#الثائر
أتت التغريدة الاخيرة للمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش لتؤكد ما يحكى في الكواليس عن تخبط في الاداء، او ما تخفيه الحكومة خوفا منها على ما تسعى الى اظهاره بالنسبة الى نتائج 8 إجتماعات تفاوضية مع صندوق النقد الدولي.
كوبيتش حذّر من أن مفاوضات لبنان مع صندوق النقد لا تبشر بالخير، إذ ان الارقام المختلفة التي قدمتها كل من الحكومة ومصرف لبنان حول الخسائر، فضلاً عن عدم احراز تقدم في التعيينات القضائية وغيرها من التعيينات، والتأخير في إصلاح قطاع الكهرباء، تضعف موقف لبنان في هذه المفاوضات. ولا يخفى انه رغم التكتم الشديد حول تفاصيل هذه الاجتماعات وما يدور خلالها، بطلب من صندوق النقد، الا ان ما توافر حتى الآن من معلومات لا يحمل الكثير من الايجابية، وسط الاستغراق في العموميات، والاستماع الى الآراء ووجهات النظر المختلفة، خصوصا ان الاجتماعات الاولى لم تشر الى اي تقدم نتيجة المقاربات المختلفة للوفد اللبناني المفاوض، وتحديدا بين أرقام الحكومة ومقاربتها للعلاج، وأرقام القطاع المصرفي ومصرف لبنان ودخول خطة المصارف "الرديفة" كطبق جديد للنقاش.
مع طرح القطاع المصرفي خطته الانقاذية ونجاح المساعي الهادفة الى اطلاق مرحلة تنسيق بين الحكومة من جهة ومصرف لبنان و المصارف من جهة اخرى، يمكن القول بحسب المتابعين لملف التفاوض، ان الامور بدأت تسلك الطريق الصحيح، ويمكن البناء على هذا الأمر لإحراز تقدم على صعيد المفاوضات. أما صندوق النقد فيقول ان المناقشات ما زالت مستمرة مع السلطات اللبنانية حول تفاصيل خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي، وان النقاش يغطي مجالات عدة بما فيها ضوابط رأس المال، وإعادة هيكلة القطاع المالي، والإصلاحات الهيكلية لمعالجة الخسائر في الاقتصاد وتهيئة الظروف لتحقيق نمو أعلى وأكثر احتواء للجميع. وتؤكد المعلومات ان صندوق النقد ما زال يراقب ويستمع ويقدم بعض الملاحظات، لكن موقفه واضح: "إذهبوا ووحّدوا أرقامكم ومقاربتكم للحل قبل البحث في أي تفاوض قد يثمر برنامجا تمويليا". فدور الصندوق ليس التفاوض بين الأفرقاء اللبنانيين لتقريب وجهات نظرهم، وإنما البناء على ما يقدمه لبنان كخطة موحدة شاملة ليبنى على الشيء مقتضاه، مع التأكيد ان الاصلاحات التي وضعتها الحكومة لا يمكن ان تبقى شعارات تخرج عن اجتماعات لجان، وحتى اليوم، لم تأخذ السلطات اي مبادرة فعلية على الارض، تبشر بأنها ستسلك تطبيق الاصلاحات الموعودة منذ سنوات.
وتشير المعلومات الى ان مسار التفاوض تغير تماما بعد طرح جمعية المصارف خطتها البديلة، كما ان مصرف لبنان حمل مقاربته النقدية والمالية العلمية لمعالجة الامور، ما أشاع أجواء بأن الحكومة ستضطر في نهاية المطاف الى تعديل خطتها لناحية تفاصيل عملية إعادة هيكلة الدين والقطاع المصرفي، واعتماد جزء مما تقدمت به المصارف. بدوره يؤكد مصرف لبنان ان حاكمه وفريق عمله يفاوضون بحسن نية مع صندوق النقد. وهذا الحوار مستمر خصوصاً في ما يتعلق بالحسابات والتي لم تنته المحادثات في شأنها بعد.
بالعودة الى الخطة الاقتصادية التي قدمتها الحكومة، تستمر لجنة المال والموازنة في درس تفاصيلها لوضع الملاحظات عليها، خصوصا ان الكثير مما ورد في هذه الخطة يحتاج الى تشريعات في مجلس النواب، كما تستمر لجنة منبثقة من لجنة المال والموازنة في درس خطة المصارف التي عرضها رئيس جمعية المصارف سليم صفير أمام اللجنة في الاسابيع الماضية.
