#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
حصيلة اليوم الأول لدخول قانون العقوبات الأميركي على النظام السوري حيز التنفيذ، ظهرت عدة حقائق، توضح مسار الأحداث ومستقبل الصراع في منطقة الشرق الأوسط، التي لا يمكن فصل بعضها عن بعض .
لقد حصر « قانون قيصر » العقوبات ب ٣٩ شخصية سورية، في مقدمتها الرئيس السوري بشار الأسد وزوجته، ولكنه ترك الباب مفتوحاً للتفاوض مع النظام، من اجل إيجاد تسوية سياسية، لا تشترط خروج الأسد من الحكم، بل تطلب فرض معادلة جديدة، تُخرج إيران وحزب الله من المشهد السوري .
نظرياً ستطال العقوبات كل من روسيا والصين وكل من يُقدّم الدعم للنظام السوري، خاصة في قطاعات النفط والغاز والطائرات والبناء والهندسة وتسليح الجيش، ومن المعروف أن الشركات الروسية وقّعت عدة عقود في هذه المجالات مع سوريا، لكن ما يتجاهله البعض، أن الأميركيين كانوا قد فرضوا عقوبات على روسيا منذ عدة أعوام، وكانت الحزمة الأخيرة بعد قضية مقتل العميل سكريبال، وبالتالي فأن قانون قيصر لم يأتِ بجديد في هذا السياق .
أعلن مساعد وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف: أن روسيا ستتابع دعمها للجيش السوري، وهي تعتبر العقوبات الأميركية على سوريا غير قانونية، وأنها ستطال بالدرجة الأولى الشعب السوري .
لقد انخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار قُبيل بدء تنفيذ العقوبات، ولكن تم وقف هذا التدهور في اليوم الأول، ويعتقد المراقبون أن الشعب السوري سيكون أول المتضررين، لأن بعض الشركات والبنوك ستحدّ من تعاملاتها مع الدولة السورية، خوفاً من أن تطالها العقوبات، مما سينعكس فقداناً لبعض السلع في الأسواق السورية، وهذا سينتج عنه موجة غلاء جديدة يدفع ثمنها المواطنون العاديون، وقد تطال كذلك العراقيين واللبنانيين الذين تربطهم مصالح تجارية مع سوريا .
بدأت في الأمس البنوك التركية بتشديد إجراءاتها في التحويلات النقدية والتعامل مع الشركات السورية، وحتى اللبنانية والعراقية، وستتبعها في ذلك دول المنطقة، وهذا طبعاً سيترك أثره على المواطنين العاديين، خاصة السوريين واللبنانيين الذين يعانون أصلاً من أزمة اقتصادية ومالية خانقة .
ستستمر روسيا بدعم النظام والجيش السوري، ولقد أصبحت معظم المبادلات تتم خارج نطاق الدولار إمّا بالسلع والمنتوجات، أو بتوقيع العقود الأستثمارية وإعطاء الامتيازات للشركة الروسية، مما يعني أن الهدف المُعلن لقانون قيصر لن يتحقق، بل ما ينتج عنه هو عبارة عن شضايا جانبية لا تُصيب الهدف الرئيسي .
لم تُسقط العقوبات الأميركية النظام الكوري الشمالي، ولا النظام الإيراني، أو الكوبي، ولا حتى الفنزويلي، ولم تصاب الطبقة الحاكمة في هذه الدول بالجوع، بل طالت المعاناة الفقراء، الذين أصبحوا يركضون خلف لقمة العيش، وزادت نقمتهم، ليس على حكامهم، بل على السلطات الأميركية، التي لم تعد قادرة على إخفاء مخططاتها وأهدافها في إبرام الصفقات، لتحقيق مصالحها الخاصة مستخدمةً شعارات واهية، كالديمقراطية وحقوق الإنسان، فيما تنتهك هي هذه الشعارات كل يوم، وتدعم العديد من المنظمات الأصولية والإرهابية في العالم، وباتت تعقد معهم الاتفاقات علانية، بدءاً من طالبان في أفغانستان، وصولاً إلى سوريا والعراق واليمن وشمال أفريقيا .
سياسة العقوبات والإفقار وتجويع الشعوب، هل هي فعلاً ضد الأنظمة والحكام؟ أم إنها الفوضى الخلّاقة لتمرير الصفقات والحفاظ على الفارق الكبير في التطور والنمو؟ ربما يختلف الكبار على اقتسام المغانم، لكنهم يتفقون علينا وعلى حماية مصالحهم وتفوّقهم، ونحن ما زلنا نُصدّق ما يقولون ونجهل مايُضمرون .