تابعنا عبر |
|
 |
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه

#الثائر
- " اكرم كمال سريوي "
كي تعلم ماذا سيفعل العدو، يجب أن تكون جالساً في غرفة عملياته، ومع مخابراته وقادته، وهذا مستحيل على محلل سياسي او عسكري، لكن قراءة الاحداث بشكل سليم ومنطقي، تجعلك تدرك إلى حد كبير ماذا يخطط.
هنا سأعرض مقالاً نشرته في 17 أيار 2019، في فترة ولاية الرئيس ترامب الأولى، وهو موجود على موقع الثائر لمن يرغب بزيارة الموقع.
المهم أنني في المقال تحدثت عن الحرب التي تدور رحاها الآن، خاصة في غزة ولبنان ومع ايران، وطبيعي أن لا تطابق الاحداث التوقعات بشكل تام، لأن كل خطة معرّضة للتعديل، والمعطيات تتغير بسرعة، وكذلك الأحداث، لكن ما ستجدونه في هذا المقال، يؤكد بنسبة كبيرة صحته وأين تتجه الأمور.
إليكم المقال كاملاً دون أي تعديل.
هل ستشتعل الحرب ؟ واين سيكون مسرحها ؟ الخليج ام غزة ام لبنان ؟ لاينفك الرئيس الاميركي دونالد ترامب، يعرب عن عدم رغبته بالحرب مع ايران، وكذلك اعرب المسؤولون الإيرانيون، عن التزامهم بالقوانين الدولية، وأقصى درجات ضبط النفس ، لتجنّب الحرب .
لكن ذلك لا يعني على الإطلاق ان الحرب لن تقع .
مَنْ يراجع التاريخ العسكري، يعلم جيداً، ان الحرب هي نتيجة شبه حتمية لفشل وتأزّم المساعي الدبلوماسية، لكن الأهم، انها ليست بالضرورة نتيجةً لخطط مسبقة فقط، بل قد تحدث، نتيجةً لخطأ عسكري ما، قد يُفجّر صراعاً لا يمكن التنبؤ بحدوده. ومن هذا القبيل، يمكن فهم تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين قال: ان روسيا لا يمكنها ان تلعب دور الأطفائي، كما لا يمكنها ان تُنقذ الجميع . وهذ القول يُشير بوضوح، الى امكانية اندلاع الحرب في الخليج. وهو وجّه رسالة واضحة الى ايران، مطالباً إياها، بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي، لان ذلك لن يجديها نفعاً. والرئيس الروسي يقول ذلك، لانه يعلم حقاً، ان هناك قراراً اميركياً إسرائيلياً، بمباركة أوروبية، بمنع ايران من امتلاك السلاح النووي، حتى ولو اضطروا الى توجيه ضربة عسكرية لإيران.
من الناحية العسكرية، فإن الحشود الاميركية في الخليج، رغم كثافتها، والتفوق النوعي، هي غير كافية، لخوض الحرب بالمعنى التقليدي ضد ايران . فإيران التي تبلغ مساحتها 1،648،000 كلم مربع، لا يمكن اجتياحها بسهولة، كما ان قدراتها الصاروخية ستشكل خطراً كبيراً على القوات الاميركية، ومع القوى المؤيدة لها، من العراق الى اليمن ولبنان، ستكون قادرة على توجيه ضربات مؤلمة للقوات الاميركية والدول المتحالفة معها .
فمن الناحية التقنية، ستتمكن القوات الاميركية من السيطرة على الأجواء، والإتصالات، وضرب أهداف في عمق ايران، لكنها ستكون عاجزة، عن تدارك خطر كافة الصواريخ الإيرانية. واذا كانت ايران قادرة على تحمل الخسائر المادية والبشرية، فهل يستطيع الرئيس ترامب تحمل اية خسائر محتملة، في جنوده، وهو على مقربة من الترشح لولاية ثانية ؟
لم يكن الاميركيون يوماً متفقين على خيار الحرب، والانقسام اليوم حول هذا القرار ليس جديداً، ولكن الخطر، ان صقور الإدارة الأميركية ، وخاصة مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، الذي قال: بانه يعتقد ان الرب أرسل ترامب لحماية اسرائيل. ووزير الدفاع باتريك شاناهان، ومديرة جهاز الاستخبارات جينا هاسبل، تلميذة بومبيو، التي اشتُهرت بأساليب التعذيب عندما كانت مسؤولة عن السجن السري في تايلند، هم جميعاً من اصحاب نظرية الحسم العسكري.