يقول رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبرهيم كنعان عبر "النهار" ان سلطة مجلس النواب هي "سلطة تشريعية ورقابية، ومن هنا من واجب النواب التأكد من ان أي نقاط واردة في اي خطة لها تبعاتها على المواطنين، لا تخالف الدستور اللبناني"، مشيرا الى ان "ثمة محاور أساسية يتم التركيز عليها عند درس الخطط المقدمة، منها ما يتعلق بحماية الملكية الخاصة التي صانها الدستور، ولا يمكن التشريع خلافا للدستور وتحديدا في ما يتعلق بمصير الودائع وبكل ما طرح من أفكار حول الصندوق السيادي وتحويل جزء من المودعين الى مساهمين في المصارف. فالمطلوب هو التأكد من أن أي خطوة لا تتعارض مع الدستور، وموقف لجنة المال رافض لأي "هيركات" أو دخول على الملكية الخاصة من خلال رأس مال المصارف او الإقتطاع المباشر من المودعين".
ويؤكد كنعان ان العمل في لجنة المال والموازنة "هو للبحث في تقييم الخسائر غير المحققة بعد، وهل هي خسائر فعلية، وتأمين اعادة هيكلة لإعادة تنمية الإقتصاد واستعادة الثقة لجذب الودائع وإعادة تكوين الودائع في المصارف من خلال خطة تستعيد الثقة، ولا يمكن الاستمرار بمقاربات مختلفة للخسائر والارقام، ولبنان يفاوض للحصول على التمويل الخارجي بمواقف متباينة. هناك تباينات كبيرة بتقدير الخسائر والأرقام والخيارات، بين المجموعة المالية التي كانت مشاركة في الجلسة من مصرف لبنان وجمعية مصارف وهيئات إقتصادية ومجلس إقتصادي إجتماعي، وبين الحكومة الممثلة بوزارتي المال والإقتصاد".
ويوضح كنعان ان اجتماعات اللجنة الفرعية لتقصّي الحقائق والتي تضم ممثلين عن مختلف الكتل وتتمثل فيها وزارة المال ومصرف لبنان وجمعية المصارف والهيئات الإقتصادية "مهمتها الوصول الى حقيقة الأرقام والاسس التي جرى تقييم الخسائر على أساسها، وهل يمكن الذهاب الى خيارات افضل لتوزيع الأعباء؟"، مؤكداً ان هدف اللجنة هو "الوصول إلى حقيقة الأرقام لا التسوية عليها، وعلينا في التفاوض عدم إضاعة أوراق القوة الداخلية والاقتصاد والتضحية به. فلا يمكن الإستمرار بتقدير الخسائر من قِبل الحكومة بحوالى 241 الف مليار، ومن قِبل الجهات المالية الأخرى بحوالى 100 الف مليار. وهذا الموضوع يحتاج الى المعالجة وتوحيد الأرقام ضروري وإلاّ سنكون أمام مشكلة." ويشدد كنعان على "ضرورة إخراج الخطة الإقتصادية من حسابات السلطة والمعارضة".
الى ذلك، يؤكد رئيس لجنة المال والموازنة ان المشكلة الاساسية هي "في الادارة المالية للبلاد، وما ترافق معها من استدانة دون سقوف"، ويذكّر مجددا بأن دور المجلس النيابي "ليس الحلول محل الحكومة أو اتخاذ القرارات عنها، بل المراقبة، وهو ما قامت به لجنة المال والموازنة في العام 2010 من خلال التدقيق بالحسابات المالية من خلال 54 جلسة، وجرى في ظلها إعادة تكوين الحسابات المالية واستمر الأمر عشر سنوات الى أن أحيلت في الأشهر الماضية على ديوان المحاسبة للتدقيق بها من العام 1993 الى العام 2017"، متسائلا عن مصير هذه الحسابات وتقرير ديوان المحاسبة. ويشدد على أن "الاصلاحات واجبة بالتوازي مع صندوق النقد، ورئيس الجمهورية مصمم عليها في قطاع الكهرباء وخدمة الدين والفوائد والمعابر الشرعية قبل غير الشرعية، وأن تكون موازنة 2021 من دون استدانة من الخارج".