#الثائر
- ظافر مراد
يواجه الزعماء والنخب السياسية في كثيرٍ من الأحيان، أزمات خطيرة تهدد مصداقيتهم وشعبيتهم، وبالتالي قدرتهم على المحافظة على موقعهم القيادي، ويكون السبب غالباً الفرق الشاسع بين ما يُطلقه الزعيم من شعارات ومباديء، والممارسات التي يقوم بها هو أو الدائرة المقرّبة منه، ويكون "الإعلام" الوسيلة الأكثر فعالية للسيطرة على الخلل الحاصل في القيادة والسيطرة على الجماهير، وعلى ضبط سلوكهم وتوجيههم بما يتناسب مع متطلبات المرحلة، لذلك ليس مستغرباً وجود هذه التعددية الإعلامية في بلدنا، حيث أن لكل جهة سياسية أو حزبية منصتها الخاصة التي تطلق منها مواقفها الدفاعية، وهجماتها على الخصوم.
يعتبر الشعور بالأمان حاجة أساسية عند العامة، ومفهوم "الأمان" هذا يشمل الكثير من العوامل، وعادة يكون هذا "الأمان" هو المستهدف في عمليات التأثير على الجماهير، حيث تُعتمد إستراتيجية ترويج وتعظيم المخاطر التي تهدد ما ينتمون إليه، سواء كان الإنتماء عرقي، ديني، مناطقي أو سياسي، وتحتاج هذه العمليات إلى عناصر وأدوات ذات خبرة عالية بكافة تفاصيل ومهارات التأثير النفسي على الرأي العام.
ويتربع على عرش هذه الأجهزة، وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، ولا تقتصر عمليات التأثير على تسويق القرارات وإطلاق ردات فعل الجماهير وإدارتها، بل أيضاً على المحافظة على المناصرين وكسب المزيد منهم، وهذا ما تُفسّره كثرة إطلالات الزعماء، وتعاظم نشاط وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي عند كل إستحقاق ومفصل سياسي أو حدث هام.
تناول الكاتب الأميركي والعالم اللغوي نعوم تشومسكي هذا الموضوع عندما تحدث عن "الإستراتيجيات العشر لخداع الجماهير عبر الإعلام"، والتي تُعتمد من قبل الحكام، وسأذكر لكم من هذه الإستراتيجيات العشر، بعض ما يتناسب مع واقعنا الحالي :
1- إستراتيجية الإلهاء.
تعتبر عنصراً أساسياً للضبط الاجتماعي، وهي تتمثل في تحويل أنظار الرأي العام عن المشاكل الأساسية والقرارات المصيرية المُتّخذة من طرف النُخب السياسية والاقتصادية، وذلك بواسطة ضخ كم هائل من المعلومات والنشاطات الترفيهية والمواضيع المستجدة، لصرف أنظار الجماهير وإهتماماتهم عن القضايا الحساسة.
2-إستراتيجية خلق المشاكل، ثم تقديم الحلول.
تُدعى هذه الطريقة «مشكلة- رد فعل-حلول» بحيث يتم خلق مشكلة أعظم وأخطر مما هو مطلوب تمريره وإقراره، وتفرض هذه المشكلة حالة مربكة ومقلقة للناس، وربما تتسبب بمخاطر أمنية أو صحية أو اقتصادية، وبعد أن تعيش الجماهير هذه الحالة الخطرة، يصبح تقبلهم للحل سريعاً وسهلاً، ولو كان على حساب الخسارة في مجالات أخرى، ويصبح ما يريد الحاكم فرضه، مطلباً جماهيرياً في ظروف مؤاتية ومناسبة تماماً .
3- إستراتيجية التقهقر.
يعتمد هذا الإسلوب على تطبيق الإجراءات بطريقة تدريجية ناعمة ومجزّأة على فترة طويلة، دون أن يعي المواطنون تداعياتها أو يلمسون سيئاتها بشكل سريع وواضح.
4- إستراتيجية التأجيل.
مشابهة لإستراتيجية التقهقر ولكنها تُنفّذ في القرارات غير القابلة للتجزئة، أو الصعبة التطبيق بشكل فوري، وهي تعتمد على أخذ موافقة الرأي العام شرط تأجيل البدء بالتنفيذ والتطبيق إلى مستقبل غير قريب، فمن السهل دائماً قبول تضحية مستقبلية بدلاً من تضحية آنية عاجلة، وتصبح الفكرة مقبولة شيئاً فشيئاً في أذهان العامة.
5- إستراتيجية اللجوء إلى العاطفة بدل التفكير.
اللجوء إلى العاطفة هي تقنية كلاسيكية لوقف التحليل العقلاني والحس النقدي للأفراد، كما إن إستخدام المخزون العاطفي يسمح بفتح باب الولوج إلى اللاوعي، وذلك من أجل غرس أفكار، رغبات، مخاوف، ميول وإستجلاب سلوك وردات فعل مناسبة ومطلوبة.
6- إستراتيجية معرفة الأفراد أكثر من أنفسهم.
إن التقدم الهائل في العلوم الإنسانية، وخاصة علم النفس التطبيقي وسلوك الإنسان، خلق هوةً كبيرة بين معارف العامة وتلك التي تمتلكها النُخب الحاكمة، أو يمتلكها مساعِدوهم ومستشاروهم الإعلاميين، كل ذلك جعل الحكام والأنظمة القائمة متفوقين بالمعرفة والخبرة في هذا المجال على معظم المواطنين العاديين، الذين سيصعب عليهم إكتشاف ما يتعرضون له من أساليب خداع.
وفقاً لما تقدم، وفي خضّم هذه الفوضى الشاملة، من إعادة إحياء للغرائز وإشكاليات الإنتماء، على حساب المواطَنَة الحقيقية، تبقى المعرفة والثقافة ، السلاح الوحيد أمام الشعوب، لإكتساب المناعة وعدم الإنجرار وراء الغرائز، وللمحافظة على التفكير العقلاني والمنطقي في مقاربة الكثير من القضايا السياسية والإجتماعية والإقتصادية، لكي لا يتحوّل مزاج الجماهير وردود أفعالهم، إلى قوة عكسية تودي بهم وبمصالحهم في سبيل تحقيق مصلحة الزعيم.