وبالتالي يدفعون بتأييد كبير من اسرائيل وحلفائها في اميركا، امثال نيكي هيلي وصهر الرئيس ترامب، جاريد كوشنر، باتجاه توجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية. فلطالما شكّل ذلك ، حلم قادة الكيان الاسرائيلي، وهم يرون الآن بان الفرصة سانحة لتنفيذ ذلك، ليس بغطاء اميركي، بل بواسطة القوات الاميركية مباشرةً، وهي القادرة على تنفيذ ما تعجز عنه اسرائيل، ولا تستطيع تحمل عواقبه.
ولهذا بالطبع امتنعت مرات عديدة عن تنفيذه، رغم الرغبة الجامحة في ذلك، خاصة لدى زعماء اليمين المتطرف.
ان ما حصل منذ ايام من اعتداء على السفن في الإمارات، هو بالطبع ليس عملاً فردياً، والخبراء العسكريون يعلمون انه يحتاج الى قدرات كبيرة بحجم دولة، وهذا بالتالي يطرح جملة تساؤلات حول الجهة المستفيدة، والراغبة في إطلاق شرارة الحرب. ثم انه من سيضمن غداً، عدم تعرض القوات الاميركية المرابطة هناك، لهجوم مباغت؟ فهل يمكن بعدها للرئيس الاميركي التراجع والصمت؟
بالطبع يعلم الجميع، ان الخليج الآن يشبه المرجل الذي يغلي، وقد تُسبّب اية شرارة انفجار الوضع وخروجه عن السيطرة . فالولايات المتحدة تُصرّ على تنفيذ العقوبات على ايران بالقوة، اي انها استقدمت السفن وحاملات الطائرات، لإبلاغ ايران انها لن تسمح لها بالالتفاف على العقوبات، وأنها ستفرض ذلك ولو بالقوة. ويجول وزير خارجيتها، مايك بومبيو ، لاقناع جميع الأطراف بوجهة النظر الاميركية، وضرورة الالتزام بالعقوبات. ومن ناحية ثانية فتحت الباب أمامها للتفاوض، على اتفاق جديد، يفرض على ايران التخلي عن بعض حلفائها في المنطقة، من العراق الى سوريا ولبنان، ويُبقيها تحت المراقبة الاميركية المباشرة. وإنّ اتفاقاً كهذا، سيضمن للرئيس ترامب، الفوز بولاية جديدة، كما سيسهل الطريق، امام تطبيق ما سُمّي بصفقة القرن، حتى ولو كانت معدّلة بعض الشيء . وبالمقابل يجهد وزيز الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، لاقناع مستوردي النفط الايراني، من اليابان الى الصين والهند، للاستمرار في ذلك، فيما راحت كبريات شركاتهم تبحث عن بديل للنفط الايراني، ما يجعل الخيارات الإيرانية تضيق، وجعلها تُهدد باغلاق مضيق هرمز، فمن سيبادر بإطلاق شرارة الحرب؟
اما على الجبهة الاسرائيلية ، فمنذ وصول رئيس الاركان الحالي، في يناير الماضي، افيف كوخاي، مرشح اليميني المتطرف ليبرمان، رغم معارضة نتنياهو، وترشيحه لسكرتيره العسكري الجنرال ايلي زامير، عمد كوخاي الى إعداد خطته لتطوير الجيش، بما بات يُعرف بخطة النصر، للتعويض عن الفشل الذي لحق به في حرب تموز ٢٠٠٦ وفي غزة لاحقاً. وهو سيقدمها الى الحكومة، في مطلع تموز المقبل.
