تابعنا عبر |
|
|
الثائر تقدم لكم تقنية الاستماع الى مقالاتها علّم أي مقطع واستمع إليه
#الثائر
- " فادي غانم "
في العاشر من ابريل ١٩١٢ أبحرت باخرة التايتنك العملاقة، التي صدّق ركابها أسطورة أنها لا تغرق، وبعد أربعة ايام شرقي شواطئ كندا، تلقت السفينة عدّة إنذارات بأنها دخلت في منطقة خطرة، لكن قبطانها وكامل الطاقم معه ، وكذلك ركابها، لم يعيروا هذا الأمر أي اهتمام.
في منتصف الليل الحالك، ذهب القبطان ادوارد سميث للنوم، وكان عازماً على التقاعد، وسعيداً بأنه قاد سفينة عظيمة في آخر رحلة بحرية له، وأوكل مهمة قيادة السفينة إلى قبطان شاب، قاد الأخير السفينة بأقصى سرعتها، ليتفاجأ بجبل جليد أمامه، فحاول تغيير اتجاه الباخرة، لكنه عجز عن تفادي الارتطام الكبير، وما هي إِلَّا ساعات قليلة، حتى انشطرت السفينة الأسطورة نصفين، وغرقت في أعماق المحيط، ولم ينجُ من ركابها سوى ثلثهم فقط، رغم أنه كان بالإمكان إنقاذهم جميعاً، فيما لو تصرف طاقم السفينة بشكل صحيح، والمدهش في الأمر أن ركاب السفينة، رغم علمهم بحادث الارتطام، لم يكترثوا للأمر، وذهب قسم منهم للنوم، وعندما استيقضوا كان قد فات الأوان، فغرقوا مع سفينتهم في المياه المتجمدة، أما سفينة كاليفورنيا التي كان يمكنها أن تنقذهم، فكان عامل اللاسلكي فيها، قد أطفأ الجهاز، وخلد إلى النوم، ولم تسمع كاليفورنيا أي طلب استغاثة من التايتنك.
لبنان في ٢٠٢٢ يشبه تلك التايتنك، فرغم ظهور جبل الجليد أمامه بوضوح، وحتمية الارتطام، ما زال طاقم السلطة يقود البلد بأقصى سرعة نحو الكارثة، وبعض الشعب غارق في اللهو والنوم.
دولة غارقة في الشلل والفساد!!! فحكومة تصريف الأعمال عاجزة عن معالجة أي مشكلة معيشية بسيطة، والموظفون يضربون عن القيام بأعمالهم، وعمال الاتصالات في أوجيرو يهددون بإطفاء السنترالات، مُعيدين إلى الأذهان ما قام به عامل اتصالات كاليفورنيا، ليغرق لبنان بصمت، دون أن يسمع أحد في العالم صوت استغاثته.
أشرف عهد الرئيس عون على نهايته، ودخل لبنان في المرحلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد، ومن يعنيهم الأمر، ما زالوا يتلهون بالخطابات والمناكفات والسقوف العالية في المهاترات، وإلقاء اللوم على الآخر.
وحدهم الطامحون إلى الرئاسة يتبارون في مزاد الترشيحات، وبعض هؤلاء يعتقد أنه يترشح لمنصب مختار الحي، وهو حتى هذا المنصب لا يستحقه، فكيف بمنصب رئيس للبلاد، في ظروف عصيبة، تحتاج فيها إلى قائد ملهم، يحمل حكمة سقراط وصبر أيوب، ليتمكن من إنقاذها وترميم ما تهدم.
لا شيء يُبشّر بالخير !!!
فالقادة على حالهم، كلٌ يُغني على ليلاه، ويحلّق في الخيال، ويسعى خلف مآربه، ورجل واحد يضع قدميه على أرض الواقع، ويتحسس ألم الناس وهمومهم، فأبلغهم بهزالة سلوكهم، بأسلوبه الساخر المعتاد، حين قال في الأمس: «بحثنا مع دولة الرئيس الأمور العملانية، مثل الكهرباء وترسيم الحدود، وبوجود وزير التربية تطرقنا الى الشؤون التربوية. أمّا الأمور الكبرى فاتركها لغيري، وهم يمسكون باللحظة التاريخية. أنا أهتم بالأمور الصغرى بكل تواضع».
نعم ربما وحده وليد جنبلاط من بقي لديه بعض الواقعية في لبنان، للتعاطي مع الشأن العام، ويسعى لتدارك ما يُحدث بالبلد من مخاطر.
الدولار يُحلّق دون سقف، وبشكل غامض دون مبررات وأسباب اقتصادية واضحة، وأسعار الوقود تشتعل عالمياً، وفي لبنان أكثر، وراتب الموظف السنوي بكامله بات لا يكفي لتأمين مازوت للتدفئة لفصل الشتاء القادم، وأسعار السلع تكوي جيوب وبطون الفقراء، والكهرباء مقطوعة بشكل شبه كامل، والمدارس الخاصة ب "الفرش دولار" والرسمية عاجزة ومُعطّلة، مما يضع آلاف الطلاب خارج المدارس، ويدمر مستقبلهم، وبعد هذا كله يُتحفنا بعض المسؤولين بحقوق الطوائف والعنتريات، فيما اللبناني ومن كل الطوائف، بات يفتقد لأبسط حقوق الإنسان، ومقومات العيش بكرامة.
إنه الأرتطام الكبير!!!
لقد بدأ، وتايتنك لبنان تسير إلى الإنشطار والغرق، والبعض ما زال يعزف ويرقص ويغني، على لحن المذاهب، ومعزوفة الشقاق والموت.
يُرجى الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية عند نسخ أي شيء من مضمون الخبر وضرورة ذكر اسم موقع «الثائر» الالكتروني وإرفاقه برابط الخبر تحت طائلة الملاحقة القانونية.