تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
رئيس تحرير "الثائر" اكرم كمال سريوي -
دعا الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ، مجدداً إلى الحوار وإيجاد تسوية، للخروج من المأزق، وانتخاب رئيس للبنان.
قال كمال جنبلاط: "علّمتني الحقيقة أن أرى جمال التسوية".
وعلى هذا المبدأ يسير وليد جنبلاط، الذي يعرف جيداً زواريب السياسة الداخلية اللبنانية، والانقسامات الحادة، والصراع على الحصص والنفوذ، المتشابك مع العوامل المذهبية والطائفية، والتدخلات الخارجية،
وكل هذا شكّل ويشكّل عوائق أمام عملية انتخاب رئيس للجمهورية.
يُقال: " الصلح سيّدُ الأحكام" .
وهذا صحيح لأنه مهما كان الحكم الصادر عن القاضي عادلاً، فهو لن يُرضي الفريقين المتخاصمين، بعكس الصلح الذي يرضى عنه الطرفان.
لكن الصلح لا يكون بهذا المقام، إلّا إذا استند إلى الإنصاف والعدل.
وهكذا هي التسوية، فلا تكون جميلة إذا كانت بغلبة فريق على آخر، أو بالكسر والجبر والقهر. فساعة إذن تتحول التسوية إلى مسألة استبداد فريق بفريق آخر، وتفقد كل سماة التفاهم والوئام والجمال.
والتسوية الجميلة، لا تتم من تلقاء ذاتها، بل هي تحتاج إلى حوار بين الفرقاء، وربما إلى وسيط أو طرف نزيه، يعمل على تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، لإعلاء الشأن العام على الخاص، وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الخاصة، وهذا ما يحاول أن يقوم به وليد جنبلاط.
في الظروف الراهنة من الصعب إيجاد تسوية جميلة في لبنان، فكل فريق يريد تسوية تخدم مصالحه وحده، وتُحقق غايته بكسر الفريق الآخر.
ولا يصعب على أي فريق، تغليف موقفه بشعارات الوطنية والسيادة وحماية حقوق الطائفة وغير ذلك.
وانطلاقاً من التعنّت القائم، والتصلب في المواقف، ورفض حتى فكرة الحوار من قبل البعض، ومع تفاقم الصراعات الدولية، وانشغال العالم بما هو أهم من مسألة انتخاب رئيس في لبنان، فإن التسوية بعيدة المنال، وانتخابات الرئاسة مؤجلة حالياً، إلى حين انجلاء عدة مواقف دولية.
فالولايات المتحدة الامريكية المؤثر الدولي الرئيسي في المنطقة، ومن ضمنها انتخاب رئيس في لبنان، منشغلة الآن في مسائل هامة ومُلحّة، بدءاً من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واحتدام التنافس بين بايدن وترامب على كل صوت، وصولاً إلى الحرب الأوكرانية، والصراع مع روسيا والصين، وتوسّع منظمة "البريكس" ، إلى الحرب في غزة وارتداداتها على الداخل الامريكي والعلاقات الدولية.
وكل ذلك يحجب أمريكياً الاهتمام بالمسائل الصغيرة، كانتخاب رئيس في لبنان، والكلام الوحيد الذي يسمعه المسؤولون والنواب اللبنانيون الذين يزورون واشنطن، هو من قبيل الاهتمام بأمن إسرائيل، والطلب إليهم المساهمة في الضغط على حزب الله، وتجيش الرأي العام، لوقف عمليات المقاومة من جنوب لبنان.
أما إيران الدولة الثانية المؤثرة في المشهد اللبناني، فهي أيضاً لديها الآن اهتماماتها الداخلية، لانتخاب رئيس جديد، وإعادة ترتيب البيت الداخلي.
أمًا الدول العربية فيبقى انتخاب رئيس في لبنان بالنسبة لها، هو من مهام السفراء، ولا يرقى إلى مستوى أعلى من ذلك، سوى في محادثات جانبية، يجريها بعض الرؤساء العرب مع الرئيس الفرنسي ماكرون، أو في زيارة مسؤول لبناني.
وبقيت إشارة اجتماع القمة العربية إلى موضوع انتخاب رئيس في لبنان، من قبيل رفع العتب، دون اقترانها بأي إجراءات عملية، تساعد في انجاز الاستحقاق.
جاء المبعوث الفرنسي لودريان إلى لبنان، وغادر ولم تُحدث زيارته أي خرق في جدار الأزمة، والخرق لم يكن متوقعاً أصلاً.
لكنه سيقدم تقريره إلى الرئيس الفرنسي ماكرون الذي سيلتقي بالرئيس الأمريكي بايدن قريباً في النورمندي.
ولكن تقرير لودريان مختصر: "اللبنانيون لن يتفقوا على رئيس حتى لو كان ملاكاً، ولكنهم يقبلون بأي رئيس يُفرض عليهم".
بالمختصر يمكن القول أن الكل في لبنان ينتظر، ولا تسوية قريبة، وحتى حين يحين موعدها، فهي لن تكون جميلة، لأنها لن تكون لبنانية، بل سترسم خطوطها العريضة التوازنات الدولية، التي ستفرض نفسها على طاولة المفاوضات القادمة، التي يُعدها الأمريكي للمنطقة، وما زال مصرًا على استبعاد اطراف أساسية منها، كروسيا والصين.
فالرئاسة في لبنان لن تنضج من دون تسوية أمريكية إيرانية، ومن الواضح أنه لم يحن وقتها بعد. وقد تلعب بعض دول المنطقة دور الوسيط المساعد، لكن بكل تأكيد لن تكون هي صاحبة القرار.
وهذا يعني أن انتخابات الرئاسة في لبنان، مؤجّلة حالياً إلى ما بعد تشرين، هذا إذا كنّا متفائلين، و إلى العام المقبل، إذا كنا أكثر واقعية وموضوعية في قراءة المشهد السياسي.