#الثائر
في وقت تسير الحكومة بإجراء تدقيق جنائي في الحسابات المالية، خرج ديوان المحاسبة بتقرير عن الحسابات المالية منذ العام 1997 حتى العام 2017، ويُتوقع ان يسلِّمه الى رئاسة مجلس النواب ولجنة المال والموازنة، والذي قد يظهر في نهاية المطاف ان مصير أكثر من 27 مليار دولار لا يزال مجهولا.
أُعفيَ ديوان المحاسبة من مراقبة حسابات الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعامين 1991 و1992 ليعود ويطبق رقابته منذ العام 1993 مع بدء وزارة المال إعداد حسابات مهمة محتسب المالية المركزي وحسابات مهمة المحتسبين المحليين ابتداء من 1993، ويومها بدأ العمل من دون وضع ميزان دخول بسبب عدم وجود ميزان خروج في نهاية العام 1992 نتيجة عدم إعداده، ما انعكس سلباً على عملية التدقيق بالنسبة الى كل حسابات الاعوام اللاحقة وعملية التدقيق فيها، حتى العام 1997. ما بين 1993 و1996 أُنجزت قطوعات الحسابات للموازنات ولكن لم يتمكن ديوان المحاسبة من إنجاز عملية التدقيق فيها نتيجة عدم وجود حسابات مهمة صحيحة، ما دفع الديون الى الطلب من وزارة المال اعادة تصحيحها وتكوين الحسابات من جديد. لكن هذه المهمة لم تُنجز عن الاعوام السابقة بسبب عدم إرسال وزارة المال قطوعات الحسابات المصححة للفترة الممتدة ما بين 1997 وحتى نهاية عام 2017 بحجة وجود نقص كبير في المستندات المالية للمرحلة ما بين 1993 وحتى مطلع 1997.
في العام 2010 إنفجرت قضية الحسابات المالية أمام لجنة المال والموازنة التي اكتشفت يومها ان لا حسابات مالية مدققة للدولة اللبنانية منذ العام 1997 رغم كل القرارات القضائية التي أرسلها ديوان المحاسبة ووضِعت في الادراج. ومنذ ايلول 2010 لم تتوقف اجتماعات لجنة المال التي خُصصت للرقابة البرلمانية على هذا الملف والزمت وزارة المال إعادة تكوين الحسابات، ويومها شكلت وزيرة المال ريا الحسن فريقا من الخبراء والمدققين لإنجاز هذه المهمة.
يعتبر رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبرهيم كنعان ان تقرير ديوان المحاسبة "يتوافق عموما مع ما توصلت اليه اللجنة منذ سنوات، وان ما من رقم صحيح قدمته وزارة المال، وما من حكومة قدمت رقما صحيحا"، مشيرا الى ان تقرير الديوان عن قطع الحساب "يعطي أملاً بامكان التوصل الى محاسبة، وان التدقيق ممكن ويحتاج الى إرادة ومتابعة وهو ما بدأته لجنة المال والموازنة في العام 2010 وأثمر نتائج تتطابق مع تقرير الديوان. فالخلل المالي والاختلاسات وتجاوز الإنفاق يثبتها تقرير الديوان وهو أعلى سلطة قضائية مالية، مع الكشف عن إنفاق مبالغ "مجهولة" بالمليارات، ما يجعل المحاسبة مطلوبة بعد صدور التقرير الذي أرسل الى مجلس النواب ولجنة المال، ما يسهل إمكان تشكيل هيئة تحقيق برلمانية للتدقيق في كل حسابات الدولة".
ويعود كنعان في حديثه الى مشروع موازنة العام 2010، مذكرا بالـ 54 جلسة استماع لديوان المحاسبة ووزيرة المال في حينه ريا الحسن، وما تلاها من انشاء لجنة تقصّي حقائق مالية بعد التيقّن من أن خللاً مالياً ادارياً كبيراً حصل في الحسابات المالية في السنوات ما قبل العام 2010 ومع غياب اي تدقيق في الحسابات.
مشروع موازنة 2010 الذي حمل يومها شعار "موازنة إصلاحية" أُحيل من الحكومة على لجنة المال والموازنة متضمناً مواد "كانت لتسمح بالاستمرار في هدر المال العام والانفاق بطريقة مخالفة للدستور ومن دون رقابة. فهذه الموازنة التي أقرت من دون قطع حساب في مخالفة للمادة 87 من الدستور، كانت تلحظ في مادتها الخامسة السماح للحكومة بالاقتراض من دون سقف مع استخدام عبارة "يجاز للحكومة" ضمن حدود العجز الفعلي المحقق في تنفيذ الموازنة والخزينة ومجموع الاعتمادات المدورة إلى العام 2010 والاعتمادات الإضافية، ولإعادة تمويل استحقاقات الديون الداخلية والخارجية، إصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية لآجال طويلة ومتوسطة وقصيرة، وذلك بقرارات تصدر عن وزير المال". ويقول كنعان ان هذه المادة "كانت تضاف الى كل الموازنات السابقة، فكان من الضروري تعديلها ووقف الآلية المعتمدة من قِبل الحكومة للإستدانة من دون ضوابط ولا سقف محدد، فأتى التعديل لناحية ربط حجم الاستدانة بسد العجز المرتقب، اي المحدد والمتوقع مسبقاً".
ويؤكد كنعان ان هذه المادة التي وردت في كل الموازنات قبل العام 2010 "مسؤولة عن الجزء الاكبر من الاستدانة الاجمالية". ويذكّر بالمادة التي كانت تسمح بعدم إخضاع الهبات والقروض لرقابة ديوان المحاسبة، "فلجنة المال والموازنة إستطاعت بعد سنوات إخضاع هذه الهبات والقروض للمراقبة، لا سيما أن ثلاثة أرباع مشاكل قطع الحساب جاءت من جراء اخضاعها لمشيئة الواهب، وكل اتفاقات القروض والهبات الخارجية الجارية مع مختلف الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات يجب ان تخضع للأحكام النظامية اللبنانية وليست المعتمدة لدى الجهة المقرضة أو الجهة الواهبة، سواء أكان هذا الإنفاق من الجزء المحلي أم من الجزء الأجنبي، على أن تخضع لرقابة ديوان المحاسبة. وكانت لجنة المال والموازنة توصلت الى اكتشاف إنفاق غير قانوني لمبلغ 4 مليارات دولار من الهبات، اضافة إلى 17 مليار دولار من السلفات لم ترد إلى خزينة الدولة". وينهي كنعان: "للإنصاف، لا بد من الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون واكب عمل لجنة المال والموازنة في حينه، وحضر أحد اجتماعات اللجنة الفرعية للمال والموازنة أثناء متابعتها موضوع الحسابات المالية تأكيداً لدعمه عمل اللجنة. وبعض ما تضمّنه كتاب الإبراء المستحيل يلخص بعض ما توصلت إليه اللجنة الفرعية للمال والموازنة من وقائع ومعلومات، ولاسيما على صعيد التجاوز في الإنفاق العام، والحوالات المفقودة، والشيكات المكررة والمفقودة، والهبات، وسلف الخزينة وسواها".