تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
ألزمت وزارة المال أصحاب القطاع الخاص بتسجيل الرواتب والأجور التي تُدفع بالدولار الأميركي أو بأي عملة أجنبية أخرى واقتطاع الضريبة المتوجبة عليها مع مفعول رجعي يعود إلى الأول من شهر كانون الثاني 2022، بدءاً من الشهر الجاري. وأثارت قرارات الوزارة موجة غضب على مستوى اتحادات العمال وموظفي القطاع الخاص والقيّمين عليه من مؤسسات وهيئات اقتصادية ومعنيين، مستنكرين بقوة تلك القرارات المجحفة. فالدولة ذات الموازنة العاجزة، لا تجد سوى بالضرائب وسيلة لتسديد رواتب القطاع العام وسدّ عجزها، وتبحث "بالسراج والفتيلة" عن كل باب يُدخل دولاراً إلى جيب المواطن، لتقتطع منه، مقابل صفر خدمات وحقوق.
وعلى غرار الدولار الجمركي الذي سيزيد أسعار السلع، ما سيؤدي إلى تراجع في الاستهلاك، فإنّ فرض الضريبة على الرواتب المصروفة بالدولار سيدفع الشركات الخاصة إلى الإقفال، وموظفيها إمّا الى الهجرة أو للتعرّض للتسريح، وإمّا للاستسلام لخسارة جزء لا يُستهان به من رواتبهم، إضافة إلى إبعاد الاستثمارات الخارجية بدلاً من جذبها.
وقد رفعت الهيئات الاقتصادية الصوت عالياً، محذرة من أنّ فرض هذه الضرائب من شأنه القضاء كلياً على القطاع الخاص في لبنان، لما له من تبعات مالية ضخمة على المؤسسات الخاصة لا يمكنها تحمّلها على الإطلاق، وانعكاسات سلبية على الكثير من العمال والموظفين في القطاع. واعتبرت أنّ هذه الضرائب هي بمثابة رصاصة الرحمة على مؤسسات القطاع الخاص الشرعية، مشدّدة على ضرورة إلغاء مفعوله الرجعي، مع ضرورة التعاطي مع موضوع الشطور والتنزيلات العائلية ضمن مقاربة ديناميكية لا تظلم الأجير كما هو حاصل في هذه القرارات.
في هذا الإطار، يؤكّد رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس لـ"النهار"، أنّ الشركات، اضافة إلى تسديدها الرواتب والأجور لموظفيها بالدولار، "تتأثّر بتسديدها تعويضات نهاية الخدمة والضمان الاجتماعي وفق الضريبة الجديدة، لأنّ الراتب الفعلي أصبح أعلى بكثير ممّا كان عليه، ففي احتساب تعويضات نهاية الخدمة، يُحتسب آخر شهر من العمل بعدد السنوات السابقة كلّها. ويتأثّر الموظف بتسديده نسبة أكبر من الضرائب على مبالغ مالية أكبر وشطور أعلى، لأنّ الدولار سيُحتسب على سعر "صيرفة" وليس على سعر 1500 ليرة".
من جهته، وفي حديث الى "النهار"، يرى رئيس "شبكة الشركات العائلية"، وأحد الشركاء في شركة "حصري" القابضة وعضو شبكة القطاع الخاص اللبنانيThe Network ، ريكاردو حصري، أنّ "الدولة إمّا مصابة بوباء الغباء، وإما أن قرار وزارة المال هو تدمير ممنهَج للقطاع الخاص وإجرام بحق الاقتصاد والمواطن".
ففي علم الاقتصاد، ومن البديهي، أنّ في الأزمات الاقتصادية لا تُفرض الضرائب ولا تزيد، بل على العكس، تُخفَّض لجذب الاستثمارات ومن ثم ترتفع تدريجاً، لكن ما يحدث في لبنان هو العكس تماماً. فوفق حصري، "هذا القرار الجنوني سيدفع حتماً الشركات إلى التفكير بالإغلاق وبتسريح موظفيها وبالانتقال من الاقتصاد الشرعي إلى الاقتصاد غير الشرعي". إذ لا يمكن لشركة شرعية تدفع ضرائبها وتعمل بشفافية وتلتزم القوانين أن تكون قادرة على المنافسة في سوق نحو 65 إلى 70 بالمئة من اقتصاده غير شرعي، ومنافسة شركات غير شرعية لا تصرّح عن مداخيلها ولا عن رواتب موظفيها ولا تسدّد الضرائب، لذلك، "هناك استحالة بتطبيق هذا القرار".
