تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
-" اكرم كمال سريوي "
منذ بداية الأزمة في لبنان، اعتمدت الحكومة سياسة "فرّق تسُد" بين موظفي القطاع العام، وقامت بتقديم رشاوى لبعض القطاعات ؛ مرّة للقضاة ومرّة للمعلمين، وثالثة لموظفي المالية، ورابعة لعمال الاتصالات، والدفاع المدني، وغيرهم وغيرهم.
تعامل الحكومة هذا، مع موظفي الدولة، حصل دون مراعاة للأنظمة والقوانين، وكأنها رب عمل فاسد، يستغل ويبتز العاملين لديه.
لم تحترم الحكومة "مؤشر غلاء المعيشة" لتصحيح الرواتب، وهي نجحت من خلال سياستها هذه، بتفرقة صفوف الموظفين، خاصة بين من هم في الملاك، والمتقاعدين، لأن ورقة الضغط الحقيقية على الدولة (الإضراب) ، هي بيد الذين ما زالوا في الخدمة، وليس المتقاعدين.
ورغم أن موظفي اليوم هم متقاعدو الغد، وسيتجرعون الكأس المرّة باعدام رواتبهم، لكن بعضهم انخدع بقرار الحكومة، ربما لانه يعتبر أن وقت التقاعد ما زال بعيداً.
النقطة الأهم أن الحكومة تريد تقطيع الوقت، وبعد أن قامت بتصفير تعويضات نهاية الخدمة للموظفين، (مع هبوط قيمة العملة الوطنية، وقرار عدم دمج الزيادات في الراتب) الذين أحيلوا وسيحالون على التقاعد، وفق النظام الجديد، الذي تريد الحكومة إعتماده، بحيث يصبح الراتب التقاعدي، يتراوح بين ٢٥٪ إلى ٣٠٪ من آخر راتب تقاضاه الموظف في الخدمة الفعلية، بدل ال ٨٥٪ التي ينص عليها قانون الموظفين.
مجلس النواب يشرّع القوانين باسم الشعب اللبناني، وعلى الحكومة ان تصدر المراسيم التطبيقية اللازمة لهذه القوانين. وبمعنى أدق، لا يحق للحكومة تعديل القوانين، أو إصدار مراسيم مخالفة لها.
هذا صحيح في دولة القانون، لكن يبدو أن حكومة تصريف الأعمال الميقاتية، اعتادت انتهاك القوانين والدستور، خاصة في ظل غياب الرقابة النيابية، وحتى القضائية، بعد أن تم تطويع القضاء، ببعض الاغراءات والقرارات المالية، التي هي في الأصل مخالفة للقانون.
وفقاً لقانون الموظفين لعام ١٩٥٩ يحصل الموظف المتقاعد على نسبة من الراتب، تساوي عدد سنوات الخدمة مقسومة على ٤٠، وتضرب بأخر راتب تقاعدي تقاضاه، على أن لا تتجاوز نسبة ٨٥٪ من هذا الراتب، يضاف إليها التعويض العائلي، وبعض المستحقات الأخرى لبعض الموظفين، كبدل الأوسمة، وغير ذلك.
يتم شهرياً حسم جزء من راتب الموظف ويوضع في صندوق التقاعد الذي تديره الدولة والذي تُدفع منه رواتب المتقاعدين.
أي أن رواتب التقاعد، هي بمثابة أمانة، ووديعة للموظف لدى الدولة، وهذا يعني أنها حقوق مكتسبة له، لا تملك الدولة حق التصرف بها.
وفقاً للمادة ٢٤ من قانون الموظفين، فإن تعويض الانتقال وأجور النقل: "تستحق للموظف الذي ينتقل خارج مركز عمله بداعي الوظيفة"،
أي أنها لا تُعطي تعويض انتقال للموظف، من أجل الانتقال من مكان إقامته إلى مركز عمله.
كي لا تعطي الدولة راتباً عادلاً للموظفين، خالفت القانون، وأعطت لهم بدل نقل، واليوم تريد إعطاءهم بدل إنتاجية، والهدف من هذا التدبير، عدم احتساب هذه البدلات ضمن الراتب التقاعدي للموظف، ولا ضمن تعويضات نهاية الخدمة.
نصت المادة ٢٩ من قانون الموظفين أنه - لا يجوز أن يزيد مجموع التعويضات والأجور من أي نوع كانت، والمكافآت والعائدات التي يتقاضاها الموظف من موازنة الدولة، أو من موازنات المؤسسات والمصالح العامة والخاصة, خلال سنة مالية واحدة, على خمسة وسبعين بالمئة من مجموع رواتبه الشهرية في السنة نفسها.
رغم وجود كل هذه النصوص، قررت حكومة تصريف الأعمال، أن تُصدر مرسوماً، تدفع بموجبه "بدل انتاجية" للموظفين في القطاع العام، يفوق الراتب بأضعاف، حوالي ١٦ ضعفاً) بحيث يصبح مثلاً، مجموع ما يتقاضاه موظف فئة ثالثة، يتراوح بين ٧٠ إلى ٩٠ مليون ليرة شهريًا، بينما يتقاضى عندما يحال الى التقاعد، أو زميله المتقاعد، حوالي ٢٥ مليون ليرة فقط.
سيتقاضى المتقاعدون ربع راتب الموظف الفعلي، ويمكن القول أن الحكومة تكون بهذا الإجراء قد فعّلت نظام "اعدام المتقاعدين" بما يشبه ما يُسمى ب "بروتوكول هانيبال" الذي يسمح بالتضحية ببعض الجنود والاستغناء عنهم، بدل تكبّد عناء إنقاذهم.
تتجاهل الحكومة وجود القانون، وتشرّع بدلاً من المجلس النيابي، وتصادر حقوق المتقاعدين، وتصدر مراسيم أشبه بالفرمانات الهمايونية، أيام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني المعظم، آخر سلاطين بني عثمان، بعد أن أُعلن افلاس الدولة وانهيارها، على ايدي حكامها الفاسدين،
بما يشبه حال دولتنا المبجلة اليوم.
فرمان "كلخانة" الميقاتي لا يمت إلى الاصلاح بصلة، بل يجعل كل موظف قلقاً على مستقبله، ويحول موظفي القطاع العام إلى مياومين، مع العلم أن عامل "اليومية" يتقاضى أكثر من موظف فئة ثالثة بمرتين، وصاحب محل أو دكان صغير، يجني شهرياً أكثر من رواتب أربعة عمداء في دولتنا العلية.
عائلة الشهيد ستحصل على راتبه التقاعدي، الذي لم يعد يكفي لدفع الفواتير والضرائب، التي تزيدها الحكومة بشكل مطرد.
صحيح إن الوطن يستحق التضحية، لكن هل هذا ما يستحقه من أفنى عمره في خدمة الوطن؟ أو عائلة من قدم روحه فداءً للبنان؟
دولة الرئيس ميقاتي، السادة الوزراء
شكراً لقيادتكم الحكيمة!!!
لكن يا سادة للظلم حدود.