ويعتبر الخبراء العسكريون، انه عندها ستكون قد تشكلت الحكومة الجديدة لبنيامين نتنياهو، حيث ستكون مستعدة لشن الحرب، أكان في قطاع غزة ام في لبنان .
ومن المعروف ان نتنياهو ، كان يريد توجيه ضربة الى حزب الله، قُبيل الانتخابات الاسرائيلية، كي تُسهّل إعادة انتخابه، وإبعاد تُهم الفساد عنه، ومهّد لذلك عبر الكشف عن انفاق، على الحدود مع لبنان. إِلَّا ان الاميركيين رفضوا اعطاءه الضوء الأخضر في اللحظة الاخيرة، ولأسباب عديدة، أهمها حرصهم على تحييد واستقرار لبنان، الذي يرزح تحت اعباء النازحين ويقف على حافة الافلاس، وفي ظل الظروف الراهنة في المنطقة، خاصة في سوريا، يُصبح التخوف كبيراً من ان تتطور الأوضاع بشكل دراماتيكي، يُؤثر سلباً على نفوذهم الحالي .
واذا كان الاميركيون لا يُخفون رغبتهم في تقليص نفوذ حزب الله، ويسعون عبر العقوبات الى شل قدراته وإضعافه، فان هناك في الادارة الاميركية وإسرائيل، من يرغب بتنفيذ ضربة عسكرية ضده. ولقد كشف حزب الله منذ فترة، وعبر التنصت على وسائل اتصال العدو، خطة اسرائيلية لضرب لبنان، ولهذا فان الاستعدادات متواصلة، أكان من قِبل المقاومة ام من قِبل اسرائيل. لكن ذلك لا يعني ان الحرب واقعة حتماً، فالاستعدادات في المفهوم العسكري، هي عمل يومي، والقائد الذي لا يواضب عليها هو قائد فاشل.
ولذلك يجب النظر الى عدة أمور اخرى، فنتنياهو الذي لم يُسجّل في تاريخه العسكري نصراً واحداً، هو يرغب حقاً بتحقيقه، لكنه في المقابل لا يستطيع تحمل هزيمة جديدة، ومع علمه، بخطة حزب الله، بنقل المعركة الى ارض العدو، وارسال آلاف المقاتلين الى الجليل، فهو سيُبقي احتمال نجاح الحزب ممكناً، ولو في موقع واحد، فهل يمكنه مثلاً، احتمال رفع علم حزب الله، فوق احدى المستوطنات الاسرائيلية؟ ولو لبضع ساعات؟ ثم ماذ سيفعل لو تمكن الحزب، من أسر بعض الجنود، او المستوطنين ؟
بالطبع ان ذلك سيقضي على حكومته، ومستقبله السياسي، خاصة بعد ما ظهر في الانتخابات الاخيرة، من معارضة قوية له، ورغبة بالتغيير، في الداخل الاسرائيلي.
ولهذه الأسباب وغيرها، بتنا نسمع خطاباً جديداً في اسرائيل، وآخره ما جاء على لسان رئيس الاركان السابق غادي ايزنكوت، وكذلك نائب رئيس الاركان يائير غولان، انه لا توجد حاجة اليوم لغزو لبنان، من اجل القضاء على صواريخ حزب الله. مما يعني استبعاداً لخيار الحرب الآن، خاصة انها غير مضمونة النتائج.
ولكن هذا لاينطبق على غزة، التي يرى الاميركيون والاسرائيليون، انه لا بد من إخضاعها، وإجبارها على القبول بما يُرسم لها، وللمنطقة بشكل عام.
وخلاصة القول، انه في ذروة التوتر والاستعداد العسكري، وسياسة التعنت والحصار والتجويع، وفرض الحلول بالقوة، تصبح الظروف مهيئةً لاشتعال الحرب، نتيجة لأي خطأ، مهما كان بسيطاً، او بفعل طرف ثالث، قد يكون مستفيداً، من إشعال نار الحرب، ليصبح جميع الأطراف في المنطقة، كمن يرقص على حافة الهاوية، وقد يسقط فيها في اية لحظة.
المقال على الرابط التالي: https://www.althaer.com/news/247545