#الثائر
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ، قداس عيد سيدة لبنان في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطرانان حنا علوان وسمير مظلوم، رئيس مزار سيدة لبنان الأب فادي تابت، أمين سر البطريرك الاب شربل، الأب خليل علوان، بمشاركة السفير البابوي المونسينيور جوزيف سبيتاري وعدد من المطارنة والكهنة والراهبات.
بعد الانجيل المقدس ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان "طوبى لكم، أيها الفقراء، لأن لكم ملكوت الله" (لو20:6) وقال: "عندما طوب الرب يسوع الفقراء، كان هو مثالهم، وكذلك مريم العذراء أمه. لقد عاشا الفقر معا: بالولادة في مذود، وشقاء الهرب إلى مصر، والحياة الفقيرة هناك، والعمل الوضيع في النجارة مع يوسف أبيه في الناصرة، وقال عن فقره: "للثعالب أوجار، ولطيور السماء أوكار، أما ابن الانسان فليس له موضع يسند إليه رأسه" (متى 20:8). هذا الكلام ينطبق على أمه. فماذا يعني هذا الفقر الذي يطوبه الرب يسوع؟ وماذا يقول للفقراء الستين بالمئة من سكان لبنان، بل لفقراء العالم وهم بالملايين؟".
أضاف: "يسعدنا أن نحتفل بهذه الليتورجيا الإلهية، مع سيادة السفير البابوي المطران جوزيف سبيتاري، إخواني السادة المطارنة وسائر أعضاء الأسرة البطريركية في بكركي، بعيد أمنا مريم العذراء، سيدة لبنان، وهو الأحد الأول من شهر أيار المريمي. فنحيي كل المشاركين معنا روحيا عبر محطة تيلي لوميار - نورسات وسواها مشكورة، في الساعة التي نتلو فيها كل مساء المسبحة الوردية. كانت العادة أن يحتفل البطريرك بقداس عيد سيدة لبنان في بازيليك حريصا وقرب تمثالها. غير أن الظروف التي فرضها وباء كورونا، ألزمتنا بإجراء الاحتفال لوحدنا في كنيسة الكرسي البطريركي. ولكننا نواصل صلاتنا مع المشاركين كما في كل يوم طالبين من الله، بشفاعة أمنا مريم العذراء، سيدة لبنان، أن يشفي المصابين بوباء كورونا، وينجينا منه وكل شعوب الأرض، وأن يبيده، ويرد الخطأة وبائعي نفوسهم للشر إلى التوبة، وأن يخرج الكرة الأرضية من شللها، ووطننا لبنان من أزماته السياسية والاقتصادية والمالية والمعيشية بتوحيد جهود المسؤولين والعاملين في الحقل السياسي. إن الحالة الراهنة في العالم تزيد من أعداد العائلات الفقيرة، ومن اعداد المرضى وغير القادرين على الاستشفاء".
وتابع: "في الكتاب المقدس بعهده القديم، الفقر متعدد المعاني: فهو التجرد الاختياري عن كل غنى، وهو حرمان الثروات الطبيعية والخيور المادية والمعنوية والروحية، إما لعدم إمكانية كسبها لأسباب متعددة، وإما لأنها نتيجة ظلم من الذين لا يشاطرون الغير بها، ولا تعنيهم الأخوة البشرية. في اللفظة اليونانية "الفقير" هو المتواضع، وصاحب قلب فقير، بعكس المتكبر. في إنجيل التطويبات يستعمل الرب يسوع لفظة "الفقراء بالروح" (متى 3:5)، للدلالة على ان الفقير هو بالضرورة متواضع: يعيش مما يجود به الآخر عليه. هذا هو وضع يسوع ابن الله الذي نال كل شيء من أبيه، بما فيه كيانه نفسه. ويؤكد بولس الرسول أن كل واحد وواحدة منا هو ما يكون قد نال من هبة (راجع 1كور 7:4). وللفقر قيمة روحية تنضج عندما تصبح قوة تطهيرية تنمي الحس الديني عند الشخص الفرد وعند الجماعة، بحيث يحيي فيهم الثقة بالله وبعنايته. وهذا ما تكلم عنه الأنبياء والمزامير".
وأردف الراعي: "في العهد الجديد، يحيط بيسوع فقراء كثيرون ومن كل الأنواع: شحاذون وعميان، وعرج وبكم وأرامل ومرضى. يسوع هو مبشر الفقراء، كما قرأ في نبوءة أشعيا ذات سبت: "روح الرب علي، مسحني وأرسلني لأبشر المساكين". وهم المعوزون و"الأسرى والعميان والمظلومون" (راجع لو4: 17-18). الرسل الإثنا عشر أنفسهم كانوا فقراء وعاشوا من تعب أيديهم وعرق جبينهم كصيادي سمك وعمال أرض. واعتنوا بالفقراء: فبرنابا باع أملاكه ليساعد الإخوة الفقراء، وبولس كان ينظم جمع المساعدات للاخوة المحتاجين في أورشليم. وأنشأت الكنيسة الأولى الشمامسة السبعة للاعتناء بموائد الفقراء (أع 6: 2-6).
