#الثائر
- " الهام سعيد فريحة "
لم يحدث في تاريخ الصرح البطريركي بكركي، ولاسيما في عهدِ غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ، أن تكررت فكرةٌ واحدةٌ في ثلاثِ عظاتٍ متتاليةٍ، لكن في شهرِ تموز كَسَر غبطةُ البطريرك الراعي القاعدة :
في عظةِ الأحد 5 تموز فجَّر قنبلةَ الحياد .
في عظة 12 تموز كرر طرحَ الحياد .
في عظة اول من أمس 18 تموز أعاد الكَرَّة .
هذا التكرار لثلاثِ عظاتٍ متتاليةٍ، دفع المراجع والمسؤولين والسياسيين والمحللين إلى محاولةِ استكشاف خلفيةِ طرح الحياد من أعلى مرجعٍ روحي مارونيٍ في لبنان وسائر المشرق :
هل هو ردةُ فعلٍ على المحاولات المتكررةِ لتهميشِ دورِ المسيحيين؟
هل هو ترجمةٌ عمليةٌ لمشاوراتٍ أجراها صاحبُ الغبطةِ البطريرك الراعي مع دوائر الفاتيكان ومع الأمم المتحدة قبل هذا الطرح؟
***
أصعبُ ما في هذا الطرح أن الأسرار، سواءٌ في بكركي او في الفاتيكان " بيرٌ غميق "، فلا يخرجُ منه إلا ما يريدهُ غبطةُ البطريرك شخصياً أو ما يريده قداسة البابا شخصياً، ولكن يمكن الإستعاضةُ عن القراءة بين السطور، خصوصاً أنها غنيةٌ بمضمونٍ عميق .
في عظةِ 12 تموز، فجَّر البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قنبلتي الحياد وفك الحصار عن الشرعية والقرار الوطني،
السؤال هنا: مَن يقصدُ غبطة البطريرك الراعي حين يتحدث عن حصارٍ؟
مَن يحاصرُ الشرعية؟
الشرعيةُ هنا هي رئاسة الجمهوريةِ والحكومة، فمَن يحاصرهما؟
يُكمِل غبطة البطريرك الراعي فيطالب منظمة الامم المتحدة العمل على إعلانِ حياد لبنان ... هذان المطلبان يستدعيان التوضيح التالي :
غبطةُ البطريرك الراعي ربط فكَ الحصار بإعلان الحياد، وكأنه يقول:
لا فكَ للحصار من دون إعلان الحياد .
المعنيون بالأمر ربما فهموا الرسالة ، من هنا بدأتِ الحملةُ على غبطة البطريرك وعلى طرحِ الحياد .
***
في عظة 12 تموز برز كلامٌ مطمئِن لغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي تجاه الآخرين، فتحدث عن " الحؤول دون تدخُّلِ الخارج في شؤون لبنان، وحرصاً على مصلحته العُليا ووحدته الوطنيَّة وسِلمِه الأهليّ، وفتح آفاقٍ واعدةٍ لشبَّانه وشابَّاته، والتزاماً منه بقرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة والإجماع العربيّ والقضيَّة الفلسطينيَّة المحقَّة، والمطالبة بانسحاب الجيش الإسرائيليّ مِن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، وبتنفيذ قرارات الشَّرعيَّة الدَّوليَّة ذات الصِّلة ... ولهذا أطلقتُ النِّداء، في عظة الأحد الماضي، إلى الأُسرَةِ الدَّوليَّة لإعلان حيادِ لبنان، من أجل خيرهِ وخيرِ جميع مكوّناته "
***
لم تفعل هذه الطمأنةُ فعلها ، ما دفع غبطة البطريرك الراعي إلى تكرارِ المحاولة للمرةِ الثالثة على التوالي، فقال في عظة اول من أمس :
" الحياد استرجاعٌ لهويّتنا الأساسية وبابُ الخلاص لجميع اللبنانيين ورجائي أن يُصار إلى فهم حقيقي متجرّد لمفهوم الحياد.
- لبنان يلتزمُ بالعدالةِ والسلام والانفتاح على جميع الدول ما عدا اسرائيل كما يلتزم بتعزيز حوار الاديان والحضارات والدفاع عن القضايا العربية المشتركة من دون الدخول في حروبٍ واتفاقاتٍ واحلاف."
هكذا يكون البطريرك مار بشارة بطرس الراعي قد قدَّم الطمأنةَ للجميع أن الحياد لا يستهدفُ احداً وانه "الوصفةُ" لأنقاذِ لبنان .
***
تباينتِ المواقف حيال هذا الطرح :
حزب الله وحركة امل، أي الثنائي الشيعي مازالا على صمتهما.
التيار الوطني الحر يحسبُ مواقفهُ بعنايةٍ فائقة، فهو مرتبطٌ مع حزب الله بورقةِ تفاهم، وليس بمقدورهِ أن يتخذ موقفاً يتعارض مع مضمونِ هذا التفاهم، من أجل ذلك كان موقف رئيس التيار جبران باسيل من الديمان دقيقاً جداً :
طرحَ "تحييد لبنان عن المشاكل والصراعات والمحاور" معتبراً ان " التحييدَ هو قرارٌ ذاتي ويعرف بالنأي بالنفس "، لكنه في المقابل طرح شروطاً للحياد، وهي :
أولا: تطبيقُ التوافقُ الداخلي الذي يتطلبُ حواراً وطنياً.
ثانياً: تأمينُ مظلةٍ دوليةٍ ورعايةٍ خارجية.
ثالثاً: وجوبُ اعتراف الدول المجاورة واخراج العناصر الخارجية من لبنان: احتلال الأرض من قبل إسرائيل والإرهاب،وترسيمُ الحدود، والنازحين السوريين، واللاجئين الفلسطينيين .
هذه الشروطُ تبدو في الوقت الراهن مستعصيةً، فهل أراد الوزير السابق جبران باسيل القول لغبطة البطريرك الراعي: نحن مع الحياد لكن تطبيقهُ صعبٌ إلى درجةِ الإستحالة؟
في اي حالٍ، رحلةُ الألفِ ميل للحيادِ مازالت في الخطوةِ الأولى، لكنه وضِعَ على السكةِ .