وبدلاً من اللجوء إلى فرض ضرائب على رواتب الموظفين والشركات الخاصة لتسديد رواتب القطاع العام واتخاذ قرارات منفردة وعشوائية من دون خطة متكاملة، يسأل حصري: "لماذا لم يتم ترشيق القطاع العام وتخفيف الفائض الوظيفي فيه وإنجاز الإصلاحات اللازمة خلال السنوات الثلاث الماضية من الأزمة؟".
إضافة إلى أنّ وزارة المال فرضت القرار بمفعول رجعي يعود إلى أوائل هذا العام بدلاً من أن تضع ميزانية الشركات في خريف هذا العام تمهيداً للعام المقبل. لذلك، "تغيب الرؤية تماماً أمام الشركات الخاصة حول نشاطاتها المستقبلية من الاستيراد والاستثمار والتصنيع وغيرها، وتفكّر حالياً بالانتقال إلى خارج لبنان، والمستثمرون سيغيبون عن البلاد أيضاً"، بحسب حصري. ويضيف أنّ "فرض الضرائب هذه هو مشروع إفلاس للشركات واضطهاد لصاحب العمل والموظف في الوقت نفسه". فصاحب العمل الذي حافظ على موظفيه بزيادة جزء من الراتب بالدولار ليعيشوا بكرامة، سيكون الاستمرار بهذا الأمر مستحيلاً مع هذه القرارات، ويحكمون على صاحب العمل إمّا بالامتناع عن استمرار تسديد المبلغ بالدولار، وإما اللجوء إلى "الدفع البرّاني"، وإما إلى تسريح الموظف وجعله عاملاً عادياً وحرمانه بالتالي حقوقه في تعويض نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي".
ويعتقد حصري أنّه "حان الوقت للعصيان وللتعليق الضريبي ولسنا مستعدّين لتسديد ضرائب إضافية في سلة الدولة المثقوبة".
عملياً كيف ستُحتسب الضرائب على الرواتب؟
حالياً في لبنان، ووفق معايير الدولة اللبنانية، أصبح راتب الـ 2000 دولار "فريش" هو الحد الفاصل على الثراء، ومَن يتقاضى أكثر من هذا المبلغ يُعدّ ثرياً كون هذا الراتب هو أعلى معدّل شطور بالضريبة وهو 25 في المئة ويساوي أعلى ضريبة دخل في أي مؤسسة عاملة في لبنان.
في السابق كانت الـ 2000 دولار توازي 3 ملايين ليرة لبنانية، وكان هذا الشطر يُعدّ الأدنى بالمداخيل المتوسطة. وكانت الضريبة على هذا الدخل 55 دولارا عندما كان الدولار يُحتسب على سعر 1500 ليرة وفقاً للشطور السابقة. أمّا الآن، فقد تم ضرب الشطور بـ 3 واحتساب مَن يتقاضى بالدولار "الفريش" على سعر "صيرفة"، وبالتالي يرتفع المبلغ بضريبة 20 في المئة وترتفع الشطور بنسبة 3 أضعاف، أي أنّه يترتب على الموظف زيادة 17 مرة على ضريبة راتبه. وبات مثلاً على مَن يتقاضى 2000 دولار أن يسدّد ضريبة قدرها حوالى 200 دولار. ومَن راتبه 2000 دولار على سعر 1500 ليرة، عليه تسديد 55 دولارا على سعر "صيرفة". ومَن يتقاضى الراتب نفسه على سعر 8000 ليرة، عليه أن يدفع 76 دولارا على سعر "صيرفة". ومَن يتقاضى نصف راتبه على 8000 والنصف الآخر بالدولار، فعليه أن يدفع حوالى 98 دولارا على سعر "صيرفة".
ويرى أحد الصحافيين العاملين في إحدى الفضائيات العربية، أنّ "هذه الزيادة الضريبية مجحفة". فجميع الشركات، وخصوصا التكنولوجية منها، تطلب نقلها إلى الخارج بسبب هذا القرار الناسف للجميع لا سيما أنّ مَن يتقاضى بالدولار لا ينفق على نفسه فقط إنّما لديه التزامات مع مَن هم بحاجة مادية من حوله بسبب الأزمة الحالية، و"أهلنا أولى من الدولة بهذه الأموال".
إضافة إلى أنّ هناك مشكلة تكمن في غياب العدالة بالدفع، ويسأل الصحافي إياه: "لماذا لا تتقاضى الدولة مثلاً مبلغ 55 دولارا "فريش" على راتب 2000؟ فكيف يمكن لمديرية الواردات في وزارة المال فرض الضرائب بهذه السهولة من دون إقفال مزاريب الفساد والتفتيش عنه؟".