودة سعد الحريري إلى الحكومة .
لا يستطيع سعد الحريري أن يجاهر برغبته في العودة إلى رئاسة الحكومة.
أولاً: لأنه يعلم رغبة عدة أطراف بعودته، وأولهم الرئيس نبيه بري، وهو يريد طبعاً استغلال ذلك ويُراهن عليه .
ثانياً: لأن المجاهرة ستُضعف موقفه التفاوضي على تشكيل الحكومة، وثالثاً لأنه غير واثق من موقف حزب الله والرئيس عون، وموافقتهما على الشروط الدولية المطلوبة منه، لتشكيل حكومة مستقلين، للإفراج عن المساعدات الدولية، هذا في حال تشكيله حكومة جديدة .
اختبر الرئيس الحريري الحياة خارج السلطة، ويعلم جيداً أن الخروج لم يكن في صالحه، ويخشى طبعاً أن نصل إلى الانتخابات النيابية في ظل حكومة الرئيس دياب، الذي سيُشكّل منافساً له في بيروت، رغم كل التوقعات بقرب سقوط هذه الحكومة التي باتت محاصرة داخلياً وخارجياً بشكل شبه كامل .
يُركّز المراقبون على التبدّل الذي حصل في موقف رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في كلامه الأخير، إلى صحيفة لوريان لوجور، وانتقاله من إعطاء فرصة سابقاً لحكومة حسان دياب، إلى ضرورة رحيلها اليوم، ووصفها بحكومة «الذئب». وقال في رد على انتقادات الرئيس دياب لوزير الخارجية الفرنسية بعد زيارته الأخيرة إلى بيروت: إن دياب أصبح فاقداً للذاكرة، وحان الوقت لتدرك الجهات الراعية للحكومة خطورة الوضع الذي وضعنا فيه .
يقول مصدر مطلع ل «الثائر»: إن بعد السابع من آب ستكون الظروف ناضجة لبحث جدّي في التغيير الحكومي، وفي حين يطرح البعض اسم الرئيس نجيب ميقاتي، إلّا أن ذلك سيكون صعباً لأسباب عديدة. أولُها أن ميقاتي يدرك حجم الأزمة وتفاصيلها، وهو ما زال يدعم ترشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة، وثانياً إنه يعلم أن حزب الله سيرد على الموقف الإيجابي للرئيس الحريري، بعد صدور الحكم، بالذهاب إلى إحياء الشراكة. وبالتالي سنكون أمام التسوية الجديدة، التي تحدث عنها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، والتي ستعيد سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، لأنه الوحيد القادر على ضبط الشارع السني في الداخل اللبناني، بما له من تمثيل كبير، وكونه الطرف الأساسي في موضوع المحكمة الدولية، وكذلك كونه الأكثر قدرة على التواصل مع المجتمع الدولي، لفك الحصار عن لبنان .