أعطى الرب قيمة روحية للفقر، فلم يتضامن مع الفقراء عائشا مثلهم في حالة الفقر فقط، بل وبخاصة تماهى مع الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين وألزمنا بمساعدتهم، إذ قال: "في كل مرة أطعمتم الجائع وسقيتم العطشان وكسوتم العريان وآويتم الغريب وافتقدتم المريض وزرتم السجين، فلي فعلتموه" (متى25: 35-40)".
وقال: "أمنا مريم العذراء هي على رأس موكب المؤمنين الفقراء بقلوبهم، المتواضعين الودعاء. هكذا حددت نفسها يوم زارت نسيبتها أليصابات بعد البشارة، فعظمت نفسها الرب وابتهجت روحها بالله مخلصها "لأنه نظر إلى تواضع أمته، وصنع فيها عظائم، إسمه قدوس، ورحمته إلى أجيال وأجيال للذين يتقونه" (لو1: 46-50).
إنها بأمومتها تحتضن الفقراء والودعاء والمتواضعين، وتنعش إيمانهم، وتخاطب قلوبهم، وتتشفع لهم، وتلهم القلوب السخية لمساعدتهم.
فكم أنشأت الكنيسة في العالم من مؤسسات تعنى بالفقير والمريض والمعوق واليتيم وصاحب الاحتياجات الخاصة. وكم انشأت من مدارس وجامعات ومعاهد ومستشفيات ومؤسسات انسانية وإنمائية لإنماء الشخص البشري والمجتمع، ولتوفير فرص عمل لعشرات الألوف من العائلات.
واليوم، الكنيسة في لبنان تحاول بكل قواها المحافظة على هذه المؤسسات، من أجل إكمال رسالتها في خدمة الشخص البشري والمجتمع، وتوفير مجالات العمل، ومساعدة الدولة في واجباتها الاجتماعية. ولكن بالمقابل، من واجب الدولة أن تؤدي المستحقات المالية المتوجبة عليها للمؤسسات المتعاقدة معها كالمستشفيات والمدارس المجانية ودور الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، فتستطيع هذه الاستمرار والمحافظة على الموظفين ودفع أجورهم.
وبالنسبة إلى العائلات الفقيرة، فبعد أن جمعنا المعلومات عما تقوم به البطريركية المارونية والأبرشيات الأربع عشر والرهبانيات الرجالية والنسائية الإثنتا عشر، من مساعدات نقدية ومادية لهذه العائلات، فإننا في لقاء نعقده الأربعاء المقبل سنضع شبكة تنسيق تغطي كامل الأراضي اللبنانية بالتعاون مع المؤسسات الاجتماعية الكنسية والجمعيات الخيرية. أما الهدف فتأمين المساعدة مبدئيا لكل عائلة معوزة، بحيث لا تترك أية منها فريسة الجوع والمرض".
وتابع: "إننا إذ نرحب بالخطة الاقتصادية التي وضعتها الحكومة، نواكب بالصلاة لقاء الأربعاء المقبل في القصر الجمهوري لمناقشتها، والخروج باتفاق كامل على مضمونها، والبدء بتطبيقها، من أجل إعادة الحياة الإقتصادية إلى وطننا لبنان، ومواجهة موجة الفقر المتزايدة، وإيجاد التوازن بين هبوط قيمة الليرة، وغلاء المعيشة.
نحن ندرك كم تواجه الحكومة من حاجات وتحديات، كانت موجودة أصلا ثم ازدادت بالشلل الذي فرضه وباء كورونا وسواه. واليوم تأتي من جديد مشكلة النفايات وإيجاد مطامر لها في أمكنة لا تستطيع استيعابها ومكتظة بالسكان، كما هي حال مطمر الجديدة في ساحل المتن، تجنبا لإضافة أوبئة جديدة تنال من صحة المواطنين. وهذا غير مسموح،
لماذا لا تسمح الحكومة بفتح معامل فرز ومعالجة النفايات بشكل علمي وصحي، مثل معمل غوسطا الذي يمكن المباشرة باستعماله فورا مع إمكانية توسيعه ليتسع لكل نفايات كسروان؟ كما يوجد على الاراضي اللبنانية معامل مماثلة جاهزة. وفي كل حال، يجب تحفيز المواطنين على الفرز المنزلي وتخفيف كمية النفايات في الشوارع.
ونقدر ما تقوم به الحكومة بالنسبة إلى عودة اللبنانيين من الخارج، ولاسيما الطلاب منهم، فإنا نطلب منها أن تواصل صنيعها المشكور مع طلابنا الموجودين في فرنسا والذين يعانون من نهاية منحهم الجامعية وعدم إمكانية تحويل مال من أهلهم إليهم".
وختم الراعي: "إننا بالاتكال على العناية الإلهية، وشفاعة أمنا مريم العذراء، سيدة لبنان وأم الفقراء، نعمل مع ذوي الإرادة الحسنة والقلب السخي واليد المعطاءة، على مساعدة عائلاتنا للصمود بوجه الأزمة الإقتصادية والمعيشية الخانقة. وإذ نعظم مع مريم الله القدير، نرفع نشيد المجد والتسبيح والشكر للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".